ترامب.. وسقوط الإعلام
مقالات مختارة | محمود مسلم
الخميس ١٠ نوفمبر ٢٠١٦
دروس عديدة يجب التوقف أمامها بعد الانتخابات الأمريكية والفوز غير المتوقع للمرشح ترامب، أبرزها أن الإعلام بكل انحيازاته الفجة لا يستطيع التغيير، كما يعتقد البعض، فقد تعرض ترامب لأكبر حملة تشويه متعمدة، وأعلنت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية انحيازها الأعمى لهيلارى كلينتون، بالإضافة إلى الدعم الإعلامى الخليجى لها أيضاً، وكذلك استطلاعات الرأى التى ثبت لمرات عديدة توجيهها أو عدم كفاءتها حتى فى أمريكا.. بالتالى لم ينجح المرشح الأوفر حظاً فى الإعلام بل الأكثر اتصالاً مع الجماهير والتعبير عن قناعاته بوضوح، بعيداً عن الكلام الإنشائى والشعارات البراقة واللغة الدبلوماسية، حيث أصبح الوضوح والمصداقية هما اللغة الأسهل للوصول إلى الشعوب.
حاول الإعلام الأمريكى وفشل، وأعتقد أن الخبراء سيعيدون تقييم التجربة، لأن الأحداث تؤكد كل يوم أن الإعلام يدعم الاتجاهات ولا يغيرها، كما يقول دائماً صديقى د. أحمد محمود، أستاذ وضمير الصحافة المصرية، بمعنى أن كل من يشاهد المناظرات على سبيل المثال يخرج منحازاً للطرف الذى يمثل قناعاته المسبقة أو اتجاهاته السياسية، مع هامش قليل لتغيير قناعات المترددين أو الذين لم يكونوا اتخذوا قرارهم بعد، وحدث ذلك فى مواقف شهيرة فى مناظرة الفريق أحمد شفيق ود. علاء الأسوانى أثناء ثورة يناير، وخلال مناظرة عمرو موسى ود. عبدالمنعم أبوالفتوح أثناء الانتخابات الرئاسية 2012، وحتى مؤخراً خلال ندوة مؤتمر الشباب حول الإعلام التى تحولت إلى مناظرة بين إبراهيم عيسى وعدد من الإعلاميين.
الإعلام لا يستطيع خلق حالة من العدم، بدليل أن «مبارك» سقط وكل الإعلام تقريباً كان يؤيده ثم تلا خطابه الشهير والجميع تعاطف معه، بمن فيهم يسرى فودة، لكن الأمور على الأرض كانت تسير بشكل مختلف، وتنحّى «مبارك» وجاءت الانتخابات الرئاسية، ودخل الإعادة أكثر اثنين هاجمهما الإعلام «شفيق ومرسى»، وأخفق آخرون كانت معظم وسائل الإعلام تدعم عبدالمنعم أبوالفتوح وحمدين صباحى وعمرو موسى.. وبالتالى لا يجب تحميل الإعلام مسئولية كل شىء، سواء فى النجاح أو الفشل، وقد كتبت من قبل أن كثيراً من الإعلاميين يركب على شعبية «السيسى» التى حصل عليها بمواقفه وأدائه إبان ثورة 30 يونيو ولم يصنع الإعلام شعبيته.
الغريب أيضاً أن القيم الغربية تصدر لمصر فكرة تولى الشباب المسئولية، بينما المرشحان الأمريكيان يتجاوزان سن المعاش بكثير، وأخفق فى الانتخابات الحزبية العديد من الشباب، مما يؤكد أن الكفاءة هى الحل، سواء كان شاباً أو عجوزاً، إنما فى القيم الغربية فلا تطبق هناك، لكنها تصدر للمجتمعات العربية، وهى نفس طريقة قيم حرية الإعلام وحياده التى استخدموها كثيراً، ثم مارسوا فى الانتخابات الرئاسية أبشع طرق الانحياز الواضح أحياناً والخفى غالباً، أما الأغرب فقيمة حياد الإدارة فى الانتخابات التى انكشفت بقوة، حيث تحركت أغلبية المؤسسات مع مرشحة حزب الرئيس أوباما السيدة هيلارى كلينتون، بل إن أوباما نفسه تحرك ببجاحة لتأييد هيلارى ضد ترامب.. لقد سألت صديقى الكاتب الصحفى أحمد الطاهرى الذى قدم تغطية متميزة للانتخابات الأمريكية قبل ساعات من بدء العملية الانتخابية عن توقعاته، فقال الاستطلاعات تؤيد هيلارى، لكن التأييد الفج للمؤسسات الأمريكية وأوباما لها يعكس عدم حيادهم، ويؤكد شعورهم بأن فرص ترامب قوية، وتقديرهم لفوزه كبير، وبالتالى المفاجآت واردة.
لقد حدثت فعلاً المفاجأة، وفاز ترامب الذى صوره الإعلام الأمريكى بالمجنون والمعتوه والمتهور وأمور كثيرة أخرى، ولست من المتشائمين الذين يرون أن أمريكا تحكمها المؤسسات وليس الرئيس، بدليل أن أوباما فرض رأيه على كل المؤسسات الأمريكية بالاستغناء عن مبارك، بينما كل المؤسسات كانت تدافع عنه، وحتى لو افترضنا ذلك، فإن الرئيس الأمريكى القادم جمهورى ومجلس النواب جمهورى، ومجلس الشيوخ جمهورى، وبالتالى يجب توقع تغيير حاد فى السياسات الأمريكية، حيث سيكون الاهتمام بالداخل الأمريكى أكبر بكثير من تصدير المفاهيم أو الثورات للشعوب أو دعم الإخوان والنشطاء على حساب الأوطان، ولكن الأهم أن تساعد مصر نفسها بعد أن استهدفها أوباما على مدى سنوات من أجل دعم الإخوان.. تساعد مصر نفسها بحسن الإدارة، وتوظيف الكفاءات، والاهتمام بحقوق الإنسان من الداخل وليس الخارج، والاستعداد لتطبيق أحكام القضاء على قيادات جماعة الإخوان الإرهابية الخائنة، دون انتظار بيانات مغرضة من البيت الأبيض أو الخارجية الأمريكية ومنظماتهم، والأهم أن تتجاوز مصر أزماتها الاقتصادية، ولا تُحمل المسئولية للإعلام.. الأمور أكبر من ذلك بكثير، وفى الانتخابات الأمريكية ظهر الدور الحقيقى للشعوب وليس الإعلام!
نقلا عن الوطن