الأقباط متحدون - الدول ومصالحها
  • ١٩:٢٧
  • الخميس , ١٠ نوفمبر ٢٠١٦
English version

الدول ومصالحها

مقالات مختارة | د. عماد جاد

٥١: ٠٢ م +02:00 EET

الخميس ١٠ نوفمبر ٢٠١٦

د. عماد جاد
د. عماد جاد

تبنى علاقات الدول بالأساس على قاعدة المصالح، ولا تمثل الروابط الدينية والعرقية والطائفية ركناً أساسياً من أركان تحديد مستوى علاقات الدول، فحيثما توجد المصالح، تقام العلاقات وحيثما تكثر المصالح تتكثف العلاقات. يحلو للبعض فى عالمنا العربى الحديث كثيراً عن الروابط الدينية، العرقية واللغوية بين الدول العربية، وأنها تمثل أساساً قوياً لبناء نمط من العلاقات يفوق ما هو موجود بين دول العالم الأخرى، يحلو لهم الحديث عن الانقسامات الدينية والطائفية واللغوية بين الدول الأوروبية، وأن العالم العربى لا يموج بمثل هذه الانقسامات، ومن ثم يتوافر أساس متين لتطوير التعاون بين الدول العربية، ويمكن أن يصل فى تصور إخواننا القوميين إلى درجة الوحدة الشاملة.

وهنا نقول بوضوح إن الروابط المشتركة من لغة، وعرق ودين تمثل عاملاً مساعداً على إقامة علاقات، لكن درجة تطور هذه العلاقات وقوتها تتوقف على ما بين هذه الدول من مصالح مشتركة، ولكنها ليست شرطاً كافياً لتطوير العلاقات فى حال عدم وجود مصالح، كما أن تضارب المصالح وتنافرها يمكن أن يؤدى إلى تدهور العلاقات، بل ويصل إلى درجة الحرب. خذ على سبيل المثال موقف إيران (الدولة الشيعية) من الحرب بين أذربيجان (الشيعية)، وأرمينيا (المسيحية الأرثوذكسية) فقد قامت إيران خلال الحرب بنقل السلاح الروسى إلى أرمينيا حتى تسيطر تماماً على إقليم ناجورنوكاراباخ المتنازع عليه بين الدولتين، لماذا ساندت إيران دولة مسيحية أرثوذكسية فى حربها ضد دولة مسلمة شيعية؟ إنها المصالح، فشبكة المصالح الإيرانية مع روسيا أقوى وأكبر وأهم من مصالحها مع أذربيجان ومن روابطها الدينية والطائفية. وفى الوقت الذى يتغنى فيه العرب بروابط اللغة والدم والدين، لم ينجحوا فى تطوير تجربة التعاون الإقليمى لديهم (الجامعة العربية) بينما نجحت دول غرب أوروبا على ما بينها من انقسامات لغوية، طائفية وقومية فى بناء تجربة رائدة فى العمل الإقليمى المشترك وهى تجربة الاتحاد الأوروبى، هذه الدول حاربت بعضها بعضاً، ودخلت حربين عالميتين، وتحديداً بين فرنسا وألمانيا، ولم يكن غريباً أن تبدأ التجربة على أساس المصلحة ومن خلال جماعة الفحم والصلب التى مثلت التعاون بين منطقتى الألزاس واللورين الحدوديتين بين فرنسا وألمانيا، وتطورت التجربة حتى صارت أنجح تجارب العمل الإقليمى المشترك، وبدأت تتجاوز الأدبيات النظرية التى تؤطر للعمل الإقليمى المشترك، التى كانت تقول إن هذا النمط من التعاون الإقليمى ينحصر فى المجال الاقتصادى، ولا يتضمن السياسة الخارجية والأمن، ما حدث هو أن تجربة الاتحاد الأوروبى بدأت تطرق مجال توحيد السياسات الخارجية للدول الأعضاء، كما بدأوا بحث تجربة تشكيل بنية أمنية مشتركة، وهو التعبير الأوروبى عن نواة تشكيل جيش مشترك.

لم يتغن الأوروبيون بما بينهم من روابط، ولم يتحدثوا عن الماضى العريق، فقد وضعوا أساس تجربة أخذت فقط بالمدخل الاقتصادى، ركزت على تنمية المصالح المشتركة وتطويرها، جعلوا التجربة قائمة بالأساس على المصالح المتبادلة، فنجحت التجربة، وباتت جاذبة لكافة الدول الأوروبية، توسعت التجربة حتى وصل عدد الدول الأعضاء إلى ٢٧ دولة وتلهث الدول التى لم تنضم بعد من أجل استيفاء شروط ومعايير الانضمام، لأنها ترى فى عضوية الاتحاد الأوروبى منافع كثيرة لها كدولة ولمواطنيها.

ماذا عن العرب، هل يدركون قيمة المصالح فى العمل المشترك؟ ذلك ما سوف نتناوله غداً إن شاء الله.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع