بقلم: محمود الزهيري
في وطن يضن علي المنتمين إليه بالأمن.. لا يصير هذا وطنًا, بل الأقرب لتوصيفه أن يكون هو والمنافي سواء,. بل.. المنفي في أمان, خير من وطن الخوف والحرمان..
 
في وطن يضن علي أهله بالحرية, تظل حياة الغابة حيث الوحوش الضواري, والحشرات القاتلة, أفضل من وطن الكبت وتقييد الطاقات، وقتل الحريات والإبداعات..
 
 في وطن يقدِّم الهوية على الذات, ويقسم المواطنين على أساس معتقداتهم, حينئذ.. تصبح جهنم أفضل منه, حيث لايزال تخيلها شاخصًا في النفس والذات..
 
في وطن تسوده عصابات منظَّمة من الساسة، ورجال الدين, ولصوص الأوطان, لا تأمل في العيش تحت سمائه خير, ولا تضمن أن تعيش بكرامة علي أرضه..
 
في وطن الحاكم يعتقد في ذاته أنه إله, وأن أتباعه في منظومته الجهنمية أنصاف آلهة.. لا تنتظر إلا أن يكون مصيرك العذاب بنار هذه العصابة في الدنيا, بصورها التي لا تُحصى.. في وطن يتقاتل المواطنون فيه على رغيف خبز, وكوب ماء, وأسطوانة غاز, لا تنتظر منهم إلا أن يكونوا من المنكسرين الأذلاء..
 
في وطن تحترف نخبه الهرتلة السياسية, ورجال الدين يحترفون الدعارة السياسية بجدارة..
 
 في وطن يبحث قادته عن صناعة مجزرة, أو فضيحة, أو كارثة يتلهي فيها المأزومون بأحاديث الهراء والكذب والنفاق..
 
 في وطن علق كافة مشاكله وأزماته علي شماعة الصهيونية والإمبريالية, وأجهزة المخابرات بداية من الموساد وحتي المخابرات الأمريكية, ماذا تنتظر من هذا الوطن العاجز الفاشل في تحقيق حد الكفاية من خبزه, وعلاجه, وسكناه, ومأواه؟!!
 
 في وطن أصبح مثقفوه مرضى بممارسة أفعال سرية مخجلة ضد مزاعم متوهمة، يسربها له توهمًا سادة الطغيان ولصوص الأوطان, وكارهي الإنسان..
 
ليس بجديد علي هذا الوطن أن يستثمر أزمات مواطنيه, ويجعلهم منشغلين بغباوات نخبه, وخيابات مثقفيه, وترهات وأكاذيب رجال الدين فيه, وصراعات ساسته الخائنة للعدل والحرية والمساواة وحلم الرفاهة..
 
مازال الصراع علي الهوية هو الصراع الذي تؤجج ناره أنظمة الطغيان والاستبداد, والذي تخلَّصت منه الأنظمة الديمقراطية بقدر معقول في حياتهم اليومية, وصار الصراع من أجل الرفاهية, وتحقيق ذات الإنسان.
 
ولكن مازالت المجتمعات العربية تعيش في حالات متعددة من توهم الدفاع عن الله, والحرب من أجله! وكأن الله أعطاهم تفويضًا أو أمرًا مباشرًا منه بذلك. وفي الحقيقة لم يكن الله من وراء المقصد, ولم يكن الدفاع عنه إلا للتحصل علي حزم من المصالح لأدعياء الدفاع عنه.. حدث هذا ومازال يحدث في المنطقة العربية بين المنتمين للديانات الإبراهيمية, حيث المتوجب أنهم ينتمون لأب واحد توحيدي الديانة, إلا أن الصراع علي قدم وساق بين أصحاب الديانات السماوية الثلاث, ويبدأ من التضييق, ويصل إلي السب واللعن والتحقير, لينتهي بالتهديد والوعيد, والقتل والتفجير.
 
يحدث هذا في دول عديدة, وبدرجات متفاوتة, إلا أنه يأخذ مؤشرًا إجراميًا في "مصر", حيث الاستبداد والطغيان السياسي يمثلان حالة وصلت لمرحلة إجرامية في اللعب علي مصالح الأقليات الدينية, والعرقيات, وإدارة صراعات وهمية تنتج آثارًا حقيقية لها مردود إجرامي علي أرضية الواقع الاجتماعي المشوَّه بفعل فسادات السياسة, والأنظمة التعليمية المتعددة والمختلطة ما بين الديني والمدني, وما بين السماح لجماعات دينية بالعمل في الأوساط الاجتماعية كبدائل للطغيان وإنكسار الأحلام وتوهان الذات, وقبول الأمر الواقع, ورفض جماعات أخري تتصارع من أجل المشاركة في الحكم والسلطة بدعوي المشاركة لا المغالبة لحين تهيؤ الفرصة لتكون المغالبة بديلاً غير حضاري، بجانب رهانات ضد المجتمع بين العربان والرهبان, وتراهن السلطة الطغيانية علي تلك الجماعات في استمرار وجودها, وكأن السلطة الحاكمة تمتلك مساطر دينية تقيس بها مؤشر الاعتدال والتطرف الديني, وإلا فماذا تعني المؤشرات التي وصلت إلي أن "مصر" تحتل الرقم 19 من ضمن الدول الأكثر اضهادًا للمسيحيين، حسب مؤشر منظمة "أوبن دورز الدولية"؟!

الكائن في "مصر"، أن جميع الجرائم التي يتم اقترافها ضد المصريين بصفة عامة والأقباط بصفة خاصة, تنعقد مسئولياتها على النظام الحاكم, وأجهزته الأمنية المتعددة, والتي يصعب حصرها, والتي هي الحاكمة بالقول والفعل في "مصر", حيث دوائر الخوف المتكرِّرة والمتواصلة، والتي تغطي أرجاء الوطن المرهوب، والذي تعرفنا عليه بأن اسمه " مصر ". وبدلالة بسيطة مؤداها أن الاستبداد لا يعيش ولا يقتات إلا علي أقوات المجتمعات المرهوبة التي تعيش في دوائر متداخلة من الخوف, ورهاب السلطة الغاشمة التي تكون علي أهبة الاستعداد للتضييق علي حريات المواطنين, ومحاربتهم بأجهزتها ومؤسساتها, بداية من المحليات والضرائب والتراخيص, والحرمان من الوظائف العامة, ووصولاً لتلفيق القضايا الجنائية, أو تلفيق جرائم تستوجب الاعتقال بدواعي ما تم التعارف عليه جنائيًا بجرائم أمن الدولة في ظل قانون الطواريء وليد النظام والعائش معه منذ ولادته إلي ميعاد رحيله المنتظر.

وببساطة، فإن جريمة ليلة عيد الميلاد أمام كنيسة القديسين  بـ"الإسكندرية", وكافة الجرائم في "مصر", ترتكن في مسئولياتها ونتائجها إلي جانب النظام المصري الحاكم, وكافة أجهزته الأمنية.