الأقباط متحدون - تراجع «داعش».. وسؤال المستقبل
  • ٢١:٢١
  • الاربعاء , ٩ نوفمبر ٢٠١٦
English version

تراجع «داعش».. وسؤال المستقبل

مقالات مختارة | حلمي النمنم

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الاربعاء ٩ نوفمبر ٢٠١٦

حلمي النمنم
حلمي النمنم

تشير معظم الأخبار إلى أن قوات الحكومة العراقية تتقدم نحو تحرير «الموصل»، وصارت قريبة جداً من مطار الموصل، ويبدو أن المسألة شبه محسومة، وأن الموصل ستخرج نهائياً من يد تنظيم داعش، صحيح أن الفاتورة ثقيلة، وهناك إعدامات بالجملة نفذها «داعش» فى كثير من المواطنين، لكن الواضح أن الحكومة العراقية لديها تصميم، وحلفاءها المحليين والدوليين، على إغلاق هذا الملف.

فى التوقيت نفسه، تردنا أخبار عن تحرك إحدى جماعات المعارضة السورية «قوات سوريا الديمقراطية» نحو «الرقة» لتحريرها من الاحتلال الداعشى، والواضح أن تلك الجماعة تتحرك بدعم وتسليح قوى، ربما يمكنها من استخلاص الرقة.

الموصل والرقة مركزان لـ«داعش».. بالسيطرة عليهما أعلن وجوده القوى وقدرته على تهديد بل واجتياح دولتين عربيتين كبيرتين، هما العراق وسوريا، وخلخلة الحدود بين الدول والعبث بالجغرافيا، فتح استيلاء «داعش» على هاتين المدينتين شهية ذلك التنظيم الإرهابى لمحاولة السيطرة على مزيد من الدول أو على الأقل تهديدها، فعلوا ذلك مع تركيا مثلاً، حين شنوا هجمات عنيفة على بعض مواقعها الحدودية، وأغرى هذا التنظيم شباناً كثيرين من المنطقة وفى العالم بالانضمام إليه.

للوهلة الأولى، يمكن لبعض المحللين أن يذهب إلى أن الرئيس أوباما لا يريد أن يغادر البيت الأبيض- نهاية هذا العام- ويترك خلفه ذلك التنظيم وقد أطبق على دولتين بالمنطقة، ويتحمل هو شخصياً جانباً لا يستهان به من المسؤولية نحو تمدد ذلك التنظيم، وتركه يتوحش، أوباما تفاخر بأنه أمكن فى ظل وجوده تصفية زعيم القاعدة «أسامة بن لادن» منهياً بذلك أسطورته المخيفة، هو لا يريد أن يتبدد ذلك التفاخر، ويترك وراء ظهره «داعش» وهو التنظيم الذى انبثق عن القاعدة ومن معطف بن لادن.

قد يصح هذا التحليل وقد لا يكون صحيحاً، ذلك أن الرئيس الأمريكى يُقيَّم فى النهاية بأدائه وسياساته الداخلية، وانعكاسات تلك السياسة على المواطن الأمريكى، خاصة أن «داعش» لم يهدد الولايات المتحدة، ولم يُصب المواطنين الأمريكيين بعملياته الإرهابية، على النحو الذى وقع منه فى فرنسا وبلجيكا وعدد من البلدان الأوروبية، أو على غرار ما ارتكبه تنظيم القاعدة يوم 11 سبتمبر 2001 بحق الولايات المتحدة.

يعنينا نحن الوضع فى بلادنا وفى منطقتنا، والشواهد تقول إننا ماضون نحو الاستقرار، وإنه لا مستقبل للجماعات الإرهابية، ونقطة البداية دائماً مصر، والذى حدث أنه فى 30 يونيو 2013 هبَّ أكثر من عشرين مليون مصرى يهتفون: «يسقط يسقط حكم المرشد»، وأمكن للشعب المصرى أن يزيح الإخوان، ويُسقط المرشد وجماعته، كانت الثورة دفاعاً عن وطنية مصر ومدنية دولتها، ورغم حرب الاستنزاف التى شنتها الجماعة الإرهابية على مصر والمصريين فقد واجهت مصر بشجاعة تلك الحرب، ولاتزال، وتتقدم نحو تنمية ونهوض حقيقيين، وفى إطار سعى جاد إلى بناء مجتمع تحكمه دولة القانون، ويقوم على العدل والحرية، ثم تأتى التطورات الأخيرة، ما جرى فى لبنان الأسبوع الماضى من توافق واختيار رئيس الجمهورية، وتشكيل حكومة جديدة، ليؤكد أن الفوضى التى أحدثتها تلك الجماعات والتنظيمات وأثرت على لبنان قد تراجعت، وها نحن نرى عملية تحرير «الموصل» تتقدم، وكذلك الشروع فى تحرير «الرقة».

مضى أكثر من عامين على دخول «داعش» الموصل والرقة، والأمر المؤكد أنه لو كانت لديه قوة لتقدم نحو التهام مزيد من المدن فى العراق وفى سوريا، لكنه لم يفعل، حاول أكثر من مرة، فى أكثر من موقع، لكن لم يتمكن، وهذا يعنى أن التنظيم محدود القوة، وأن ما تردد عن ضخامة التسليح ومتانة التدريبات التى يتربى عليها الدواعش كان فيها قدر كبير من المبالغة الإعلامية، لنتذكر ما جرى فى ليبيا الشقيقة حين أعدم الدواعش أكثر من عشرين صياداً مصرياً، وقامت الطائرات المصرية، فى فبراير 2015، بغارة سريعة وخاطفة على مواقع ذلك التنظيم، دكتها دكاً، فانسحبوا من تلك المنطقة، واستوعبوا الدرس جيداً.

وفضلاً عن ذلك، فشل التنظيم فشلاً ذريعاً فى إدارة الموصل والرقة، غاية ما قدمه ذلك التنظيم تدمير للحياة المدنية، وتخريب للآثار، وكل مظاهر الحضارة العريقة والحديثة فى المناطق التى احتلها، ثم مشاهد بشعة من إحراق الخصوم وإذلال المواطنين، وإهدار آدميتهم على نحو لم يحدث إلا مع التنظيمات والقوى البربرية فى التاريخ، كما فعل هولاكو فى بغداد، ومن ثم فإنهم قدموا نموذجاً غير قابل للتعايش ولا للوجود فى عالم يسعى نحو الإنسانية.

باختصار.. لا مكان دائما للإرهاب وتنظيماته بيننا وفى مجتمعاتنا، وجود تلك التنظيمات، قديماً واليوم، يكون عابراً، وكلما ازداد إرهاب وتوحش التنظيم وعنفه كان ذلك مؤشراً على نهايته السريعة، هذا هو درس التاريخ الإنسانى كله، وليس تاريخنا نحن فقط، ولا تاريخ بلادنا وحدها، وهو ما تؤكده الوقائع الماثلة أمامنا وحولنا.

السؤال الأهم الذى يطرح نفسه فى ضوء ما يجرى يتعلق بمستقبل الإسلام السياسى فى المنطقة.. وتلك مسألة أخرى.

نقلا عن المصري اليوم

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع