طبيب الغلابة!
مقالات مختارة | حمدي رزق
الثلاثاء ٨ نوفمبر ٢٠١٦
وكتب الدكتور هانى الناظر عبر حسابه على «فيس بوك»: «قررت اعتباراً من الغد بإذن الله تخفيض قيمة الكشف الطبى للمرضى المترددين على عيادتى الخاصة بما قيمته نحو 20% من القيمة الحالية للمساهمة فى التخفيف عن كاهل المرضى.. ووفقنا الله لما يرضاه».
موفق إن شاء الله، والبركة فى القليل، «ما نقص مال عبد من صدقة»، مبادرة «الناظر» خليقة بلفت نظر جموع الأطباء وتحديداً المشاهير منهم، وجديرة بالاتباع.
«الناظر» استن سنة حميدة، وعليه فليفكر كل طبيب فى خفض قيمة الكشف الطبى بنسبة يسيرة، يسروا ولا تعسروا، وأكرموا مرضاكم وكونوا كراما.
مثل هذه المبادرات الفردية تدعو إلى الإعجاب، ومثلها كثير فى صفوف الأطباء، وأعلم أن كثرة منهم يخصصون يوماً شهرياً لعلاج المرضى بالمجان، وكرماء آخرون يفتتحون عيادات شعبية فى المناطق الشعبية بأسعار شعبية، وآخرون حتى يصرفوا العلاج لغير القادرين بالمجان، وكلها مبادرات تنم عن إحساس عالٍ بالمرضى الذين هم فى أمسّ الحاجة إلى من يعطف عليهم ويطبب.
تعميم هذه المبادرة الطيبة من جانب «الناظر»، ومن خلال نقابة الأطباء مطلوب، لكن أخشى لن تجد آذانا صاغية، النقابة مشغولة بمعركة «بدل العدوى»، وهى معركة عادلة بالنسبة لشباب الأطباء الذين هم فى أمسّ الحاجة إلى البدل، ويعانون مثل بقية الشعب من شظف العيش.
«الناظر» يلفت النظر إلى قضية أسعار الكشف الطبى فى العيادات الخاصة، الأسعار أصبحت فوق طاقة المرضى، وبعضها خرق السقف، ولم يعد هناك سقف، وكل طبيب يحدد سعر الكشف فى العيادة من عندياته، دون ضابط ولا رابط، اعتماداً على شهرته، وموقع عيادته، وظهوراته الإعلامية.
لو أحسن حكماء دار الحكمة لتوقفوا أمام ظاهرة المغالاة فى أسعار الكشف الطبى، وتبينوا أسبابها، أعرف أن اسم الطبيب لا يقدر بثمن، ولكن دراسة وضع لائحة بأسعار الكشف فى العيادات خليق بأن تتم دراسته، والتدرج فى الأسعار مهم، وبحسب الدرجة العلمية والتخصص، بحيث يكون السعر معلناً وعلى الجميع، ويلتزم به الأطباء كافة.
من شأن هذه اللائحة أن تمنع المغالاة من جانب نفر من مشاهير الأطباء، فطاقة المرضى لم تعد تتحمل، صحيح هناك بدل الطبيب ألف، ولكن كيف يُغفر لطبيب أدى القسم أن يمتنع عن مريض فقط لأن سعر الكشف غال عليه وفوق قدراته، لا أطلب سعراً موحداً، ولكن تسعيراً عادلاً ما بين مدرس مساعد وأستاذ دكتور، وهذه فوارق سعرية طبيعية، تضبط السوق وتمنع المغالاة وتمكن المريض من اختيار الطبيب المناسب لقدراته المالية.
مبادرة «الناظر» يحكمها معنى التخفيف عن كاهل المرضى، وأعتقد أن هذا يجب أن يكون عنواناً رئيساً لنقابة الأطباء، وعلى مجلس النقابة أن يتبنى هذا المقترح إذا لم يشأ أو حِيلَ بينه وبين وضع اللائحة المرجوة، ولتكن مبادرة من قلب دار الحكمة، هناك فروضٌ مجتمعية غائبة تماماً عن أجندة النقابة، وتفاعل النقابة والأطباء المقتدرين مع شعب تقريبا من المرضى سيُحدث أثراً طيباً هائلاً، ويستاهل حمداً وشكراً مستحقاً، ويضع الأطباء ونقابتهم فى قلب هذا الشعب الصابر على البلوى.
لن أتحدث عن معاناة الكثير من المرضى فى تدبير قيمة الكشف، ناهيك عن تدبير نفقات روشتات العلاج، وتعلمون أن أسعار الدواء تعز على الفقراء، الله يرحمه الدكتور إبراهيم بدران الذى ظل كشف عيادته جنيهات معدودة وهو من هو اسماً وعِلْماً وعَلَماً، لقبوه بطبيب الغلابة وهو وزير الصحة، اللقب للأسف يبحث عن وريث، يا له من لقب عظيم، والدكتور هانى الناظر قريب من الاستحقاق بمبادرته الطيبة.
نقلا عن المصري اليوم