قصة «سفينة غارقة»
مقالات مختارة | د. محمود خليل
الاثنين ٧ نوفمبر ٢٠١٦
إنها قصة «تيتانيك»، السفينة التى ابتلعتها مياه المحيط الأطلسى. استغرق تصميمها 3 سنوات بالتمام والكمال، وروعى فيه أعلى درجات المتانة والأمان «مش أحسن لما تغرق زى سفن تانية حواليها غرقت». ما إن اكتمل بناؤها حتى بدأت رحلتها الأولى -والأخيرة- من لندن فى طريقها إلى نيويورك عبر المحيط الأطلسى، وبعد انطلاقها بأربعة أيام اصطدمت بصخرة جليدية ضخمة، كان ثمة محاولات من جانب كبير مهندسى السفينة لتفادى الاصطدام المتوقع، فقد اجتهد فى إبطاء المحركات، وحاول تشغيلها فى الاتجاه العكسى، كى يبطئ سير السفينة ويمنع الاصطدام، ولكن هيهات، كانت السفينة قد أخذت سرعتها، خلال الأيام الأربعة، ولم يعد هناك سبيل لمنعها من الاصطدام بكتلة الجليد، فعندما تضع هدفاً متحركاً باندفاع فى مواجهة كتلة صخرية ثابتة، يصعب عليك منع الاصطدام.
السفينة بخير، صرخ بعض الركاب والمسئولين عنها، جهود كبير المهندسين أفلحت فى إبطائها بعض الشىء، خفف من وقع الاصطدام لما وقع، فقد كان من المتوقع أن تشقها الصدمة نصفين، ليحدث لها ما حدث لسفن أخرى اصطدمت بهذه الصخرة الجليدية فشقتها، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، كل ما فى الأمر أن السفينة توقفت عن السير. بعيون قلقة وألسنة جافة، بادر بعض الركاب إلى تهنئة بعضهم بعضاً، عاشوا لحظات من الطمأنينة التى لم يكن يهمهم إن كانت صادقة أم كاذبة. وحده كبير المهندسين كان يعلم المصيبة التى وقعت، فهو الوحيد الذى يوجد تحت لديه المعلومات. لقد أحدث الاصطدام خرقاً فى السفينة، بدأ الماء يتسرب منه رويداً رويداً. أخذ الخبر يتسرب إلى الجميع، وصاحت أصوات: السفينة فى طريقها إلى الغرق، المسألة فقط مسألة وقت، وهذا الوقت يتراوح بين الساعتين والساعات الثلاث، لينتهى بعدها كل شىء. بدأت الأعصاب تنهار والأسئلة تتدفق كيف حدث ذلك؟.. ألم يعدنا كبير المهندسين بأن هذه السفينة هى الأكثر متانة وأماناً، وأنها ليست كغيرها من السفن التى يلعب بها الريح، وتلهو بها العواصف؟. لم يكن للسؤال أى معنى، لأنه ببساطة لم يأت فى حينه، كان السؤال متأخراً جداً، والأسئلة التى تنتجها اللحظة غير الأسئلة التى تفرزها الحكمة!.
بدأ الجميع يبحثون عن أطواق النجاة، لكن الأطواق لم تكن كافية، ليس بسبب الشح، ولكن بسبب الغرور، فكيف لسفينة يتحدث صُناعها عن أنها سوف تسير آمنة مطمئنة أن يعطوا أى حساب للطوارئ، فيزودوها بأطواق نجاة تماثل عدد ركابها. أطواق النجاة شحت، ولا سبيل إلى الحصول على المزيد منها، وقد قبضت عليك الأقدار فى عرض البحر. صرخ أحدهم فلننقذ الأطفال والنساء أولاً، لكن ذلك لم يحرم ركاب الدرجة الأولى، أو من يمتطون ظهر السفينة من اقتناص أطواق النجاة. حظوظ السادة فى النجاة أعلى من غيرهم، كذلك تقول حكايات التاريخ، لذلك تساقط الضحايا من الرجال العاديين، كما يتساقط ورق الشجر فى الخريف العاصف. بدا المشهد الختامى طبيعياً جداً.. الحكمة تقول إذا فسد الرجال فسد الزمان..!.
نقلا عن الوطن