الأقباط متحدون - ترهيب القضاة
  • ٠٣:٢٨
  • الاثنين , ٧ نوفمبر ٢٠١٦
English version

ترهيب القضاة

مقالات مختارة | حلمى النمنم

٤٩: ٠٩ ص +02:00 EET

الاثنين ٧ نوفمبر ٢٠١٦

حلمى النمنم
حلمى النمنم

نجا السيد المستشار أحمد أبوالفتوح من محاولة اغتيال بسيارة مفخخة، يوم الجمعة الماضى، جرت المحاولة الإرهابية بالقرب من منزله فى مدينة نصر، واليقين لدينا أن الأعمار بيد الله سبحانه وتعالى، وقد كتب الله للقاضى الجليل النجاة، لكن شواهد الأمور كلها تقول إن جماعة الإخوان الإرهابية وراء تلك العملية، التى مُنيت بالفشل التام.

العملية تحمل عدة دلالات ومؤشرات على نهج تلك الجماعة، وتؤكد سلوك تلك الجماعة العريقة فى الإجرام والإرهاب؛ أولى هذه الدلالات، أنها موجهة نحو قاضٍ جليل، بهدف عقابه على حكم أصدره. السيد المستشار هو أحد السادة القضاة الذين مثل أمامهم الرئيس الإخوانى المعزول د. محمد مرسى، وصدر الحكم قاطعاً بإدانته، والهدف أيضاً، ترهيب القضاة الآخرين، خاصة من تُعرَض عليهم قضايا تخص عدداً من قيادات تلك الجماعة المتهمين فى عمليات إرهابية، وقد فعلت الجماعة ذلك مراراً، اغتالوا -بأمر من كبيرهم حسن البنا- المستشار أحمد الخازندار سنة 1948، لمجرد أن قضية عُرضت أمامه، متهم فيها بعض صبيان «البنا»، ثم كان اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، ومحاولة اغتيال النائب العام المساعد، قبل نحو شهر، وحصار المحكمة الدستورية العليا، والتنصت على جلسات قضاتها، حين كانت الجماعة فى الحكم، وهذا يعنى أنه لا مكان فى تفكيرهم للقضاء المستقل والنزيه، ولا احترام لأحكام القضاء ولا استقلال القضاة، هم يريدون قضاء موجهاً، يمتثل لأوامر مكتب الإرشاد.

فى الأزمان القديمة، كان الخوف من تدخل الحكام والسلاطين فى أعمال القضاة والقضاء، وفى التاريخ العربى والإسلامى نماذج ناصعة لقضاة رفضوا هذا التدخل وتمسكوا بما تمليه عليهم ضمائرهم، ودفعوا الثمن راضين، ثم تطورت الإنسانية، وظهرت الدولة المدنية الحديثة، التى جعلت شرط وجودها احترام استقلال القضاء وضمان نزاهته، وعدم التدخل، من قريب أو بعيد، فى عمل القاضى، لكن أعداء الدولة المدنية الحديثة، ومن يسعون حثيثاً إلى العودة بنا نحو غياهب الزمن، يصرون على عدم احترام القضاء وترهيب القضاة بالاغتيال والتصفية أو تشويه السمعة.

الثانية، تزامن تلك العملية وغيرها من العمليات التى تقوم وزارة الداخلية بإجهاضها مع عمليات مشابهة فى شمال سيناء، ضد رجال القوات المسلحة والشرطة، فضلاً عن محاولات الاغتيال المعنوى التى تقوم بها الكتائب الإلكترونية للجماعة الإرهابية من نشر أخبار كاذبة وبث للشائعات وفبركة كلمات وتصريحات، وكلها جميعاً متزامنة مع الدعوة الخائبة التى أطلقتها الجماعة للنزول يوم 11/11، مما يكشف عن تنسيق تام بين هذه الأجنحة وتبادل الأدوار، فى اتجاه إحداث أكبر قدر من الفوضى والرعب، الأمر الذى يفتح الباب من وجهة نظرهم إلى خلخلة مؤسسات الدولة، وهذا يعنى أننا بإزاء رأس واحدة تدبر وتخطط، وتجند الصبية، وتدفع لهم.

وهذا يعنى أن الأسماء والمسميات تختلف، واللافتات تتباين من «أنصار بيت المقدس»، إلى «جماعة الحسم» وغيرها وغيرها، لكنها جميعاً تحت عباءة واحدة، هى الجماعة الإرهابية، التى أسسها حسن البنا، وإن شئنا الدقة التى أسستها دولة استعمارية وجهاز مخابراتها القوى، ثم وضعت النبا على رأسها، ليستكمل مخطط الإضعاف والتدمير.

الثالثة، توقيت المحاولة، لحظة صلاة الجمعة، والمفترض أنها عيد أسبوعى، تخلص فيه النفس والروح، وكذلك الجسد، من متاعب الأسبوع، إلى لحظة من الصفاء الممتد، والاكتمال الإنسانى بقدر المستطاع أمام الله، الواحد الأحد، هذه الجماعة الإرهابية تختار تلك اللحظة لتكون لحظة الفزع والترهيب للجميع، حاولوا من قبل اغتيال فضيلة المفتى السابق د. على جمعة، وهو يستعد لدخول المسجد لأداء صلاة الجمعة، والملاحظ أن المناسبات الدينية تكون وقت تنفيذ الكثير من عملياتهم، مثل أيام وليالى رمضان المباركة، لحظة صلاة عيد الفطر والأضحى المباركين، وهكذا، مما يعكس عدم احترام وتقدير المشاعر واللحظات الدينية والروحية المؤثرة إنسانياً واجتماعياً، فضلاً عن قيمتها الدينية، حتى باتت عملياتهم الإرهابية متوقعة فى المناسبات الدينية، التى يجتمع الناس حولها تآلفاً وتسامحاً وابتهاجاً، وهنا يثبت فى التحليل الأخير أن الدين عندهم، والإسلام تحديداً، يتحول إلى ذريعة وأداة لتحقيق أطماع وأغراض تنظيمية، تصب فى النهاية إلى حلمهم الكبير وهو «السلطة»، لا أقول إن لديهم مشروعاً سياسياً، ولا هم أصحاب -حتى- مشروع دينى، هم -فقط- أصحاب تطلع سلطوى، وهم فى ذلك يسيرون على نهج وخلف لحظات سوداء مرت فى التاريخ من القتل والإرهاب والترهيب، أمثال هؤلاء قتلوا ذا النورين عثمان بن عفان، صهر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وحبيبه، بدعوى أنه حاد عن الإسلام، بل صاح بعضهم متهماً إياه بالكفر، وهم أنفسهم الذين قتلوا -فيما بعد- على بن أبى طالب، الذى رباه النبى (صلى الله عليه وسلم) وزوجه ابنته، وقرة عينه السيدة فاطمة الزهراء، بنفس التهمة، وهى أنه حاد عن دين الله، ولم يحتكم إلى كتاب الله، ثم قتلوا ابنه الحسين (رضى الله عنه)، بزعم أنه «كفر»، وفى الوقت الذى استقر فيه معظم فقهاء الأمة على تجنب ذلك الميراث، واعتباره «الفتنة الكبرى»، بتعبير د. طه حسين، جاءت هذه الجماعة، لتأخذ من الإسلام ومن التاريخ الإسلامى مواقف القتل ولحظات الدم، لذا لم يكن غريباً أن يبدأ هؤلاء عمليات الاغتيال فى السبعينات بأستاذ التفسير، العالم الجليل محمد حسين الذهبى، كما اغتالوا المفكر المستنير د. فرج فودة، ولم يكن غريباً كذلك أن يحاولوا الاعتداء على فضيلة الإمام الأكبر وشيخ الجامع الأزهر، د. أحمد الطيب، وأن يحاولوا أكثر من مرة اغتيال د. على جمعة، وكما لم ينجح أسلافهم من الإرهابيين والقتلة إلا فى بعض عمليات القتل، وفشلت مشاريعهم السلطوية، فلن ينجح هؤلاء، وفضلاً عن ذلك فإن مصر بتاريخها الطويل والممتد فى الزمان وفى الوجود الإنسانى والحضارى، لم تسمح يوماً ولم تقبل أن يختطفها أى تنظيم إرهابى، حتى لو سقط منا ولنا شهداء وجرحى.
نقلا عن الوطن

المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع