نحو رشدية عربية (17)
مقالات مختارة | بقلم : مراد وهبة
٣٦:
٠١
م +02:00 EET
الأحد ٦ نوفمبر ٢٠١٦
ماذا حدث إثر صدور العدد السادس عشر من مجلة «ألف» الصادرة عن الجامعة الأمريكية بالقاهرة فى عام 1996، والذى كان مكرساً للهجوم على مصطلح «مفارقة ابن رشد»، التى تعنى فى إيجاز أن ابن رشد ميت فى الشرق، حى فى الغرب؟
قرأت بحثا للمستشرق الألمانى شتيفان فيلد عنوانه «التنوير الإسلامى ومفارقة ابن رشد». وكنت قد أشرت إليه فى سطور قليلة فى مقال سابق. إلا أننى فى هذا المقال أريد أن أفصل القول فى ذلك البحث لسببين: السبب الأول أن فيلد كان المشرف على رسالة الدكتوراه الخاصة بتلميذته آنكى فون كوغيلفين. وقد تفرغت فيها لمناقشة المؤلفات المنشورة عن ابن رشد المطبوعة فى مصر من عام 1885 إلى عام 1992، وانتهت إلى القول إن محاولة إحيائى لابن رشد هى أمر محال. إلا أن أستاذها قد استأنف نقد تلميذته لـ«المفارقة» فى شىء من التفصيل، أوجزه فى هذا المقال على النحو الآتى:
لقد تم الاتفاق على أن موت ابن رشد نقطة تحول فى تاريخ الفكر الأوروبى والفكر الإسلامى، إذ أصبح رمزاً على بزوغ ثقافة تنويرية أوروبية ورمزاً على انحطاط ثقافة إسلامية. إلا أن فيلد يرى أن الخروج من الانحطاط لن يكون ممكناً إلا بإحياء التصوف الإسلامى المتمثل فى ابن سينا ومُلا صادرا وابن عربى. الأول لديه عناصر صوفية، والآخران صوفيان على الأصالة.
والسؤال إذن:
لماذا يكون بديل ابن رشد هو التصوف الإسلامى؟
لسببين على نحو ما يرى فيلد:
السبب الأول أن ابن رشد ليس إلا مجرد تابع لأرسطو، وأرسطو نفسه قد حل محل الإسلام، ومن ثم فلا تستقيم الدعوة الخاصة بإحياء فلسفة ابن رشد.
والسبب الثانى أن التيار السائد بين المثقفين العرب هو تيار الإخوان المسلمين، الذى يستند إلى الفقيه ابن تيمية، وهو الفقيه المعتمد من القرن الثالث عشر حتى القرن الحادى والعشرين. وابن تيمية على النقيض من ابن رشد، إذ هو ضد المنطق وضد التأويل. عن المنطق يقول: لا يحتاج إليه الذكى، ولا ينتفع به البليد. وعن التأويل فإنه يرفضه بدعوى أن صحيح المنقول يتفق مع صريح العقل. ثم إن الأخذ بالتأويل يفضى إلى نظرية الحقيقتين: حقيقة خاصة بالعلماء، وحقيقة خاصة بالجمهور، فى حين أن الحقيقة واحدة والحق واحد.
والرأى عندى أن فيلد قد جانبه الصواب فى القول بأن ابن رشد ليس إلا مجرد تابع لأرسطو. فابن رشد يتناول المنطق على غير تناول أرسطو، لأنه يقر بالقسمة الثنائية بين الجمهور والراسخين فى العلم. وبالرغم من أن هذه القسمة الثنائية قسمة تقليدية فى الفكر الإسلامى إلا أن هذه القسمة هى القضية الأساسية فى منطق ابن رشد. فالمنطق عنده منطقان: منطق الجمهور، وهو منطق يستند إلى الحس ولا يتجاوزه إلى العقل، فى حين أن منطق الراسخين فى العلم هو منطق العقل الذى يخضع للبرهان. هذا بالإضافة إلى أن ابن رشد قد أدخل مفهوم التأويل فى المنطق، وهو مفهوم لم يكن وارداً عند أرسطو على نحو تعريف ابن رشد له بأنه إخراج دلالة اللفظ من الدلالة الحقيقية (أى الحسية) إلى الدلالة المجازية. ومعنى هذا التعريف أن للنص الدينى معنيين: معنى ظاهرا ومعنى باطنا. والمعنى الباطن لا ينكشف إلا بإعمال العقل، ومن ثم تتعدد التأويلات. ومن هنا قال ابن رشد بأنه لا إجماع مع التأويل ولا تكفير مع التأويل.
والسؤال بعد ذلك:
ماذا حدث بعد عام 1996؟
نقلا عن المصرى اليوم