الأقباط متحدون - الثقافة و نظم الوصاية والتنظير الأجوف
  • ١٣:٠٤
  • الأحد , ٦ نوفمبر ٢٠١٦
English version

الثقافة و نظم الوصاية والتنظير الأجوف

مدحت بشاي

بشائيات

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الأحد ٦ نوفمبر ٢٠١٦

مدحت بشاي
مدحت بشاي

 كتب : مدحت بشاي

 
" حيث الحرية هناك الوطن " ..يالها من حكمة لاتينية رائعة توجز كل أحلام الإنسان عبر القرون والحقب الزمنية المتتالية في العيش في وطن يهب للمواطن كل أسباب الانطلاق والإبداع دون وصاية من أحد إلا من قانون ينتصر للقيم واحترام ثوابت العقائد والحرص على حقوق الآخر في أن ينعم بنفس القدر من الحرية ..
والحكاية يا سادة مش بالكتابة والموائيق والتنظير وأوراق سياسية من افتكاسات نظم فنكوشبة .. اسمحوا لي اذكر حضرات القراء مثلا  حول ماجاء في برامج الحزب الوطني المباركي  حول ضرورة تفعيل سبل المواطنة ...
" يتمتع كل مواطن بالحق فى التفكير والإبداع والتعبير عن رأيه ونشره ونقله للآخرين من خلال وسائل التعبير الملائمة وفى حدود القانون، ويعكس هذا الحق المظهر الحضاري للدولة ، وهو يعنى أن من حق كل مواطن أن يكون له رأى فى كل ما يجرى من أحداث داخل الدولة وأن يعلن هذا الرأي على الآخرين .. وقد أكد الدستور المصري على ما تقدم حيث اعتبر أن حرية الرأى مكفولة ، ولكل إنسان التعبير عن رأيه ونشره بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير فى حدود القانون (المادة 47) .. " . ويذكر برنامج الحزب أن هذا الحق يقوم على الأسس والمحاور التالية : 
إتاحة سبل التداول الحر للأفكار لكل مواطن من خلال قنوات التعبير المتاحة ، سواء بالقول أو الكتابة او بغيرها من الوسائل .
حق المواطن في التماس مختلف صور المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى الآخرين ، سواء فى شكل مكتوب أو مطبوع أو في قالب فني أو بأية وسيلة أخرى يختارها .
ضمان الحصول على المعلومات من مصادر ووسائل الإعلام المختلفة ، وتهيئة الظروف التي تكفل تداول المعلومات تداولا حرا ونشرها على نطاق واسع وبصورة متوازنة .
إن من شأن تفعيل ما جاء في برامج الحزب الوطني بخصوص المواطنة بشكل عام وفي مجال حرية الرأي والتعبير بشكل خاص التأثير البالغ في تطوير العمل الثقافي وتقديم فكر متجدد ..
فإذا كان ما سبق يمثل إطاراً نظرياً طيباً لا يختلف على بنوده كل أصحاب التوجهات الفكرية المختلفة ، فإن ما شهدناه على أرض الواقع .. واقع الثقافة السياسية بين فكر الوصاية عبر إدعاء البعض  امتلاك وجهة النظر الواحدة الغير قابلة لأي جدل والادعاء أنها الأعلى والأصوب والأجدر بالتطبيق ، وبين صلابة نخبة من عشاق الحرية والليبرالية يدافعون عن ثوابتها ومنطلقاتها بجدية ودأب .. إنه الواقع الذي لم يشهد تغيراً على الاطلاق للانعتاق من كل رواسب الفكر الماضوي الغير قابل للتجدد والانطلاق ..
هل تتذكرون عندما  طالعتنا وكالات الأنباء  ـ والعديد من مواقع الإنترنت ـ منذ بضع سنوات ــ بصور وتعليقات حول خبر نشر إعلان تم إعداده على شكل لافتات ضخمة مثبتة على أكثر من 800 حافلة تجوب شوارع لندن يحمل عبارة واحدة " الله قد لا يكون موجوداً ، كفوا عن القلق وتمتعوا بحياتكم " .. وهي عبارة بالطبع لا تنطلق إلا من بشر ملحد يحمل دعوة كافرة بوجود الله حتى لو أضاف للعبارة " قد " عبر تشكيك غير مقبول من أي مؤمن ينتسب إلى أي دين أو عقيدة ، بل هي تحمل رسالة أكثر كفراً وبشاعة عبر تصوير أن الحياة بعيداً عن الله العلي القدير يمكن أن تكون ـ وحاشا لله ـ ممتعة وكأننا أمام صوت الشيطان متجسداً في لافتات تجوب العاصمة البريطانية ليل نهار .. ورغم رفضي ورفضك عزيزي القارئ للعبارة وناشروها وممولوها حتى لو كان هناك إدعاء بأن تلك الفعلة الشريرة جاءت بدعوى العمل على فصل الكنيسة عن الدولة في بريطانيا ، وأنهم يدعون أنها مجرد عبارة تثير الابتسام وكأنها بمثابة دُعابة ..فإنه أمر بشع وممجوج ، ولكن دعونا  تتأمل ردود الفعل في الشارع الانكليزي كما ورد في الخبر .. تتحرك 800 جمعية مسيحية تلحقها حتماً جمعيات إسلامية للمطالبة بمنع هذه الإعلانات التي تنفي وجود الله ، وتتلقى هيئة مراقبة الإعلانات دعاوى بلغ عددها 110 دعوة قضائية .. وإن كان هناك رأي للبعض مثل الكاهن الميثودست " ستيفن غرين " الذي قال أنه أمر جيد للنقاش حول المسائل الكبرى في الوجود ، أما الجمعية الإنسانية البريطانية التي ساهمت في تمويل تلك الحملة الإعلانية فيقول ممثلوها أنهم يشفقون على هيئة مراقبة الإعلانات التي تضطر إلى إصدار حكم في ما إذا كان الله موجوداً أم لا !!
هكذا كان رد الفعل فبي بلاد الفرنجة أما في بلاد الشرق السعيد ، فأذكر القارئ كيف تنادى الكهنة بسرعة لإعلان غضبهم العارم في مظاهرة تذهب إلى الكاتدرائية والتأكيد على رفضهم  لإنتاج وعرض فيلم " بحب السيما " ويعتبرونه إساءة مباشرة للعقيدة المسيحية ، وعبر حالة هياج غير مسبوقة يتم ـ للأسف ــ الاستجابة وإيقاف عرض فيلم بديع ينادي بالتسامح والحب والاقتراب من أطفالنا وتصويب الخطاب الديني والروحي .. قالوا بغير مشاهدة .. لم يفهموا الفرق بين الرسالة المسيئة والرسالة الداعمة للعقيدة وتقريبها للعباد عبر الوسائط الإبداعية ..حتى أنهم لم يدركوا معنى الآية " اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ، وَلكِنَّ كَلاَمِي لاَيَزُولُ". وكأنما يوجهون رسالة عكسية مفادها أن من شأن فيلم يعرض في دار الخيالة يمكن أن يؤثر على مسار وعقيدة دينية ..
وتطالعنا أيضاً الأخبار بقرار إهدار زعيم الجماعة السلفية  أبو مصعب عبد الودود دم الفنان المصري عادل إمام  بسبب انتقاده لحركة حماس وأكد في بيان تم تداوله عبر مواقع إلكترونية .."في ظل هذا المصاب الجلل الذي تعيشه أرض الرباط في غزة يحلو لبعض المشركين والكفار الاستهزاء بدم الشهداء من الأطفال والنساء والمرابطين في سبيل الله وقد فعلها المرتد الكافر عادل إمام وقد استحق هدر دمه"!.. ووصفت مواقع إسلامية في الجزائر والمغرب وفرنسا عادل إمام "بالزنديق والكافر والمرتد" على خلفية اتهامه لحركة حماس بالتسبب فيما يتعرض له سكان قطاع غزة واستهزائه بالشعوب العربية التي خرجت للتظاهر مناصرة لسكان غزة.. مرة أخرى نتابع رد فعل عجيب ومشين .. يحدث هذا رغم تأكيد الفنان أنه مع المقاومة الفلسطينية ومع الحق في الدفاع عن الأرض ضد المحتل بكل الطرق، وهو الحق الذي لا يمكن أن يتوافر بغير اتحاد كل الفصائل والقوى الفلسطينية، وبينهم أصدقاء له من فصائل مختلفة، يوجه لهم النداء لكي يتحدوا وينسوا كل الخلافات، وعليهم توحيد صفوفهم حتى تصبح قوتهم مؤثرة في وجه الاحتلال.. 
      بعيدا عن كل وصاية نود أن نعيش المواطنة الحقة التي تحركنا نحو التدافع من أجل الغايات الإنسانية والنفع العام والسعي في دروب التطور الاجتماعي التاريخي ..لابد أن نفيق فالتاريخ لايرحم الغافلون أو المتغافلون  ..