الرهان على الأمان مالوش أمان
مقالات مختارة | خالد منتصر
السبت ٥ نوفمبر ٢٠١٦
الرهان فقط على طلب الأمان رهان خاسر، ليس مضموناً أن تلعب على وتر أن الشعب يطلب الأمان فقط ويخاف من المجهول لذلك سيقبل ويتحمل ويبتلع ويعدى ويطنش، هو مستعد لربط الحزام لكن بشرط أن يكون الحزام مشدوداً أيضاً وبقوة على الكروش المتخمة، مستعد أن يسير ويبدأ طريق الإصلاح الاقتصادى ولكن لا بد أن تخبره ما هى خطة السير وما هى العلامات الاسترشادية وأين أعمدة الإنارة وأماكن عربات الإسعافات الأولية للغلابة ومحدودى الدخل ومتى سيصل إلى نهاية الطريق؟! دخول لعبة القمار بأن تلقى بكل قراراتك على ترابيزة الروليت الخضراء وأنت واثق من المكسب ومن أن ردود الفعل ستكون التصفيق والقبول والحفاوة، لعبة غير مضمونة ولا يمكن أن تفوز فيها على الدوام، الجائع من الممكن أن يصرخ فجأة وبدون سابق إنذار ورغماً عن عصا الأمن المركزى المكهربة ولا يأبه أو يهتم إذا هددته بأن مصيره العراق وسوريا وليبيا إذا تذمر، سيخرج منفرداً أو موجهاً وفى الحالتين سيخرج بطريقة عشوائية منفلتة لأنه لا يفهم تعويماً أو تحريراً أو تضخماً، هو لا يفهم تلك المصطلحات، لا يفهم إلا شيئاً واحداً وهو أن يطعم ويكسى عياله ويصبح مستوراً وسط الناس، هو لا يعرف إلا أن مدخراته إن وجدت تتآكل، لذلك لا تراهنوا على صمت الغلابة من أجل الأمان، كلنا نعرف أن علاج الورم الاقتصادى بالجراحة كان مطلوباً وبشدة، وأن تلك الإجراءات الاقتصادية كانت ضرورية وأنها قد تأخرت، وأن المشاكل نتيجة تراكمات سنين طويلة، لكن أحياناً ضربة مشرط بغشومية تستفز الورم وتجننه فيرسل ثانوياته إلى المخ فيعطل التفكير وإلى الرئتين فيمنع التنفس وإلى الكبد فيراكم سموم الغضب والحقد فى جسد المجتمع وأخيراً إلى العظام فيشل الحركة والنتيجة النهائية مجتمع كسيح.
تحريك الجماهير لا يخضع لحسابات الورقة والقلم وأرقام الخطة والموازنة، وإلا لكانت الورقة والقلم قد أخبرتهم وقالت لهم إن فى 2010 كان أكبر معدل نمو وأعلى دخل من السياحة وأقل عمليات إرهابية، لكن الناس بالرغم من كل تلك الإحصاءات والأرقام خرجت، لأن القاعدة لم تشعر بهذا النمو، ولأن تلك الأرقام لم تترجم فورياً إلى حلول لمشاكلهم.
الرهان على أن الناس قد ملت الثورات أو الهبات الجماعية رهان خاسر، الإخوان ما زالوا بينخوروا، البلطجية فى الجحور ينتظرون الشرارة، العشوائيات غضب مكتوم وغل موجه وأحياناً شرعى من كم الاستفزازات الاستهلاكية لطبقة ريش النعام التى تقرف وتتقزز من الفقراء، وتتخيل أن كثيراً من البارفان يطمس رائحة الفقر، عوامل الهبة العشوائية موجودة وبشدة، وثقافة العزلة والأنا مالية مستقرة وموجودة وسرطانية، ثقافة الكومباوند مسيطرة على عقول الكثيرين، هذه الثقافة مناسبة للسكن لكنها لا تجلب السكينة، ويجب ألا تتحول من اختيار سكنى إلى اختيار اجتماعى وانحياز طبقى، فيتم بناء الأسوار العالية الصخرية بين الطبقات وتتحول العلاقة بين من هم فى الجيتو ومن هم خارجه إلى علاقة فرجة يلعب فيها الخيال والوهم والهلاوس والضلالات دور البطولة، يكفى أن الإخوان قد حولونا لشعوب وقبائل لتتناحروا وتتقاتلوا وتتكارهوا حتى ولو تحت سقف بيت واحد، لا نريد لهذا السقف الباقى أن يسقط.
نقلا عن الوطن