حكومة قلبها ميت!
مقالات مختارة | حمدي رزق
الجمعة ٤ نوفمبر ٢٠١٦
مَن قال لا أدرى فقد أفتى، واللى ميعرفش يقول عدس، وها أنا ذا أقول: عدس، عدس، عدس، ولن أُفتى فى تعويم الجنيه، عَوِّموووه، ولكنى أخشى تعويما لحدود الغرق فى القلق، قلقان على الفقير أن يغرق فى لُجَّة الموج، مرعوب من غضبة الفقراء إذا مسهم الضُّرُّ، والقلق مشروع، والخوف طبيعى، والتحسُّب منطقى، وحسبة الحكومة ليست واضحة وضوح الشمس، ولكنها مُبهمة، مُلغِزة، ليست لها معالم على الطريق.
تعوِّموا الجنيه تغرَّقوه، هذه قضيتكم، وهذه سياستكم، وهذه خططكم، ونتاج أفكاركم، المهم ألا تغادر هذه الخطط والأفكار مربع الأمان المجتمعى، ألا تتجاهل الأضرار الناجمة، وألا تتعامى عن الشرور المستبطَنة، وأن تنفتح على الشارع، وتنظر إليه مليا، وتتفحص الوجوه، إذا لم تستشعر الحكومة غضب الشارع فهذا جد خطير.
معلوم أنها حكومة قلبها ميت، لا تخشى ولا تخاف، وتنام ملء الجفون ليلا، وتصحو لتقرر دونما قلق يعتورها، وتُقدم على جراحات خطيرة بأعصاب طاقم إنجليزى لا يستشعر الحرج من مصارحة المريض بحقيقة مرضه فى وشه والضمادات تلفه، بل إعلامه وأهله بالجراحة الصعبة، وتَعِد بالقرارات المؤلمة، ثم تذهب إلى دخول غرفة العمليات، والمريض وشه أصفر ولونه مخطوف، والرعب يكاد يقتله، ولكنه يُسلم أمره لله، آخر الدواء الكى، والحكومة تكوى الناس على جلودها ولا تحفل بألم.
نعم حكومة قلبها ميت، العواصف تهب، والسحب تتجمع مُنذِرة، والقلق يسكن النفوس، والتوتر بادٍ على الوجوه، والأَكَلة، أَكَلة الأوطان، تتربص بمصر الدوائر، ومواعيد مضروبة للخراب، وبيانات ممهورة بتوقيعات عملاء أجهزة الاستخبارات، وعمليات نشطة للإرهاب، ونقل مسرح العمليات من الحدود إلى قلب القاهرة، فى العبور وجسر السويس، والحكومة تذهب بعيدا بعيدا بعيدا، إلى آخر الشوط، إلى تعويم الجنيه!
ألم أقل لكم إنها حكومة قلبها ميت، قرار التعويم فى ظل هذه الأجواء الملغومة يعنى أحد أمرين: أنها حكومة واثقة الخطى، تعرف جيدا وقع خطوتها على طريق مرسوم جيدا، مستندة إلى إرادة سياسية وقناعة رئاسية كافية للمضى قدما فى برنامجها للإصلاح، لذا تُقدم على خطوة لم يقربها عناتيل الوزارات السابقة عليها، وأَحجمت عنها وزارات العصر الرغيد والتدفقات السياحية والتحويلات النقدية والعوائد السخية لقناة السويس ونسب النمو الخيالية.
أم أنها حكومة مدفوعة بأزمتها وضائقتها الاقتصادية إلى هذا الطريق الواعر بعد أن سُدت الطرق جميعا فى وجهها، فقررت أن تكسر بابها- مهما كلفها- وتفتح طاقة ونافذة جديدة، مضطر أخاك لا بطل، والدواء المر لابد منه، شر لا مهرب منه، على طريقة لعل وعسى، ويا طابت يا اتنين عور.
تانى اللى ميعرفش يقول عدس، ويقيناً الحكومة تعرف والرئاسة تعرف والبنك المركزى يعرف خطورة هذه الخطوة، التى تشبه قفزة هائلة فى سوق مجهولة تحكمها مافيا دولارية «مُسَيَّسة» تبغى خرابا، وعليه يجب أن نقف من هذه الخطوة موقفا واضحا بدعمها، ولكن بشروط عدم المساس بالطبقات الفقيرة، واعتبارها خطا أحمر، لم يعد فى القِدْر شىء من إدام (لحم)، والقِدْر- ومنذ شهور- يغلى بماء قراح، والعيش يعز عليه الغموس، والناس مش مستحملة، والزن على الودان أَمَرّ من السحر، والبلد مثل خلية النحل، زَنّ فى زَنّ، تكاد تنفجر من الزن.
حديث الدولار يسرى فى البلد، وحديث التعويم على ألسنة سائقى التوكتوك، وعَوِّموه يا بيه، وهو الجنيه بقى له سعر؟ والأسعار أُصيبت بالسُّعار، حتى بنديرة التاكسى أصابها مَسّ من الدولار، ويتبادلون حديث الدولار على قارعة الطريق، والحكومة ماضية فى طريقها غير عابئة ولا آبهة بما هو حاصل، البلد حُبلى بغضب مُخيف، ويجرى شحن الناس بكلام سخيف، واللى ميعرفش مثلى يقول عدس!!
نقلا عن المصري اليوم