الأقباط متحدون - معركة الموصل استعراضية ومعركة الرقة لاستنزاف العسكرية الروسية وتصلب سوريا السياسي
أخر تحديث ١٨:١٩ | الاثنين ٣١ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ٢١ | العدد ٤٠٩٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

معركة الموصل استعراضية ومعركة الرقة لاستنزاف العسكرية الروسية وتصلب سوريا السياسي

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
  ميشيل حنا الحاج

هل معركة الرقة التي تسعى اليها الولايات المتحدة بتوقيتها الحالي والمبكر، هي معركة استفزازاية تسعى لاستدراج السوريين والروس المنشغلين في  معركة حلب،، أم هي معركة استنزافية اعتقادا من الأميركيين امكانية استدراج العسكرية الروسية، الى وضع استنزافي، كذاك الوضع الذي عانى منه الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وقيل عندئذ بأنه قد تسبب بتفككه.  
 
هناك من بات يرجح أن معركة الموصل، هي مجرد معركة استعراضية بالنسبة للولايات المتحدة، رغم انها معركة جدية جدا بالنسبة للعراق حسن النية ،وللعراقيين الذين سيبذلون قصارى جهدهم والغزير من دماء أبنائهم لتحريرها، رغم أن المعركة في فلسفة لعبة الأمم الأميركية، مجرد عملية استعراضية، تسعى لتحقيق أهداف يبدو بعضها أهدافا هامشية، كمغادرة الرئيس الأميركي للبيت الأبيض وعلى رأسه اكليل النصر بتحريره الموصل من الدواعش ، ومكفرا عن ذنب ارتكبه في حزيران 2014 عندما سجلت أقماره الصناعية التجسسية مشاهدة موكب الدواعش يتحرك من محافظة الأنبار متوجها شمالا نحو المحافظات العراقية الثلاث، ومع ذلك لم يفعل شيئا عندئذ لايقافهم أو قصفهم. 

 فعلى أرض الواقع، هو يمهد أيضا لتحقيق هدفين استراتيجيين، وهما:
1)  عدم السعي من وراء معركة الموصل لتصفية الدواعش فيها، بل للضغط عليهم، ودفعهم لانقاذ أكبر عدد من قواتهم بسحبها من الموصل الى الرقة، لا رغبة من الأميركيين في استعجال حسم المعركة قبل رحيل الرئيس اوباما عن البيت الأبيض فحسب، بل لزيادة مصاعب الحكومة السورية، والقوات الروسية، عندما يتجمع العدد الأكبر من الدواعش في مدينة واحدة، مذكرين الحكومة السورية وحليفتها الروسية، أن الهم السوري الأكبر هو الدواعش، وليس جبهة فتح الشام الأقل ارهابية، او المعارضة المسلحة الموصوفة بالمعتدلة... في الوقت الذي تعتقد فيه الحكومة السورية، أن دور الدولة الاسلامية، سو يأتي بعد تحقق الحل السياسي في سوريا، مما يؤدي الى التفرغ عندئذ للتعامل مع المسألة الداعشية.
2) الهدف الأهم عسكريا وسياسيا، هو الكيد لروسيا واستدراجها لحرب استنزاف طويلة في سوريا، معتقدين بأن حربا كهذه، على شاكلة حرب مشابهة في أفغانستان انتهت قبل ربع قرن تقريبا، سوف تؤدي لاضعاف روسيا الاتحادية، وربما الى تفكيكها، قياسا على ما واجهه الاتحاد السوفياتي في أفغانستان في ثمانينات القرن الماضي، وأدى الى تفككه، كما يعتقد الأميركيون.، فحقيقة الأمر كانت خلاف ذلك تماما.

 فالاعلان  الأميركي المفاجىء على لسان آشتون كارتر، أن معركة الرقة قد تبدأ قريبا متزامنة مع معركة الموصل، بل دون انتظار حسمها، يرجح وجود هدف استراتيحي له وراء الاستعجال بتوقيت معركة الرقة، بعضها فوري يسعى للحيلولة بين مواصلة سوريا وروسيا الضغط على حلب، وآخر بعيد المدى، هو استدراج روسيا للشروع بحرب ضد الدولة الاسلامية التي سيكون قد تضخم حجم تواجدها في مدينة الرقة، وبالتالي باتت تشكل خطرا أكبر على سوريا من خطر جبهة فتح الشام والمعارضة المسلحة، نظرا لاحتمال توسع انتشارها في مدن سورية أخرى. 
 
وهكذا يبدو أن ورقة حلب، تلعب مرة أخرى دورا هاما في مجريات التطورات في سوريا التي حاولت قبل عدة شهور فتح ملف مدينة الرقة، فتوغلت قواتها بعمق 12 كيلومترا داخل الحدود الادارية لمحافظة الرقة، لكن هجوما مفاجئا على غرب حلب الذي تسيطر عليه القوات الحكومية السورية، قادته جبهة النصرة بالتحالف مع أحرار الشام وكتائب أخرى، اضطر الحكومة السورية لتأجيل معركة تحرير الرقة، وسحب قواتها الزاحفة نحو المدينة المسيطر عليها داعشيا، والتوجه بها نحو حلب باعتبارها باتت لها الأولوية في التعامل معها، مما قاد لنشوب المعركة الكبرى حول حلب التي نشهدها الآن.

لكن ها هي الحكومة الأميركية التي لا تملك قوات أرضية في المنطقة تستخدمها في معركة تحرير الرقة، تعود الآن لتحريك ورقة تحرير أو عزل الرقة التي اعاقتها قبل عدة شهور ، لخلط أوراق المسألة السورية مرة أخرى. فبعد أن باتت الأوراق كلها تقريبا بيد الحكومتين السورية والروسية لفرض رؤيتهما بالنسبة للحل السياسي لتلك المسألة، واستبعاد أو تقليص دور الحكومة الأميركية في لعب دور جوهري فيه، تدخل اللاعبون بلعبة الأمم في واشنطن دي سي، لينفذوا لعبة سياسية عسكرية استخبارية، تسعى لقلب الأوراق، وايجاد دور ما لهم، بل دورا هاما اسمه تحرير الرقة، الذي تستخدمه كورقة ضاغطة على كل من سوريا وروسيا، استنادا الى توقيتها غير الملائم لهم بسبب انشغالهما بمعركة حلب.  

وفي مسعى لتعقيد الأمور وتحقيق مزيد من الاستفزاز، أعلنت الولايات المتحدة عن توجهها لطلب المساعدة من جيش سوريا الدمقراطي ذو الغالبية الكردية ، لمساعدتها كقوة أرضية، في عملية عزل الموصل. وبطبيعة الحال، كان السياسيون الأميركيون يتوقعون اعتراض تركيا المعادية للأكراد، على  مشاركة قوة الحماية الكردية (المسماة الآن بجيش سوريا الدمقراطي)، وعرضها المشاركة بقوات تركية برية في عملية تحرير الرقة، الأمر الذي رافقه ترويج غير مؤكد، لاحتمال مشاركة قوات سعودية أيضا في عملية التحرير تلك، الأمر الذي توقعت الدولة الاميركية أن يستفز الحكومة السورية، معتبرة التدخل التركي، وأي تدخل آخر كالسعودي مثلا، عدوانا على الأراضي السورية وعلى السيادة السورية، مما قد يستدرجها للاعلان بأن تحرير الرقة هو مهمة سورية، ومعركة سيخوضها الجيش السوري بمؤازرة روسية. وهذا بالطبع ما تتوقع الولايات المتحدة سماعه، لتكتمل خيوط شبكة العنكبوت للاستدراج الروسي الى ما يتوقعونه ان يكون مستنقعا تغرق فيه روسيا الاتحادية.

لكن بوتين ولافروف، لم يغفلا عما اعتقده الأميركيون شركا يحاك لروسيا، مع علمهم بأن المستقبل قد يضطرهم للدخول في مواجهة ما مع الدواعش، ليس نتيجة استدراج أميركي، بل ثمرة لقرار استراتيجي بضرورة التفرغ لحسم المسألة الداعشية، بعد حسم مسألة المعارضة المسلحة بشقيها المعتدل والارهابي المتمثل بجبهة النصرة مهما تنوعت أسماؤها.  ومن هنا رفض الرئيس بوتين الاستجابة لمطلب قيادة القوات الروسية باستئناف قصف حلب، لتقديره بأن معركة أخرى قد تنتظر مواجهة ما من روسيا، مع اصداره في وقت متلازم مع ذاك الرفض، تحذيرا للولايات المتحدة من السماح لقوات الدولة الاسلامية  بالانتقال من الموصل الى الرقة.

ولكن تطورات هامة طفت على السطح موحية بأن شركهم العنكبوتي، والذي تضمن محاصرة الموصل من ثلاث جهات وترك الجهة الرابعة وهي الجهة الغربية التي تقود الى الرقة مفتوحة... هذا الشرك تعرض لخروقات كثيرة، لم يكن أحدها مجرد الاستيعاب الروسي لما يحاك ضدهم وتمثل بتصريحات وقرار بوتين سابق الذكر، اذ كانت هناك خروقات أخرى مغايرة للتوقعات الأميركية، وكان أبرزها ما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية، عن انتقال قوات داعشية من الرقة الى الموصل دعما لها في معركتها، ثم قيام قوات الحشد الشعبي العراقي التي يقدر عددها بمائة وخمسين الف مقاتل يكن بعضهم الود لايران، باغلاق منفذ الجهة الغربية للموصل( خلافا للمخطط الأميركي)، وسيطرتهم على عدة قرى تقع غرب الموصل، معلنة عزمها على مطاردة أية قوة داعشية تسعى لمغادرة المدينة، بل وتصميمها على ملاحقتها حتى داخل الأراضي السورية وصولا الى مدينة الرقة.

وكان هنلك تطور آخر لا يقل أهمية، وهو ما بدا عزوفا من جانب الدواعش عن التخلي عن الموصل والانتقال الى الرقة، مما قد يعني أن الدولة الاسلامية ليست معنية بالمخطط الأميركي، أو غير عالمة به، وان علمت فهي غير مباركة له لما في انسحابها من الموصل، اعترافا منها بنوع من الهزيمة قد تؤثر على معنويات مقاتليها، وقد تؤدي الى هروب بعضهم من صفوفها، بعد أن تراجع أو تباطأ عدد القادمين من الخارج للانضواء في تلك  الصفوف بعد خسارة الدولة الاسلامية لمساحات جغرافية واسعة.

فالمخطط الأميركي اذن، لا يبدو أنه يتجه نحو التكلل بالنجاح التام. ولعل هذا ما استدعى اعلان التحالف الأميركي عن التباطوء بمهاجمة الموصل، باعلانه توقف مؤقت في العمليات العسكرية لمدة 48 ساعة بذريعة اتاحة الفرصة لتجميع القوات. لكن لو فرضنا جدلا، أن هذا المخطط قد نجح  بمراحله الأولى، ووجدت روسيا وسوريا معها بطبيعة الحال، قد استرجتا لمعركة تحرير الرقة القادمة لا محالة مستقبلا، هل كان ذلك سيحقق النتائج التي تتوقعها الولايات المتحدة من وراء ذلك، وهو استزاف روسيا استزافا يؤدي لتفككها كما حصل مع الاتحاد السوفياتي؟  الترجيح بأن الجواب هو (لا)، نظرا لقصور المخطط الأميركي، كعادته دائما في القرارات المفصلية، في استيعاب كل الاختمالات حتى الهامشية منها. وأسباب القصور في النفكير الأميركي بالنسبة لاستدراج روسيا لمعركة الرقة قبل نضوج الاستعدادات لها،  تكمن فيما يلي:
1) الطبيعة الجفرافية بين البلدين تختلف اختلافا تاما عن بعضهما البعض. فجغرافية افغانستان جغرافية وعرة، وفي بعض المواقع شديدة الوعورة، خلافا للطبيعة الجغرافية في سوريا.

2) أن الاتحاد السوفياتي كان لديه جنود على الأرض تقاتل، فخسروا الكثيرين منهم.  أما روسيا الاتحادية، فليس لديهم جنود في سوريا، بل سلاح جو يغير ويقصف.

3) أن السلاح المستخدم في أيامنا هذه، قد تطور كثيرا عن السلاح الذي استخدمه السوفيات قبل ربع قرن من الزمان. وهذا عنصر لم يضعوه في حساباتهم. 

4) الوضع الاقتصادي في الاتحاد السوفياتي، كان متدهورا ويعاني من الكثير من العيوب.  وهذا لا يمكن مقارنته بالوضع الاقتصادي الحالي المستقر في روسيا الاتحادية، رغم كل العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها  بسبب أزمة أوكرانيا وشبه جزيرة القرم.

5) كان الفساد والترهل في القيادة  مستشريا في الاتحاد السوفياتي ابان حرب ثمانينات القرن الماضي في أفغانستان، نتيجة جلوس بريجينيف البطيء في تفكيره، على كرسي قيادة الحزب لأكثر من ثلاثين عاما، وظهور بؤر فاسدة وتكتلات تحارب بعضها بعضا. وهذا وضع غير متوافر حاليا في روسيا الاتحادية، التي أثبتت الانتخابات البرلمانية الأخيرة، وجود تأييد واسع لحزب الرئيس فلاديمير بوتين، مع عدم تراجع ملموس وضار في اقتصادها، رغم تدني سعر برميل النفط الذي أريد بتعمد  تنزيل سعره، الاضرار بروسيا بشكل مباشر (اضافة الى ايران)، فألحق ضررا بالسعودية اكثر من أي ضرر لحق بروسيا الاتحادية.

ومن هنا، فان الاعتقاد الأميركي، ومثله اعتقاد المجاهدين التكفيريين، بأنهم قد هزموا الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي واضطروه للانسحاب من أفغانستان، هو اعتقاد خاطىء جدا.  لأن ما اضطر الاتحاد السوفياتي للانسحاب، ليس ضراوة الحرب التي خاضوها على الأراضي الأفغانية، بل المعضلات الاقتصادية التي واجههوها، وعجز الرئيس بريجنيف البطيء في التفكير وفي الحركة... عن معالجة هذه الأزمات. وزادها بلاء، الفساد المستشري داخل الحزب والتفكك في صفوف قيادته، التي كانت كلها مجتمعة هي السبب وراء تفكك الاتحاد السوفياتي، وليس بطولات وشدة بأس المجاهدين التكفيريين في أفغانستان.

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter