
محمود مسلم
البعض ما زال مُصرّاً على التعامل مع «فوضى الإعلام» على طريقة اختراع العَجَلة، رغم أن التشخيص معروف، والعلاج أيضاً، لكن ما شهده المؤتمر الوطنى الأول للشباب من ندوة حيوية يكشف أن الأمور لا تسير فى اتجاهها الصحيح، فحل الأزمة يبدأ بإصدار قوانين الإعلام، وتشكيل الهيئات، وتكوين نقابة للإعلاميين، وإصدار ميثاق شرف، وبالمناسبة فإن أزمة الإعلام قد جاءت فى بيان ثورة يونيو، الذى أعلنه «السيسى» يوم 3 يوليو 2013، ولم يتحرك أحد على مدار 3 سنوات، واكتفى الجميع بالتشخيص تارةً والشكوى تارة أخرى.. ويبدو الإعلام كأنه كبش فداء، مطلوب منه أن «يحاسب على كل المشاريب»، رغم إقرارى بالمشكلات والحرية التى تغيب عنها المسئولية، بل تصل إلى حد الفوضى.
الإعلام مثل كافة مؤسسات الدولة التى تنتظر الإصلاح، الذى طال انتظاره، ولكن لأن دوره أكثر تأثيراً، ونظراً لغياب السياسة، فإن أخطاءه هى الأكثر إبرازاً، ومع ذلك فمن غير المعقول أن يتحمل كل الفاتورة، وكأن الأداء الحكومى رائع، والبرلمان متميز، وكل شىء على ما يرام، بينما الإعلام لا يرى سوى نصف الكوب الفارغ.. ورغم وجود تجارب وموضوعات إعلامية متميزة، فإن البعض، ومنهم الرئيس السيسى، يكرر نفس ما يشكو منه، حيث يركز على الجوانب السلبية فى الإعلام فقط دون الإيجابيات، فى كل حديث، وكأن مَن رفع سعر الدولار الإعلام وليس الظروف المحيطة من تراجع السياحة، وانخفاض عائدات المصريين فى الخارج، ونقص الاستثمارات، بالإضافة إلى ضياع السياسة النقدية، وضعف خبرة القائمين على الأمور الاقتصادية، والتصريحات الغريبة التى يطلقها الوزراء ومحافظ البنك المركزى، كما أن الإعلام لم يخرب العلاقات مع الدول، فعلى سبيل المثال فإن السعودية هى التى انتقدت مصر علناً فى الأمم المتحدة، وقطعت عنها البترول، وهاجم بعض كُتابها «السيسى» نفسه، فهل عندما يرد الإعلام المصرى يكون قد أفسد علاقات مصر الخارجية؟
كتبت من قبل أن النظام لديه نية طيبة تجاه الإعلام، لكنه لا يملك رؤية حقيقية، بدليل أن وسائل الإعلام الحكومية لم تتحسن، ولم تطَلها يد الإصلاح حتى الآن، وترتكب أخطاء تصل إلى حد الجرائم فى حق الدولة و«السيسى» نفسه، وكان يمكن خلال السنوات الماضية أن يكون هناك نموذج أو أكثر فى هذه الوسائل للنجاح، ووقتها أيضاً سينصلح الإعلام الخاص.
أزمة الإعلام الحقيقية تتمثل، كما قال شيخ الصحفيين مكرم محمد أحمد، فى الحرفية والمهنية، والتى أعتقد أنها اختفت بسبب غياب التدريب، ودخول أناس إلى المجال لم يتكوّنوا ثقافياً وسياسياً بدرجة تؤهلهم للعمل، بل ونزوح أخطاء «الفيس بوك» ووسائل التواصل الاجتماعى إلى الصحف والقنوات.. ولا أمل فى إعلام واعٍ ومهنى إلا بمواجهة جادة لمثل هذه المشكلة، بدلاً من البكاء الدائم على اللبن المسكوب، فالدولة المصرية تواجه حرباً شرسة، بينما منظومة الإعلام غائبة.. والمعلومات مختفية.. والقوانين فى الأدراج.. وبالتالى سنظل فى كل مناسبة نلعن الإعلام ونُحمّله المسئولية عن كل شىء، وكأننا نعيد اختراع «عَجَلة الإعلام»!!
نقلا عن الوطن