الأب الدكتور أثناسيوس حنين
بيرية –اليونان
احتفينا اليوم الأحد 23 اكتوبر 2016 ’ فى كنيسة تجلى السيد ببيرية ’ بعيد يعقوب الرسول الملقب بأخو الرب وأقمنا ليتورجيته الخاصة حسب الطقس الليتورجى القديم كما قرأنا ’ من ضمن قرأأت كثيرة ’ قرأ المرتل الرسالة الى أهل غلاطية ( 1 : 11 – 24 ) ’ ولقد أسرنى وأذهلنى هذا المقطع طوال الخدمة الألهية ’ وما لفتنى فى كلام بولس العابر هو أنه يقيم حدا كبيرا ويقيم مسافة طويلة بين البشارة بانجيل يسوع وبين المشورة والتشاور مع باقى الرسل والتلاميذ ’ وكأنه يقول أنه من الصعب أن يكون هناك توافق وتطابق أراء بين المرجعيات الرسمية والمؤسساتية وبين المبشرين اللاهوتيين ’ العفويين والتلقائيين ’ أى بين الكنيسة المؤسسة والكنيسة البشارة ’ بين المشورة والبشارة ! وهذه معضلة بدأت من بولس وتستمر الى اليوم ! ’ ويتكلم بولس بلهجة واثقة وبيقين شديد ولا يطلب رأيا كمن يتردد بل يقدم رؤية كمن يثق . يقول للغلاطيين لكى ( أعرفكم أيها الأخوة ...) بأن البشارة التى بشرهم به لم يأخذها من انسان ’ ولم يتعلمها من أحد أو من مؤسسة ’ بل !
باعلان يسوع المسيح
Άλλά δί,άποκαλύψεως Ϊησού Χριστού
شاؤل لم يأت من شتات اليهودية وتقاليدها بدعوة أو بلمحة أو بوعظة أو لمصلحة ما حتى ولو كانت (فى سبيل الله ! )’ بل أتى (باعلان ) يسوع المسيح ’ أو بالأحرى أتى به الاعلان ! أى أن بولس كان يعيش ليلة (أبوغلامسيس) دائمة لا يعتريها ظلام ! هذا الاعلان لا يعنى حالة من الغيبوبة أو التشنج العاطفى النفساوى ’ بل هى رؤية ’ تنموا وتكبر بالطبع ’ بيقين شديد وتنير القلب والعقل وتعيد ترتيب الاوراق ’ كل أرواق الحياة ’ وتجمع كل ما يخص العقل والقلب من ماضى وحاضر وتضعه فى (خلاط ميكسر) الكيان وترش عليه من زيت النعمة ودموع العودة وبهرات الثقافات وخل التدين ’ وتخرج علينا برؤية جديدة وشاملة ومنظومة لاهوتية - انسانية ’ تكون هى اساس العمل البشارى . عاش بولس الرؤية داخل كيانه ’ هذا يشككنا فى معظم ما قيل ويقال عن أن بولس هو فيلسوف المسيحية ووووو !!!’ يذهب علماء النفس السياسى والدينى بأن المبالغة فى تاليه أصحاب المواهب والمفكرية والمبشرين والدعاة الكبار ’ يخفى ورائه أن الذين يكرمونهم ’ من العامة وأحيانا الخاصة ’ يبذلون محاولات هروب نفسانية حتى لا يشتهوا أو حتى يفكروا أن يكونوا مثلهم أو يقتدوا بهم أو حتى يبحثون عن سبب تفوقهم ! وكأن الله قد خلق مجموعة من الموهوبين والموهوبين والمبشرين (وكسر القالب !) حسب التعبير الشامى !
لقد حطم بولس هذا المفهوم حينما أعلن على الملاء بأنه لم يأخذ بشارته من انسان ولا تعلمها ’ بل باعلان يسوع المسيح ! المشكلة ليست فى الاعلان ’ بل فى نتائجه ! لقد جعله الاعلان يدرك أن حتى ماضيه فى الديانة اليهودية (تقليدات أبائى ) ’ كان ضمن خطة الاعلان ’ لأنه يقول بأن الله قد سر أن يفرزه من بطن أمه ودعاه بنعمته أن يعلن ابنه فيه (ابوكاليبسيس) (غلاطية 1 : 15 ) ’ لم يصاب بولس بحالة من الانفصام أو فقدان الذاكرة كما يحدث مع الاختبارات الروحية (الديليفرى ...) ’ بل لقد وضع كل مشيئة حريته ووجوده وكيانه وثقافته وماضيه فى الخلاط ’ أى خلاط الرؤية ’ وخرج بهذا اليقين ! لهذا لا وقت عند بولس للاستشارة والتماحيك الروحية ! للوقت لم يستشر لحما ودما أى بشر ’ مهما كان حجم اولئك اللاهوتى والكنسى ! لم يصعد الى اورشليم والتى كانت يومها المرجعية للرسالة ومركز البشارة ’ الى الرسل الذين قبله ’ بل أنطلق !!!! ونشكر السيد فاندايك لأن التعبير (أنطلق ) دقيق جدا ومعبر ! انطلق بقوة الرؤية لكى ما يداعب الرؤية ’ فى البرية العربية ومنها الى دمشق ’ ويهضمها ويدرسها ويستوعبها لمدة ثلاث سنيوات كاملة (غلاطية 1 :18)! (يطبخ) فيها على نار هادئة (رؤيته الخاصة واوبكاليبسوه الثمين ’ وليلة أبو غلامسيسوه التى لا يعتريها ظلام !).
هنا ولكى لا يتنطع أحد ويتهم بولس بالكبرياء أو الانتفاخ (ياريت يكون عندنا رؤيته وننتفخ معلش ’ على الأقل تبقى نفخة على المليان مش نفخة على الفاضى ! ) يسرع الى تذكيرهم بسيرته القديمة فى الديانة اليهودية وكيف أنه كان يضطهد كنيسة الله ويخربها (بافراط ) غلا 1 :13. وأن ما هو فيه الأن (هذا من فضل ربه !!!)
السؤال هو أنه وقت ساعة الرؤية وملء زمان البشارة ’ لا يصير هناك مكان لمشاورات ولا لاستشارات ! بل انها ساعة الانطلاق ! يعتقد الكثيرون وكاتب هذه السطور منهم بأنه لو قرر بولس أن يأخذ رأيا ما فى ما هو مزمع أن يقبل عليه ! لما صار بولس ! لا يفهم اشكالية العلاقة بين المشورة والبشارة (الباردوكسا حسب تعبير الأب متى المسكين !) الا الذين قبلوا الدعوة فى قلوبهم ومن كل عقولهم ووجودهم مع بولس ولم يستشيروا لا لحما ولا دما بل انطلقوا ! وهؤلاء هم احتياج الكرازة والخدمة اليوم .