الأقباط متحدون - الإخوان حزب سياسي أم دعوة دينية؟
أخر تحديث ١١:٤٤ | السبت ١٥ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ٥ | العدد ٤٠٨٣ الستة التاسعة
إغلاق تصغير

الإخوان حزب سياسي أم دعوة دينية؟

أحمد بان
أحمد بان

"لو استقبلت من أمري ما استدبرت، لعدت بالإخوان إلى زمن المأثورات"، "لعلي الآن بعد كل تلك السنوات أقول: لو استقبلنا من الأمر ما استدبرنا، لكنت أنصح الإخوان بألا يستعجلوا دخول ميدان السياسة والحكم، لنترك العظمة للكلاب وننشغل بتحويل شعب مصر كله إلى شعب مؤمن بربه، ليس فى العبادات ولكن فى المعاملات والعمق الروحي، فلا يتحرك الإخوان والرأي العام معهم، بل وهم الرأي العام".

مقولتان كاشفتان وتنضحان بالحكمة التي لم تنتبه لها قيادات الإخوان عبر عقود، الأولى قالها حسن البنا، المؤسس قبل موته بأيام قليلة للشيخ محمد الغزالي، وهو يجتر شريط أحداث عقدين من عمر جماعة الإخوان، جسد العقد الأول المرحلة الذهبية في تاريخ الجماعة والتي لم تكن الجماعة فيها سوى جماعة دعوية، تسعى لإحياء القيم فى النفوس وتقدم للمجتمع قدوات في كافة ميادين الحياة، دون انخراط في السياسة أو الحزبية التي كانت قد ضربت البلاد وأضاعت القضية الوطنية، حتى نفرت منها قطاعات واسعة من الشعب ما مهد الأرض لقبول جمعيات العمل الأهلي، كتلك الجماعة التي أسسها الأخوان وأسموها جمعية الإخوان المسلمين.

اكتشف حسن البنا بعد عقدين فقط من تأسيس الجماعة وبعد عقد واحد من التحول الى العمل السياسي، الذي اختلط بالعمل العسكري بتأسيس النظام الخاص الميليشيا العسكرية للجماعة في العام 1940، وخروج هذا التنظيم عن سيطرته وتعدد ساحات الصراع التي رتبتها خطوته التنفيذية كما سماها وهي الانخراط المتشابك مع الواقع في كل الساحات دعوة وسياسة وحرب ،مما أنتج فشلا فى كل المناحى توج بفقدان حياته وغياب قيادة بوزنه ،تركت الجماعة تقع فى تيه النظام الخاص ثم تيه التنظيم القطبي الذي قادها بعد عقود للوصول إلى الحكم على تشوه بالغ فى البيئة السياسية المصرية ثم خروجهم من الحكم على يد نفس التيار، وبفعل نفس الممارسات الكارثية التى خلطت الدعوى بالسياسى فى التباس صنع هذا المصير.

اهتدى حسن البنا مبكرا إلى ضرورة مغادرة فضاء السياسة الضيق ،الحافل بالصراعات والمؤمرات والكيد والكذب والخداع وكل مفراداته المعروفة ،الى فضاء الدعوة الواسع فى تجرد لنشر القيم وحراستها فى المجتمع دون وصاية، بل وفق المبدأ القرآني العظيم"ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ".

وكانت تلك وصيته التي لم ينفذها من أتى بعده ، العدول عن السياسة والتدافع السياسي والحزبي الذي كان يمقته إلى الدعوة وفقط، وهذا مغزى إشارته "لعدت بالإخوان الى زمن المأثورات" قاصدا تلك العشرية الأولى في البدايات من 1928 إلى 1938، حيث اقتصر نشاط الجماعة على الدعوة والتربية فى المساجد والمدارس والأندية، مما أحدث صحوة حقيقية قفزت برقم عضوية الجماعة إلى مليون عضو من بين تعداد الشعب المصري في ذلك الوقت والذي لم يتجاوز 12 مليون نسمة، وهي نسبة كبيرة جدا أغرت البنا ربما بأن يخطو المرحلة الثالثة فى مشروعه الملتبس وهي التنفيذ، وهو ما بدد كل ما حققه في العشرية الأولى، وقد يعتقد الكثيرون أن جماعة الإخوان سقطت في 2013 بفعل ثورة 30 يونيو التي كانت إعلانا شعبيا ومؤسسيا عن إسقاط الجماعة وإبعادها عن الحكم والمشهد السياسي، لكن الحقيقة أن الجماعة كانت قد سقطت قبل ذلك بعقود، يوم تحولت من مسار الدعوة إلى مسار السياسة في العام 1938، وجاهرت الجميع بالعداء، تأملوا مسيرة الجماعة لولم تجاهر نظام ناصر بالعداء، وجاهدت لإصلاح المجتمع وقيادة معركة الوعي عبر الدعوة والتربية والتزكية، ووفرت الأموال والجهود والدماء التي أريقت على مذبح الحكم الذي لم يرتوي من الدماء عبر التاريخ.

أخطأ الإخوان حين تصوروا أن المجتمع مهيأ لقبول مشروعهم السياسي، وتصوروا أن الرأي العام معهم ولم يكن معهم أبدا بل شبه لهم، وهو ما انتبه له أيضا صاحب المقولة الثانية فى صدر هذا المقال الدكتور حسان حتحوت أحد القيادات التاريخية للإخوان والقريبين من حسن البنا، والذي أجرى ربما أول مراجعة في سلوك الجماعة، انتهى فيها إلى تلك الخلاصة التي سطر فيها تلك المقولة فى العام 2000، حتى قبل أن يستشرف الإخوان الحكم أو يحوزوا حتى نسبة معتبرة في البرلمان، فالرجل يتفق تماما مع حسن البنا في ضرورة التمهل قبل تمظهر الجماعة في حزب سياسى يستبق رأي عام يعتقد الإخوان أنه معهم، إلى رأي عام يعبر عن جملة قناعات الجماعة سياسيا واقتصاديا وإجتماعيا، بمعنى أن يكون برنامج الجماعة إن كان ثمة برنامج.

لم نشهد أبدا برنامجا سياسيا للجماعة يمكن تقييمه أو الحكم عليه مقبولا لدى قطاعات واسعة تدعو الجماعة لتحمل المسؤولية كحزب سياسي، ما كان يدعو له الرجل أن تكون الجماعة دعوة فقط حتى يتبلور سياق مرحب ومشجع لوجودهم في الحكم، يكون من القوة والحضور بحيث يحمل مشروعهم ويدافع عنه، لكن التيار القطبي الذي تربى في ظلال النظام الخاص غلب منطق الصفقات والعمل في الظلام، وتصور أنه قادر على خداع الدولة والقفز على الحكم توسلا بالدعوة للوصول إلى الحكم، فكانت الحكمة الجمعية للمصريين له بالمرصاد فأسقطته بعد عام واحد لتقول له هي أيضا ما جعل الله لرجل من قلبين فى جوفه، إما الدعوة وإما السياسة فلاسبيل للجمع بينهما، وهي العبرة التي لم تقرأها الجماعة حتى تاريخه، ولازال الصراع محتدما بين قسمين منها على السؤال الذي انطلق منذ سبعة عقود، هل الجماعة حزب سياسي أم دعوة دينية ؟
نقلا عن دوت مصر


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع