الأقباط متحدون - ذكريات سبتمبر وأكتوبر.. وضرورة إحياء «يناير» و«يونيو» (2 - 2)
أخر تحديث ١٢:٠٥ | الثلاثاء ١١ اكتوبر ٢٠١٦ | بابة ١٧٣٣ش ١ | العدد ٤٠٧٩ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

ذكريات سبتمبر وأكتوبر.. وضرورة إحياء «يناير» و«يونيو» (2 - 2)

د. على السلمى
د. على السلمى

كان ظن المصريين أنهم بنجاح ثورتهم فى 25 يناير 2011 فى إجبار الرئيس الأسبق «مبارك» على التخلى عن منصبه، سوف ينعمون بوطن تُظله الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، فضلاً عن العيش، وهو إشارة المصريين إلى زيادة الدخول وعدالة التوزيع لعوائد التنمية.

وكان ظن المصريين حين قاموا بتصحيح مسار ثورة يناير فى الثلاثين من يونيو 2013 وانحياز القوات المسلحة إليهم، ونجاحهم فى عزل محمد مرسى وتخلصهم من حكم المرشد، أنهم سينطلقون بوطنهم إلى آفاق التنمية الشاملة والديمقراطية فى دولة مدنية أساسها الدستور والقانون والمواطنة!

لكن تأتى الرياح بما لا تشتهى السُّفن، فقد تصاعدت وتيرة الإرهاب من جماعة لا تعترف بالوطن وجل غايتها الاستيلاء على السلطة، اعتماداً على التضليل باسم الدين، وتفجّرت موجات عالية من الفساد المالى والإدارى، وارتفعت أصوات نفر من أبواق النفاق للحكم الجديد بعد الانتخابات الرئاسية فى 2014، وعادت إلى الظهور رموز حزب الحكومة فى زمن «مبارك» وسدنة نجله «جمال» فى أمانة السياسات التى أسسها بزعم العمل على تطوير الحزب الوطنى الحاكم، فرأينا وزير خارجية «مبارك» يتم ترشيحه وانتخابه أميناً للجامعة العربية بدعم من دولة «30 يونيو»، وشهدنا رموزاً مباركية آخرين ينعمون بعضوية مجلس النواب، بفضل قائمة «فى حب مصر» المحسوبة على الدولة، وتقدُم الدولة بمرشح مصر لرئاسة منظمة «اليونيسكو» من ضمن هؤلاء الرموز!

ورغم أن الدستور الجديد كان من أهم عناصر خارطة المستقبل التى أُعلنت فى اجتماع بعض ممثلى القوى السياسية مع القائد العام للقوات المسلحة ليلة عزل «مرسى» فى 3 يوليو، والذى وافق عليه الشعب فى استفتاء مشهود، فإنه لا يزال غير مفعل، وليس هناك اهتمام بتحقيق مقاصده، سواء من جانب السلطة التنفيذية أو السلطة التشريعية!!

ورغم اقتراب الذكرى السادسة لثورة 25 يناير بعد أسابيع معدودة، والآمال التى داعبت خيال المصريين بعد 30 يونيو، فلا تزال الأمور على صعوبتها ومعاناة الناس فى مصر تتفاقم، ولا تزال السياسات والحلول التى تلجأ إليها الدولة فى محاولاتها لعلاج مصادر العلل وأسباب المعاناة للمصريين هى ذاتها سياسات وحلول ما قبل 25 يناير، التى أثبتت فشلها فى تحقيق آمال جماهير الشعب الكادح من أجل عمل مشرف منتج، وخدمات تعليم وعلاج معقولة، وحياة آمنة فى مسكن متواضع، لكنه يليق بالآدميين!

إن مصر بعد ثورتين، فى حاجة إلى إعادة صياغة شاملة وجريئة لهيكل المجتمع وعناصره السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، لتُصبح أكثر اتساعاً ورحابة فى استيعاب حركة المواطنين أفراداً وجماعات فى سعيهم النشط لتحسين وجه الحياة فى مجتمعهم. إن الدولة مطالبة بتصميم استراتيجية لإعادة بناء الوطن وترتيب أولوياته بالمشاركة الحقيقية مع القوى الوطنية ومنظمات المجتمع المدنى العاملة فى الحقول الثقافية والاجتماعية والعلمية على اختلافها، والمواطنين جميعاً.

إن المصريين يصرون على إقامة مجتمع ديمقراطى يوفر الحرية والمساواة والعدالة لجميع المواطنين من دون تمييز، ويفتح مجالات العمل الوطنى وفرص المشاركة فى الحياة السياسية والمجالات الاقتصادية والاجتماعية لكل المواطنين الشرفاء، الذين يحافظون على ثوابت الوطن ومقدساته ويحترمون دستوره وقوانينه.

إن السبيل الوحيد لتنمية مصر واستعادة مكانتها فى المجتمع العالمى المعاصر وضمان قوتها وعزها، هو تدعيم دولة المؤسسات ونظام الحكم القائم على تفعيل الدستور وتأكيد سيادة القانون وتداول السلطة، وحرية اختيار المواطنين لمن يحكمهم ومن يمثلهم فى المجالس التشريعية والمحلية.

إن إعادة بناء الوطن تتطلب إحداث نقلة نوعية شاملة فى جميع مرافق الحياة ومجالاتها، تنتقل بالمواطنين إلى الأحسن والأفضل بالمعايير العالمية والنظرة الديمقراطية، مع احترام وتفعيل مبدأ الرجوع إلى القاعدة الشعبية فى جميع المسائل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية المصيرية، وألا ينفرد الحاكم أو السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية بتلك القرارات رغماً عن إرادة المصريين أصحاب الشأن.

ويجب أن تعتمد الدولة على مفاهيم وتقنيات التخطيط الاستراتيجى ومنهجية الإدارة العلمية التى تعتمد فى الأساس على البحث الموضوعى والتحليل العلمى للأوضاع القائمة وتحديد مصادر القوة والضعف فى المجتمع، والتقييم الموضوعى لتأثير المتغيرات المختلفة الداخلية والخارجية على مجمل الحالة المصرية، والمصارحة الوطنية والمكاشفة بالعيوب والأخطاء والممارسات غير الديمقراطية، كما تعمل على حشد الموارد والإمكانيات وتوظيفها لتحقيق الأهداف المجتمعية فى التغيير الديمقراطى الشامل. وسوف يكون من مسئوليات «الرئاسة» الاهتمام بتحديد معايير وأساليب اختيار القادة والمسئولين على جميع المستويات، حيث إن الاختيار الكفء للقادة من الدعامات الأساسية لنجاح جهود إعادة بناء الوطن واستبعاد كل مصادر الإفساد وانعدام الكفاءة على جميع الأصعدة، وتجنُّب المنافقين والباحثين عن أدوار لا تتوافر لهم القدرة ولا النقاء الوطنى.

إننا نرى أن إعادة بناء الوطن هى الأساس فى تحقيق العدالة فى توزيع الدخل وعوائد التقدُّم والتنمية كى تعم المواطنين جميعاً، وتجنّب تكرار مشكلات تاريخية حين تستحوذ فئة قليلة على النصيب الأكبر من الدخل الوطنى والثروة فى مصر.

إن إعادة بناء الوطن تقتضى تفعيل قوى الشباب بالأفعال وليس بالأقوال، وتمكينهم من ممارسة دور فعّال فى حل قضايا المجتمع وبناء نهضته، وليس باصطناع كيانات غير حقيقية، وتمكين المرأة المصرية من المشاركة الفاعلة وإزالة ما يعوق مسيرتها ومشاركاتها الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. وينبغى العمل الجاد، وليس بمقولة الإصلاح الإدارى التى فقدت معناها لإعادة هيكلة مؤسسات الإدارة العامة وأجهزة الحكم المركزية والمحلية، وتحديث الهياكل والمؤسسات والنظم والتقنيات فى مجالات الأنشطة الاقتصادية والإنتاجية فى الزراعة، الصناعة، السياحة، الخدمات المالية، خدمات النقل، التجارة ونظم التداول، وغيرها من أنشطة الإنتاج السلعى والخدمات، وتحديث نظم وعلاقات العمل، وتأكيد الحقوق المتوازنة لأصحاب العمل والعاملين والمجتمع بأسره.

إن شرطاً أساسياً من شروط إعادة بناء الوطن هو تغيير الهياكل والنظم والآليات والمؤسسات العلمية والتعليمية والتقنية والثقافية، وتحديث تقنيات التعليم والتدريب ومنهجيات إعداد وتطوير وتنمية الموارد البشرية، والتحديث العمرانى وتنمية المجتمعات الجديدة، والتوسّع فى استثمار مساحات متزايدة من الأرض المصرية المتاحة وزيادة المعمور منها، وإقامة التجمعات البشرية المتكاملة، واستثمار الصحراء والتوسّع فى تطبيق التقنيات الجديدة فى زراعة الأراضى القاحلة، وتحديث الثقافة وأنماط الحياة الفنية والأدبية والارتقاء بالذوق العام فى جميع المجالات. ومن الشروط الجوهرية لنجاح عملية إعادة بناء الوطن، ضرورة فصل السلطة عن أشخاص ممارسيها، والاستناد إلى الدستور والقوانين المنظمة لممارسة السلطات المختلفة فى المجتمع، بغض النظر عن أشخاص القادة والمسئولين، ثم تفعيل مبدأ المحاسبة الدستورية والشعبية على النتائج ومدى تحقيق أهداف الوطن. ثم التنفيذ الصارم لنصوص الحريات والحقوق التى جاء بها الدستور، وضرورة تفعيل المبادئ الأساسية التى نصّ عليها الإعلان العالمى لحقوق الإنسان الصادر فى 1948، والاتفاقيات الدولية لحقوق الإنسان، وضرورة مراجعة قاعدة التشريعات المصرية وتنقيتها من جميع التشريعات المقيّدة للحريات والمعاكسة لروح الديمقراطية وحقوق الإنسان، وأيضاً تحرير النقابات المهنية والعمالية ومؤسسات المجتمع المدنى، وتحديث قانون الأحزاب السياسية ليتوافق مع الدستور بتحريم قيامها على أساس دينى أو طائفى.

وثمة كلمة أخيرة أوجهها إلى الأحزاب المدنية أن أفيقوا من سباتكم وانهضوا من اختفائكم الطوعى يرحمكم الله.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع