بقلم: جميل جورجي
بعد ساعات قليلة سوف تحتفل السماء بمرور عام على احتضانها ابن من أعز أبناءها الذين جاهدوا الجهاد الحسن علي الأرض طوال رحلة حياة، استمرت ما يقرب من (90) عامًا، حياة كانت تتميز بالمحبة للجميع، والتواضع وحب العطاء.
كانت شخصية المهندس "عدلي أبادير" مميَّزة في كل شيء؛ فرغم ضعف بنيانه الجسدي ومرضه في أواخر أيامه، ولكنه كان يتميز بالعمل النشط والحيوي والإرادة الفولاذية والمثابرة والتسابق مع الزمن في تحقيق الأهداف.
لم يكن للأنانية مكانًا في حياة "عدلي أبادير"، ولم يجد اليأس طريقًا للوصول إليه.
لم يعرف الانغلاق علي الذات، ولم يهتم وينشغل بنجاحاته في الحياة، ولم تشغله هذه النجاحات عن الاهتمام بإخوته وأبناءه من الأقباط الذين هم محتاجين إلى من يوصِّل صوتهم إلى العالم أجمع، ويقف بجانبهم في أوقات المحن والشدائد؛ فقد كان حبه لـ"مصر" والمصريين دافعًا رئيسيًا لكل أعماله وتصرفاته.
كان يتمنى أن تكون "مصر" مثل باقي دول العالم المتحضِّرة التي ترعى حقوق الإنسان، وتعطي الأقباط حقوقهم. فرغم تكوينه البدني الضعيف، لكن كان له قلب الأسد، وصوت جهور جسور وصل لآذان أقطاب الأرض الأربعة، وحرَّك المياه الراكدة منذ مئات السنين. وانتقد قوانين عفى عليها الدهر، ولم تُطبَّق إلا على الأقباط أصحاب البلد الذين تضرب جذورهم إلى آلاف السنين من تاريخ "مصر"، والذين أصبحوا يُعاملون معاملة الأقليات ناقصي الحقوق في كل شيء.
لقد اتسعت محبته ليس لتبني القضية القبطية فقط، ولكن لتشمل كل الأقليات في الشرق الأوسط.
كان لا يهاب أحدًا، ولا يخشى الموت، وواضح الهدف. لا يعرف اللف والدوران أو كلام السياسة، وكان هذا مصدر قوته وجاذبيته.
شعرت برحيله أن القضية القبطية قد تيتمت، ولكن الشمعة التي أضاءها الراحل العزيز لازالت تنير للكثيرين من الأقباط في العالم أجمع الطريق؛ نتيجة استكمال رسالته بواسطة أسرته وأبناءه العاملين في كرمه بكل التواضع والحب والصمت الكبير، واضعين أمامهم هدفًا واحدًا وهو استكمال الرسالة.
إن الكثيرين من الأقباط في الخارج، استهوتهم حضارة الغرب، وشغلهم نجاحهم وثرواتهم المادية عن الآخر، ولكن "عدلي أبادير" سخَّر كل نجاحاته وإمكانياته ومواهبه لخدمة "مصر" والأقباط.
هذه كلمات بسيطة عن بعض جوانب شخصيته النادرة؛ لأن ذكر أعماله يحتاج إلى كتب كثيرة تصل لحجم القواميس. فتحية تقدير واعتزاز لهذه الشخصية العملاقة، وتحية لكل أبناءه الذين وضعوا على عاتقهم استكمال الرسالة. وهنيئًا للسماء بوجودك فيها. واذكرنا يا أبي الحبيب أمام عرش النعمة.