الأقباط متحدون - علاقة السادات مع الأقباط والتيارات الإسلامية.. ما بين الشد والجذب والتوتر
أخر تحديث ٠٠:٤٠ | الجمعة ٧ اكتوبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ٢٧ | العدد ٤٠٧٥ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

علاقة السادات مع الأقباط والتيارات الإسلامية.. ما بين الشد والجذب والتوتر

محمد أنور السادات
محمد أنور السادات

كتب: هشام عواض
تولى الرئيس الراحل محمد أنور السادات حكم مصر في ظروف صعبة واستثنائية، فكانت جزء من أرض مصر محتل من قِبل إسرائيل وكان المجتمع المصري في ظل أزمات عصيبة على رأسها الاقتصادية، وتولى مقاليد السلطة بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر في 28 سبتمبر 1970 وكونه نائبًا للرئيس أصبح رئيسًا للجمهورية، وبدأ عصره بالقضاء على مراكز القوى في مصر وهو ما عرف بثورة التصحيح، وأيضًا وضع العديد من فئات المجتمع في خط المواجهة ضده ومنهم الكنيسة و البابا شنودة مما خلق علاقة متوترة مع المسيحيين، كما اتخذ عدة قرارات منها الإفراج عن الجماعات الإسلامية وإعطائهم فرصة وعودتهم مرة أخرى للحياة السياسية والساحة، مما أدى في الأخير إلى اغتياله على أيديهم، وفي الأسطر التالية نستعرض علاقة السادات مع الكنيسة والمسيحيين ومع الجماعات والحركات الإسلامية.

الفتن الطائفية في عهد السادات
مرت العلاقة بين المسلمين والأقباط في مصر خلال عهد السادات بعدد من مراحل التوتر والاحتقان، عبرت عن نفسها في عدد من أحداث العنف الطائفية، مثلت حادثة الخانكة -التي وقعت في 6 نوفمبر 1972 نقطة البداية الفعالة في تأزم علاقة مسلمي مصر ومسيحييها، وانطلقت شرارة تلك الحادثة بإزالة أهالي المنطقة المسلمين مباني تابعة لجمعية اعتبروها تحولت إلى كنيسة بدون ترخيص رسمي من السلطات.

وفي اليوم التالي وفد إلى الخانكة ألف كاهن وقس في مسيرة وصفت بطابور استعراض عسكري وأقاموا قداسًا دينيًا، وخرجت الأمور حينذاك عن نطاق السيطرة بعد أن واجهها المسلمون بمظاهرة مضادة احتجاجًا على تصرف الكهنة، وقيام قبطي بإطلاق الرصاص على أولئك المتظاهرين، الذين توجهوا بعد ذلك إلى منزل مطلق النار وأماكن أخرى لأقباط وأتلفوها.

اوتتالت بعد حادثة الخانكة أحداث طائفية عديدة أعوام 1975 و1976 و1977 حتى بداية الثمانينيات، حيث وصلت تلك الحوادث إلى ذروتها بحادثة الزاوية الحمراء الشهيرة في 17 يونيو/حزيران 1981. وبدأت تلك الحادثة بنزاع بين المسلمين والأقباط على قطعة أرض فضاء جعلها المسلمون مكانا للصلاة، وتطور هذا النزاع إلى معركة استخدمت فيها الأسلحة النارية، مما أدى لمقتل العشرات من الطرفين.

علاقة السادات المتوترة مع البابا شنودة الثالث
تزامن تولي الرئيس السادات رئاسة الجمهورية، مع تولى البابا شنودة رئاسة الكنيسة القبطية، وذلك في عام 1971، وشهدت فترة السادات حملة اعتقالات واسعة ضد ما عرف وقتها باسم "مراكز القوى الناصرية"، إلا أن الكنيسة وأقباطها لم يشكلوا خطرًا كبيرًا عليه، لعدم طموحهم في الحكم، وكان الصدام السياسي مع السادات العامل السياسي كان حاسمًا في تصعيد الأزمة بين الطرفين، فأولًا رفض البابا اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأعلن رفض دعوة الرئيس بالذهاب معه إلى الكنيست الإسرائيلي، بل وذهب أبعد من ذلك عندما قرر منع الأقباط من زيارة القدس، حتى لا يتعاملوا مع إسرائيل، الأمر الذي وضع حالة عدائية مع "السادات"، ومن الأمور الأخرى التي زادت من حدة الأزمة هو تنظيم أقباط المهجر في الولايات المتحدة الأمريكية مظاهرة بالتزامن مع زيارة السادات لأمريكا رافعين لافتات بأن ما يحدث للأقباط في مصر هو "اضطهاد" الأمر الذي أحرج السادات جدًا.

 وطلب الاتصال بالبابا لمنعهم من ذلك، فنفذ البابا طلبه إلا أنه تأخر فيه، ما اعتبره السادات تحديًا من البطريرك، فصدر قرارًا من الأمن بتوقف اللقاء الأسبوعي الذي يعقده البابا، ما رد عليه البابا في رسالة العيد التي وزعت على كل الكنائس بأن وقف الاجتماع الأسبوعي كان ردا على "احتجاجًا على اضطهاد الأقباط في مصر".

السادات يحدد إقامة البابا شنودة
في 5 سبتمبر 1981م جاءت قرارات السادات الشهيرة بقرارات سبتمبر والذي قام بالقبض فيها على أكثر من 1500 مثقف وكاتب صحفي ورجال دين إسلامي ومسيحي، وقد قام بالقبض على بعض الأساقفة والآباء الكهنة والخدام  ولأن كان هناك رغبة قوية للتخلص من قداسة البابا شنودة قام السادات بتحديد إقامة البابا شنودة الثالث  في دير الأنبا بيشوي (حيث كان البابا شنودة في هذا الوقت في الدير) ولم يسمح له بمغادرة الدير ووضع حراسة مشددة عليه هناك وأيضًا إلغاء قرار تعيين البابا شنودة بطريرك للكنيسة القبطية  وتعيين لجنة خماسية مكونة من خمسة أساقفة تقوم بإدارة شئون الكنيسة في غياب البابا شنودة،  جاء هذا القرار بمشورة من أحد الرهبان الذي كان على علاقة قوية بالسادات في تلك الفترة وهو القمص متى المسكين، ولكن لم يسمح الله أن تتم هذه المشورة واغتيل السادات واستمر قداسة البابا هو الأب البطريرك وأسقف الأساقفة يقوم بعمله بشكل كامل، ولولا تحديد إقامة البابا في تلك الفترة لكان قد حضر حادث المنصة واغتيل مع السادات كما اغتيل نيافة الأنبا صموئيل أسقف الخدمات، والذي حضر العرض كممثل للكنيسة القبطية، فقد ذهب السادات واستمر قداسة البابا شنودة أبا وبطريركًا للكنيسة القبطية لأكثر من 32 عام.

إعطاء الجماعات الإسلامية فرصة لدخول الحياة العامة والسياسة مرة أخرى
قالت جيهان السادات خلال حوارها مع أحمد موسى فى برنامج "على مسئوليتي" الذى يذاع على قناة "صدى البلد"، إن السادات أخرج الإسلاميين من السجون لإعطائهم فرصة للمشاركة في الحياة العامة و السياسية مرة أخرى، لكن عندما علم بخطرهم وأيضًا لأجل معارضتهم لاتفاقية السلام مع إسرائيل تم زجهم في السجن في اعتقالات سبتمر، وأيضًا لمنعهم للوصول للحكم  والاستيلاء عليه.

وقال الكاتب احمد الخطيب، إن بزغت تنظيمات الجماعة الإسلامية والجهاد والتكفير والهجرة، وجماعة السماوي نسبة إلى الشيخ الراحل طه السماوي، والجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية وجماعات أخرى لا حصر لها، إضافة إلى الجماعة الأقدم وهى الإخوان المسلمين، كانت جميعها عبارة عن مزيج من الأفكار ما بين الاعتدال حيناً ممثلاً فى الإخوان المسلمين والغلو أحيانًا ممثلًا فى الجماعة الإسلامية والجهاد.. والتكفير على طول الخط ممثلاً فى جماعات التكفير والهجرة.. وما بين الاعتدال والغلو والتكفير كانت تتأرجح باقي الجماعات.

وأضاف "الخطيب"، بعيدًا عن فكرة الاستخدام التي ذهب البعض إلى أنها الكسب الوحيد لخروج هذه الجماعات، إلا أن تقديري للسادات أنه كان مؤمناً بالحرية لجميع التيارات وليس للتيار الإسلامي فقط، بدليل أن الرجل لم يختر الحل الأسهل فى التعامل مع التيار الشيوعي وهو القهر والسجن وهو أيضاً نفس الحل الذى ذهب إليه عبد الناصر فى التعامل مع التيار الإسلامي.

لقد بلغت الحرية بهذه الجماعات أن كان منهم من يجوب القرى والنجوع فى جميع المحافظات يطلب البيعة له من الناس بصفته إمام هذه الأمة والحاكم الشرعي للبلاد، وآخر كوّن جيشًا مسلحًا ذهب به إلى الجبال والصحارى والتدريب جهارًا نهارًا للاستعداد على قتال النظام والحاكم الكافر الذى يحكم البلاد.

دعم السادات الحركات الإسلامية لمواجهة الناصريين
ساهم الرئيس الراحل أنور السادات فى نشأة الجماعة الإسلامية وعودة الإخوان وتكوين التيار السلفى منتصف سبعينيات القرن الماضي؛ فى محاولة منه لإنهاء الوجود الناصري في الشارع المصري، وإحداث حالة من التوازن مع باقي التيارات، ولم يكن يعلم وقتها أن عنف هذه الجماعات المتشددة سيجر البلد إلى ويلات العنف والتطرف.

يقول وليد البرش، أحد مؤسسي جبهة تمرد الجماعة الإسلامية للبديل: “يجب إدراك أن هذه الحركات لا تنجح بجهدها ولا بثقلها الذاتي، إنما من الخارج”، مضيفًا: “نشأت الجماعة الإسلامية في أوساط الطلاب بالجامعات المصـرية منتصف سبعينيات القرن الماضي بدعم من الرئيس السادات، الذى أراد إنهاء الوجود الناصري في الشارع المصـري، فدعم التيارات الإسلامية، وبالفعل نشأت الجماعة الإسلامية في جامعات مصـر”. وتابع “البرش” أن نشأة الجماعة الإسلامية وعودة الإخوان ونشأة التيار السلفى، كانوا بدعم من الرئيس الراحل أنور السادات، بالاستناد إلى قول صلاح هاشم، عضو مجلس شورى الجماعة، فى حوار له: “موضوع دعم النظام لنا لا يمكن أن ننكره، الفكرة أن السادات كان له أعداء ناصريون، ويسار، وشيوعيون، ونصارى، وكان وقتها في حيرة، فأشار عليه البعض أن يُفسح المجال للحركات الإسلامية لكي يصنع حالة توازن مع باقي التيارات، وكان محمد عثمان إسماعيل – رحمه الله- محافظ أسيوط، كان يدعمنا ماديا في المعسكرات والزي الإسلامي من صندوق المحافظة”.

اتصالات السادات بالإخوان
بدأ السادات اتصالاته «السرية» مع الإخوان المسلمين قبل رحيل عبد الناصر، وبتكليف شخصي مباشر من الرئيس. وذلك وفق رواية الدكتور محمود جامع صديق السادات ونديمه، ففى كتابه: «عرفت السادات»، يقول الدكتور جامع إن السادات حاول تحقيق مصالحة تاريخية مع الإخوان المسلمين، وأبلغني أنه أخبر عبد الناصر بما سوف يقوم به من اتصالات. ويضيف الدكتور جامع: كانت الاجتماعات تستمر في منزلي إلى الواحدة صباحًا، تقريبًا، وكان السادات يحضر بسيارة عبد الناصر، وقد كانت السيارة الوحيدة، وقتها، المزودة بتليفون، ولاسلكي من الخارج يميزها. كان عبد الناصر في زيارة للسودان، وكان السادات يستخدم سيارته، حتى يمكن الاتصال به، في أي وقت؛ لأنه كان رئيس الجمهورية بالإنابة. لم تكن الاتصالات «السرية» بين السادات والإخوان بعيدة عن علم عبد الناصر ورصد الأجهزة الأمنية، لكن السادات الرئيس يبدو أنه اختلف عن السادات النائب، فقد اتخذ مسارا جديدا في علاقته مع الإخوان، وفى تحالفاته مع الاتجاهات الدينية الجديدة التي تبناها وشجعها وسعى إلى استثمارها لتحقيق أهدافه السياسية.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter