الأقباط متحدون - القرش الأبيض .. ينفع في اليوم الإسود ..!
أخر تحديث ٠٧:٤٧ | الأحد ٢ اكتوبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ٢٢ | العدد ٤٠٧٠ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

القرش الأبيض .. ينفع في اليوم الإسود ..!

صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
  نبيل المقدس
يوم إفتتاح عمارات منطقة غيط العنب الجديدة .. اقترح الرئيس السيسى على رؤساء البنوك فى شكل دعابة الحصول على "الفكة" المتبقية من المعاملات , ووضعها فى حساب لصالح المشاريع القومية، قائلا "مينفعش نحصل على الفكة اللى فى المعاملات زي الـ50 قرش وغيره وتوضع فى حساب لصالح المشاريع ؟ ، مؤكداً أن هذا الاقتراح سيجمع أمولا معقولة والمواطنين فى مصر يرغبون فى المساهمة لكن لا يعرفون آلية معينة للمساهمة. وتابع موجهاً حديثه لرؤساء البنوك: "لو سمحتوا أنا عايز الفلوس دى .. إزاى أخدها أنا معرفش.. بس عشان نحطها للناس".
 
لا شك أن عمليات التوفير التي نفتقد ثقافتها .. يمكنها أن تتغلب علي زيادة الأسعار .. كما أن تجاهل المثل الذي ورثناه عن أجدادنا الذي أصبحنا لا نعرف قيمته وفقدناه , حتي إننا لا نأتي بذكره الآن وهي  مقولة : " القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود ", إلاّ من لديهم ثقافة واسعة بفنون التوفير وإدراك عمق فوائده على المدى الطويل . وطبقا بما يقوله خبراء الإقتصاد فإن التوفير لا يعتمد على مقدار دخل الفرد في الشهر .. فالجميع سواء كانوا من أصحاب الدخول المتوسطة أو المرتفعة أو القليلة أيضاً يستطيعون من خلال بعض التدابير التي يضعها لنفسه أن ينجح  في توفير المال الذي يريده لغرض ما. وعن التوفير وثقافته يفيدنا محللي الاقتصاد أنها موجودة في جميع المجتمعات، وتختلف في الوسائل من مجتمع إلى مجتمع  آخر.  
 
وما أسفت له أن بعض الناس تعاملوا مع حديث الرئيس السيسي عن الفكة بإستهتار و إستخفاف  شديد ، صحيح هو فكر بسيط خرج منه عفويا لكنه يُوفر أموالا مثمرة يمكن أن تسد ولو بضعة إحتياجات اللأزمة للمشاريع التي تفيد الشباب المصري , ولا ننسي المثل الذي يتداول دائما فيما بيننا " النواة تسند الزير " . كما كان حديث الرئيس فعلا ما هو إلا دعابة فقط .. لكن في نظر الذين لديهم ثقافة التوفير , إتخذوا هذه الدعابة موقف الجدية .. يقول أحدهم أن لديه توكيل من والده لصرف  قيمة المعاش الشهري من مصلحة البريد لسوء صحة الوالد , ويستمر ويقول : أن الموظف الذي يسلم له قيمة المعاش يعطيه المبلغ ناقص جنيهان وعشرون قرشا ( الفكة ) !! ربما صديقي يستصغر المبلغ ألـ جنيهين والـ 20 قرشا  فيتركه له بسلامة نية ... لكن هذا المبلغ التافه بالنسبة للموظف  لا يستهين به , فعند تجميع هذه القروش من باقي العملاء عند الإنتهاء من وردية عمله , يجد ما تبقي في درج مكتبه مبلغا له قيمة كبيرة .. لماذا لا يُوضع هذا المبلغ  فى حساب خاص لصالح المشاريع ؟؟.وهكذا لجميع مثل هذه التعاملات مثلما في البنوك والمؤسسات الكبيرة للقطاع العام والخاص معا. 
 
 عندما كنت في مدرسة الأمريكان بأسيوط في منتصف الخمسينات .. وجئتُ علي الديسك بجانب " دواية الحبر" علبة من الصاج مكتوب عليها باللغة الإنجليزية Money Box وتعني بالعربي " حصالة " .. وفهمنا من المُدرسة أنها حصالة .. نضع فيها القرش او المليم كل حين وحين غير مُجبرين.. لكي نفتحها في يوم الشكر , ونقدم جزءاً منها لملجأ ليليان بأسيوط . و نستغل باقي المبلغ في تزيين الفصل في عيد الكريسماس .. والظريف أننا كأطفال كنا نتنافس يوميا علي مَنْ يضع المبلغ الأكبر .. وكنت في بعض الحالات أحرم نفسي من شراء السندوتش من بوفيه المدرسة , لكي أضع في الحصالة مبلغا أكبر من زميلي الذي بجانبي . لكن كان تنافس شريف مملوء "لعب وجد وضحك وحب" . تعلمنا أن نعطي جزءا ما لدينا للمحتاجين .. وتعلمنا أن نمتع انفسنا في عيد الكريسماس من كدنا وعوزنا . لذلك أنا مع أي إجراء يُتخذ من قبل الحكومة في سبيل تجميع " الفكة " .. وهناك مصادر كثيرة لكي نتحصل علي هذه الفكة , والتي هي في نظرنا تافهة .. لكن تجميعها هام ومفيد من أجل وطنا مصر .. مثل إيصالات الكهربا , والمياه , والغاز الطبيعي... وغيرها الكثير.  
 
   فكرة التبرع بالفكة متداولة في كثير من دول العالم .. كانت فقيرة أو غنية .. رأسمالية أو إشتراكية  .. تذكرتُ عندما كنت في المجر في اوائل السبعينات ..  وجود الكثير من اليافطات الموجودة علي جدران المولات وعلي أعمدة النور وتحتها صندوق من الخشب مكتوب عليها باللغة المجرية " ساهم في رصف هذا الشارع الذي انت فيه الأن " .. وشاهدتُ علي مجموعة أخري من اليافطات في منطقة أخري مكتوب عليها " ضع Forint وهي العملة المجرية لتجهيز كراسي متحركة " , ويقصد بالكراسي المتحركة  الخاصة للمشلولين والعجزة تتحرك بماتور يتحكم فيها مَنْ يستخدمها " . 
 
 من أهم فوائد الفكة للفرد وخصوصا لو تواجدت فيها أقل قيمة عملة وهي المليم . . هي إمكان الفرد أن يشتري  من المواد الغذائية التي تكفيه هو وافراد عائلته ... في الخارج وخصوصا كما رأيته في الولايات المتحدة يمكن للفرد ان يشتري صباع واحد من الموز لو كان عازبا أو يمكنه أن يشتري بعدد افراد اسرته .. حتي البطيخ يمكن للفرد أن يشتري نصف بطيخة .. ويدفع ثمن السلعة بثمنها المكتوب علي السلعة حتي ولو كان سعرها دولار و20 سنت !! معني هذا أن اقل العملات مهمة جدا في التداول في الأسواق الأمريكية . هل يتحقق لنا وترجع أيام زمان حيث كان في إمكانياتنا أن نشتري اللحمة بالرطل .. والبقول مثل الذرة والفول والعدس والدقيق  بالقدح . لا أظن . 
ولأجل الترشيد في النفقات، ووضعها في أهدافها الحقيقة، وحتى لا نضحك علي أنفسنا على حساب مستقبل أولادنا .. لا بدّ أن ندرك بأن "القرش" الذي ننفقه ويخرج من خزينتنا  لن يعود إليها إلا إذا تم استثماره، ولهذا لابدَّ من التفكير الجدي في أن نحد من هذا النزيف المالي الذي يخرج من بلادنا .. علينا أن نجمع الفكة لكي نستثمرها في مشاريع لكي تتحول الفكة إلي أوراق مالية ضخمة .. ونقلل من عوزنا للآخرين ..... !!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter