رحل «شيمون» أو شيمعون بيريز، تاسع رئيس لدولة إسرائيل، وبرحيله يسدل الستار على الجيل الذى أسس الدولة عام ١٩٤٨، جيل بدأ حياته عضواً وقيادياً فى عصابات مسلحة نشطت من أجل إقامة دولة لليهود على جزء من أرض فلسطين، أو «أرض الميعاد» بالتعبير التوراتى، ورغم أن شيمون بيريز لم يكن من ذوى الخلفية العسكرية، عكس «رابين» و«شارون»، فإنه لعب الدور الرئيسى فى تسليح إسرائيل، وتحديداً فى برنامجها النووى.
تقلد شيمون بيريز مختلف المناصب السياسية فى إسرائيل، فقد تقلد وزارات مختلفة، من بينها الخارجية، كما شغل منصب رئيس الوزراء أكثر من مرة، ووصل فى أواخر سنوات عمره إلى منصب رئيس الدولة، وهو منصب شرفى فى إسرائيل، بحكم أنها تبنى النظام البرلمانى الذى يعطى الدور المحورى لرئيس الوزراء المنتخب، ويجعل منصب الرئيس المنتخب من البرلمان شرفياً.
لا يختلف شيمون بيريز عن غيره من قادة إسرائيل، من حيث الإيمان بدولة يهودية، ومن أن القدس عاصمة إسرائيل الأبدية، ومن أن القوة هى اللغة الوحيدة التى ينبغى استخدامها مع العرب، ومن هنا ارتكب الرجل، مثله مثل غيره من قادة إسرائيل، مجازر بحق شعوب عربية، وينسب له قرار مذبحة «قانا» فى الجنوب اللبنانى عام ١٩٩٦، وهى المذبحة التى أصر الراحل بطرس غالى على نشر التقرير الأممى الخاص بها، الذى يدين إسرائيل صراحة، فكان القرار الأمريكى بعدم التجديد له فى منصب الأمين العام للأمم المتحدة.
فى نفس الوقت كان «بيريز» من أوائل المبشرين بشرق أوسط جديد يتكون من تحالف رأس المال الخليجى مع الأيدى العاملة المصرية و«العبقرية اليهودية». وسار شيمون بيريز مع رفيقه إسحاق رابين على طريق التفاوض مع منظمة التحرير الفلسطينية، وكان «بيريز» وراء هذه المفاوضات من الجانب الإسرائيلى حتى نضج الاتفاق، فأخبر به «رابين» وتم توقيع الاتفاق فى سبتمبر ١٩٩٣، وحصلا مع الراحل ياسر عرفات على جائزة نوبل للسلام.
رحل «رابين» مقتولاً على يد متطرف يهودى هو ايجال عامير الذى قتله لأنه، حسب اعتقاده «تنازل عن أرض أبناء إسحاق إلى أبناء إسماعيل (وهما ابنا إبراهيم، الأول هو جد اليهود، والثانى هو جد العرب)، ورحل «عرفات» بمؤامرة إسرائيلية انطوت على اغتيال، والأسبوع الماضى رحل «بيريز» عن ٩٢ عاماً.
وفى الوقت الذى تعد المشاركة فى جنازة شخصية مثل «بيريز» أمراً بروتوكولياً، انخرط البعض لدينا فى جدل عقيم حول سلامة قرار مشاركة وزير خارجيتنا سامح شكرى فى جنازة الرجل، هناك من قال إنه صهيونى عدو للعرب ولمصر، ومن قال إن علاقات الدول تحكمها المصالح لا العداء والكراهية، وهناك من قال إنه قاتل للعرب ومسئول عن مذبحة قانا، ونقول إن كل قادة إسرائيل أياديهم ملطخة بالدماء، ومنهم «رابين»، الذى شارك «مبارك» فى جنازته، كما أن الدول التى سبق أن دخلت فى صراعات وحروب فى أى منطقة من العالم توزعت فيها مسئولية الدماء على مختلف القادة، ولم تتوقف الأمم عند هذه الأحداث، فمن أراد بناء سلام عليه أن يتجاوز مراحل العداء والدماء، كما أن أى صراع شهد دماء على أيادى الجميع، صحيح هناك فارق بين إراقة الدماء ظلماً وعدواناً وإراقة الدماء دفاعاً عن النفس، لكنها فى كل الأحوال دماء، ومَن أراد السلام عليه أن يتجاوز حديث الدماء.
لا ندعو هنا للتخلى عن الحقوق ولا التهوين من شأن العداء ولا قيمة الصراع، ولكننا نواجه العقليات التى تتوقف عن العداء والدماء وترفض مغادرة هذه المنطقة، كما أننا نواجه العقليات التى تتصرف بطريقة صبيانية مع سياسات واقعية وتصرفات بروتوكولية.
نقلا عن الوطن