سمير حبشـــــــى

بين الهول والويل، والصراخ ، والرصاص المنهمر، والدماء تتفجر، والشهداء بكل الإباء والشمم يسقطون ، فيا تُرى من أى سبيكة ذهب صيغت نفوس هؤلاء الأبطال ، كيف استطاعوا أن يثبَتوا ويهزموا الرعب ، والخوف من الموت ، ويواجهون رصاص الغدر  ، أي روح قدسية تتملكهم في تلك اللحظة ، أي بطولة يعجز عن وصفها اللسان. أهدي إليهم سلاماً طأطأت حروفه رؤوسها فى إتضاع خجلة ، وتحيةً تملؤها المحبة والافتخار بكل شهيد قبطى ،  روى بدمه أرض مصر أمه الشرعية ، و قدّم روحه من أجل كنيسته أم الشهداء .
 
يا إخوتى أيام قليلة تفصلنا عن الذكرى الخامسة لمذبحة ماسبيرو التى راح ضحيتها عدد من المتظاهرين الأقباط ، فسوف تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية يوم الخميس ،  9 أكتوبر، بالذكرى الخامسة لمذبحة ماسبيرو، والتي وقعت إثر إشتباكات بين القوات المسلحة المصرية والمتظاهرين الأقباط ، يوم 9 أكتوبر2011 ، بعد تظاهرهم تنديدًا بالإعتداء على كنيسة الأقباط الأرثوذكس بمنطقة الماريناب بأسوان. . ولقد نظرت المحكمة العسكرية دعوى قتل ١٤ قبطيًا دهسًا بالمدرعات و٩ رميًا بالرصاص ، وقدمت ثلاثة جنود للمحاكمة بتهمة القتل بطريق الخطأ ، وقضت المحكمة على أحدهم بالسجن ثلاث سنوات ، والسجن لمدة عامين للاثنين الآخرين ، وقدموا طعنًا على الحكم حتى قضت المحكمة بوقف التنفيذ ، لحين الفصل في موضوع الطعن ، مما أثار حفيظة النشطاء من الأقباط ، ودفعهم للهتاف يسقط يسقط حكم العسكر داخل الكنيسة في قداس عيد الميلاد .
 
وتقول الأحداث والحقائق أن محمد أحمد حسين زكي محمود الشاهد المسلم الوحيد في قضية  "مذبحة ماسبيرو"، قد صرَّح لـ/إم سي إن/ ، أن " اللواء حمدي بدين ، قائد الشرطة العسكرية السابق ، حرَّض على قتل المتظاهرين الأقباط المسالمين ، في التاسع من أكتوبر عام 2011 ، في الوقت الذي لم يحمل الأقباط فيه أية أسلحة ، سوى صلبان خشبية وبلاستيكية "، قائلا : إن  اللواء بدين قال للجنود: (لازم تدافعوا عن نفسكم دول جايين يقتلوكم ). وللأسف كانت لهجة المجلس العسكري الحاكم تتجه للتصعيد ، وخاصة بعد المؤتمر الذى عقده المجلس العسكرى بخصوص مذبحة ماسبيرو ، وقاموا بنشر إتهامات كاذبة ضد الأقباط المتظاهرين ، بينما اتهم المذيعون فى تليفزيون الدولة الرسمي الأقباط باستهداف جنود الجيش ، واتهم أحد أعضاء المجلس المتظاهرين أمام مبنى ماسبيرو بأنهم كانوا مسلحين ، نافيا دهس الضحايا أو قتلهم ، وتكاتف الكل من المجلس العسكرى والإعلام والسلفيين والإخوان ضد أبناء مصر الشرعيين أقباطها المخلصين دائما لها .. حينها أصر بابا الإسكندرية الراحل قداسة البابا شنودة الثالث  على الصلاة على جثامين الضحايا بنفسه ، مطالبا الأقباط بالصوم 3 أيام .. وفى اليوم الذي أقيم فيه المؤتمر العسكرى ذات الأكاذيب والإتهامات التى قيلت ضد الأقباط  ،
 
وكان اليوم الثالث لوقوع المذبحة -  كان هذا اليوم هو موعد الاجتماع الأسبوعي للبابا شنودة ، وفيه رد على المجلس العسكري دون الحديث عن المؤتمر بشكل مباشر ، مكتفيا بسرد عدة معلومات مخالفة لرواية المجلس عن الأحداث  فقد قال قداسة  البابا شنودة : إن الضحايا الذين قتلوا في ماسبيرو " شهداء"، وأضاف فى مستهل كلمته للحاضرين  قائلا : "أعزيكم جميعا في استشهاد أبنائنا الذين قتلوا في ماسبيرو". وقد  ناقض البابا شنودة رواية المجلس العسكري عن "تسلح المتظاهرين"، بقوله: "هؤلاء الأبناء العزل الذين لم يحملوا سلاحا مطلقا "، مشيرا إلى أنهم لو كان معهم أسلحة لتم ضبطها خلال المسافة الطويلة التي ساروا فيها من شبرا إلى ساحة ماسبيرو  "مكشوفين أمام الناس".. وقد سرد البابا شنودة حصيلة الضحايا - الذين وصلوا إلى 24 قتيلا و300 مصابا - مؤكدا أن ثلثهم دهسته عربات الجيش ، والثلثين الآخرين قتلوا بالرصاص .. ورغم أن موقف قداسة البابا شنودة لم يكن مؤيدا لتظاهر الأقباط أمام ماسبيرو وذلك خوفا عليهم ، إلا أنه أراد أن يرسل رسالة للدولة والرأي العام ، عن موقف الكنيسة مما حدث ، فقال : "أولادنا هؤلاء محبوبون لنا ، ودمهم ليس رخيصا علينا "
يا إخوتى : ستظل مذبحة ماسبيرو يوم 9 أكتوبر2011 فى الذاكرة التاريخية لتاريخ مصر المعاصر، وستبقى علامة الإستفهام قائمة  لدى أسر الشهداء ، متى القصاص ممن قتلهم ؟ ومن دبر لهم ذلك ؟ ومتى ستُفعًل القوانين فى مصر  ؟ ، ومتى سيحصل الشهداء على حقوقهم القضائية ؟ ، وما مصير أسرهم الآن ؟ ، وما موقف الكنيسة من المذبحة؟ .. إن القصاص لدماء إخوتنا الأقباط في مذبحة ماسبيرو أمانة فى أعناقنا ، حتى لو تخاذلت وصمتت عليها قيادات الكنيسة دعمًا للسيسي .. الذى كان رئيس جهاز المخابرات العسكرية أيام هذه المذبحة ..
 
بل صمته على الجريمة أعتبرُه أحد المشتركين الأساسيين فى فعلها  ، فقضيتنا هي العدالة والكرامة  ، ورد حق الشهداء ، والوقوف ضد الظلم الذى وقع عليهم ، و معاقبة كل الذين كانوا سببا فى استشهادهم .. ولكن للأسف بعد رحيل المتنيح قداسة البابا شنودة إنبرى البابا وكذا بعض من الاباء الأساقفة لتمييع القضية إعلاميا تحت عنوان " خلونا ننسى ما هو وراء ونمتد إلى ما هو قدام " ، وكذا حديث تليفزيوني لنيافة الأنبا بولا يقول فيه : " إن المسئولية عن هذه المذبحة يمكن أن تكشف عن أخطاء هنا وهناك " ، في إشارة من نيافته أنه يمكن أن يُنسب أخطاء في الجانب القبطي !!.
 
أنه كما نعلم جميعا ، أن المسئول عن هذه المذبحة ومرتكبها والمخطط لها هو المجلس العسكري السابق بكل أعضائه ،  بما فيهم الرئيس الحالي للبلاد ، الذي يتحمل مسئولية أخرى الآن ، بكونه الشخص الوحيد الذي يستطيع فتح ملفات التحقيق مع هذه القيادات - إن أراد - وهؤلاء القيادات مازالت على قيد الحياة ، ومازالت دماء الشهداء تصرخ من اجل المطالبة بالإنتقام منهم ، ومهما سخًروا اْبواقا إعلامية لنشر أكاذيب هنا أو هناك فالحق واضح .. فهل سيقف السيسى ضد الإنسان المسلم الساكن تحت جلده ، والآمر له بالشريعة وكلمات القرآن ، بأن شهداء ماسبيرو ليسوا بشهداء ، ولكنهم طغمة من الكفرة كُتب عليهم الموت ، حتى وهم أجنًة فى بطون أمهاتهم ، لا أظن والشواهد والأحداث التى نعيشها شاهدة على ذلك ..
 
فليس عندى غير تحية لهؤلاء الشهداء الحائرين ، بين الكنيسة والحاكم ، والذين  صنعوا يوم استشهادهم تاريخهم , و كسروا حاجز الخوف ، تحية لهؤلاء الذين أصابهم السأم من التجمد والظلم والفساد والوصاية ،  فذهبوا بوجدانهم وإحساسهم القبطى خارج النمط والتسلط والمحاذير والتهديدات ، فى عفوية الذات والإقتناع والمثابرة حاملين حياتهم على أكفهم من أجل كنيستهم الأم الغالية أم الشهداء .