من بين أهم سمات الدولة التى يوجد اتفاق حولها بين دارسى النظم السياسية أنها هى التى تحتكر أدوات القوة، بمعنى أنها تحتكر استخدام السلاح بحيث لا مجال لاستخدام جماعة فى الدولة السلاح ضد المواطنين أو ضد الدولة نفسها. واستخدام أدوات القوة، القهر أو العنف، هنا يكون وفق القانون وبموجبه، أى ليس استخداماً مزاجياً أو خارج إطار القانون. ووفق هذه الرؤية فللدولة ومؤسساتها هيبة واجبة، فلا مجال للخروج على الدولة بالسلاح، ولا مكان لتحدى الدولة ومؤسساتها، والدول التى توجد بها جماعات مسلحة تناطح الدولة وتنازعها استخدام القوة هى دول هشة، ضعيفة، لا هيبة لها، ومرشحة للسقوط أو الانقسام فى أى لحظة، أما الدول التى تشهد وجود جماعات تمارس العنف والإرهاب فتكون أمام تحدٍّ جوهرى يتمثل فى هزيمة هذه الجماعات أولاً بالقوة، فلا مجال لرضوخ الدولة أو تراجعها أمام جماعات تمارس العنف والإرهاب، الرضوخ هنا يعنى سقوط هيبة الدولة، وسقوط الهيبة يمكن أن يكون مقدمة للسقوط المادى.
فى هذا الإطار يبدو واضحاً للغاية أن ما تقوم به جماعة الإخوان والتنظيمات المرتبطة بها والمتفرعة عنها يمثل خروجاً مسلحاً على الدولة، كما أن خروج المظاهرات من قبَل أنصار هذه الجماعات يمثل تعدياً على الدولة، فهناك قانون لتنظيم التظاهر يقتضى الحصول على إذن من مؤسسات دولة بالتظاهر بعد تقديم البيانات المطلوبة، وهو ما يلتزم به أنصار الجماعة فى الخارج، حيث يلتزمون التزاماً صارماً بالقوانين الغربية التى تطلب منهم بيانات محددة للحصول على ترخيص بالتظاهر فى مكان محدد بدقة ولمدة زمنية محددة. وقد شهدنا مدى التزام أنصار الجماعة بالقانون الأمريكى إبان التظاهرات التى تم ترتيبها خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة. والالتزام هنا من قبَل أنصار الجماعة جاء نتيجة إدراكهم التام أن للخروج على القانون ثمناً سوف يدفعونه، فلا مجال للتهرب من تطبيق القانون.
نفس الأمر ينطبق على التطاول على الدولة ومؤسساتها من قبَل جماعات وأفراد يرون فى أنفسهم قدرة على تحدى الدولة وفرض إرادتهم عليها، حدث ذلك من عناصر «٦ أبريل» الذين رفضوا الالتزام بقانون تنظيم التظاهر وخرجوا عليه متحدين الدولة، فكان القبض عليهم وكانت محاكمتهم. نفس الأمر ينطبق على «فلول الوطنى» الذين يسعون لنشر الفوضى من خلال تحدى الدولة، فأى قانون يصدر عن الدولة وجب احترامه والالتزام به، ولا مجال على الإطلاق للخروج عليه.
ما تعانى منه مصر اليوم هو تراجع هيبة الدولة ومؤسساتها فى عيون قطاعات من المصريين، وهو من بقايا فوضى ما بعد الثورات، فما حدث فى مصر بعد الخامس والعشرين من يناير من تفكك جهاز الشرطة واقتحام السجون وخروج نحو خمسة وعشرين ألف سجين وانتشار الفوضى والعنف المجتمعى، كل ذلك أدى إلى فقدان هيبة الدولة ومؤسساتها، وتفاقم الموقف خلال سنة حكم مرسى التى كانت سنة تنفيذ مخطط هدم مؤسسات الدولة المصرية وتحويلها إلى ملاذ آمن للإرهابيين من شتى أنحاء العالم.
صحيح أن مصر بدأت فى استعادة هيبة الدولة والمؤسسات منذ الثلاثين من يونيو وبعد انتخاب الرئيس عبدالفتاح السيسى، إلا أن الصحيح أيضاً أننا لا نزال نعانى من بقايا فوضى ما بعد الخامس والعشرين من يناير، وهى فوضى يشترك فى نشرها جماعة الإخوان والفاسدون من رجال الحزب الوطنى المنحل، وهو أمر يقتضى من الدولة المصرية إظهار ما لديها من أدوات إكراه فى إطار القانون.
نقلا عن الوطن