محرر الأقباط متحدون
فيما يلي نص كلمة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في مستهل الجلسة الخاصة التي عقدها مجلس الوزراء حداداً على روح الرئيس التاسع لدولة إسرائيل شمعون بيريز الذي وافته المنية الليلة الماضية:
"إنه أول يوم تمرّ به دولة إسرائيل بغياب شمعون بيرس رحمه الله. وكان شمعون بيريس من أعظم قادتنا ويترك خلفه طريقاً حافلاً بالإنجازات الاستثنائية. إنني أقدم باسم الشعب اليهودي برمته، وباسم إسرائيل حكومةً ومواطنين، التعازي العميقة لعائلة شمعون بيريس. وكان شمعون بيرس قد عاش حياة مليئة بالعمل تشكل رمزاً للتأريخ الإسرائيلي المتجدد، وهي حياة شعب قديم يسير مرفوع الهامة على تراب بلاده ويملك القوة اللازمة للدفاع عن نفسه ويعمر وطنه بعرق جبينه وبجرأته.
عندما كان شمعون الصبي قد التحق بمدرسة (بن شيمن) الزراعية كتب يقول: "إن غايتي الأسمى في حياتي ما هي إلا خدمة شعبي". وقد حقق بالفعل هذه الغاية. إنه كان يؤمن قلباً وقالباً بالأهداف الصهيونية وكان يسير محمولاً على أجنحة الرؤية المُلهِمة. وقد رافق شمعون مِخاض الدولة ثم وقف بجانب مهدها ليتحقق من وقوفها على أقدام ثابتة. إنه وقف إلى جانب دافيد بن غوريون [رئيس الوزراء الأول] عند اتخاذ القرارات المصيرية وفي الوقت الذي كانت فيه دولة إسرائيل الفتيّة تعاني الخمول، حيث كانت قوتها العسكرية لا تزال في طور التشكّل.
وقد أسهم شمعون كثيراً في تعزيز قوتنا. وكانت إسهاماته مميزة في تعاظمنا الأمني سواء على المستوى العلني أو في بعض المجالات التي ما زال الواجب يحتّم السكوت عليها. وتمثلت إحدى القمم التي احتلّها في حياته بنجاح عملية تحرير أبناء شعبنا الذين اختُطفوا [من قبل مجموعة تخريبية على متن طائرة للخطوط الجوية الفرنسية عام 1976] واقتيدوا إلى عنتيبي [في أوغندا]. وقد لعب شمعون بيريس، بصفته وزيراً للدفاع في حكومة الراحل يتسحاق رابين، دوراً محورياً في اتخاذ القرار بإرسال طيارينا ومقاتلينا إلى قلب إفريقيا [لإنقاذ الرهائن].
غير أن شمعون بيريز لم يكفّ، إلى جانب عمله الحثيث من أجل ضمان أمن إسرائيل، عن السعي نحو السلام والإيمان به. وكانت يده ممدودة دوماً نحو المصالحة التأريخية مع جيراننا. مهما طالت هذه المصالحة فإنه علّمنا بذلك ضرورة عدم الاستسلام لليأس بل التشبث بالأمل والاستمرار في العمل. وكان شمعون بيرس عضواً في الكنيست على مدى 5 عقود تقريباً، كما أنه تولى مناصب وزارية متعددة في الحكومات المتعاقبة، لا بل إنه تبوأ مرتيْن رئاسة الحكومة. وقد أسهم في تنمية علاقاتنا الدولية وفي تحقيق الاستقرار الاقتصادي وصنع الكثير من أجل هجرة يهود الاتحاد الأوروبي السابق وأثيوبيا إلى البلاد. إننا نعلم جميعاً أن شمعون م يكن "مدللاً" طيلة سيرته السياسية، حيث تعرض، إلى جانب إنجازاته المؤثرة، لخيبات الأمل واللحظات الصعبة والانتقادات الحادة.
غير أنه ظل، بفضل إرادته القوية، يسعى إلى الأمام، يحرّكه التطلع إلى دفع الدولة التي كان يحبّها حباً جماً إلى الأمام وكذلك تطلعه إلى جلب السلام. كانت هناك الكثير من المسائل محلّ الوفاق بيننا حيث ازداد عددها على مرّ السنين، لكن كانت تدور بيننا الخلافات أيضاً كونها جزءاً طبيعياً من ممارسة الحياة الديمقراطية. غير أن مدى الاحترام الذي كنت أكنّه لشمعون لم يتأثر على الإطلاق بتلك الحالات أيضاً. إذ كنت أقدّره وأحبّه. وقد جمعتنا خلال فترة ولايته رئيساً للدولة الكثير من اللقاءات الشخصية التي استمرت بعضها حتى ساعات متأخرة من الليل. وكانت هذه اللقاءات رائعة وعميقة حيث اطّلعتُ خلالها على شخصية الرجل وعلى قصة حياته فيما كنت أستمع إلى أفكاره.
ولم يمضِ إلا شهران على موعد حضوري بمعية زوجتي حفل تدشين "مركز بيرس للسلام والابتكار". وكنا نتقاسم الرؤية المشتركة القائمة على التقدّم والتقنيات. وكان شمعون يعتبر- وبحق- احتلال إسرائيل موقعها في صدارة التقدم التقني والعلمي مفتاحاً لتحقيق رفاهية البشرية جمعاء وكذلك لتحقيق السلام. وقد انتباني التأثر في ذلك الملتقى لمشاهدة فضوله وقدرته على حشد طاقاته لدفع رؤية عالم المستقبل. وقد جلسنا معاً بعد انتهاء المراسم ساعة مطولة واتفقنا على معاودة اللقاء لنواصل دفع رؤيتنا المشتركة القائمة على التقنيات والابتكارات وأيضاً على السلام.
يؤسفني القول إن هذا اللقاء لن ينعقد، إذ لم يُستجَب الدعاء الذي ألقيته من على منبر الأمم المتحدة [خلال خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أسبوع] راجياً تعافيه، غير أننا نستمدّ العزاء من تحقيق الكثير والكثير مما كان شمعون يتمناه طيلة حياته. وقد استمتع شمعون بيرس خلال ولايته رئيساً للدولة التي دامت 7 سنوات بفترة هانئة حيث حظي بتعاطف جماهيري تجاوز الخطوط الفاصلة بين الأحزاب والشرائح. وكان الدفء يملأ قلبه بفضل محبّة الشعب له. وكان شمعون رجلاً صاحب رؤية، كما أنه كان رجل السلام ورجل الكتاب والأدب والثقافة علماً بأن أي نهضة وطنية لن تتحقق بغياب هذه المقومات. ولهذه الأسباب مجتمعة أصبح شمعون محلّ شرف وتقدير دولياً في ربوع المعمورة. وكان رؤساء الدول ينشدون مؤانسته وكانوا يعاملونه باحترام. وسيشيّعه الكثيرون منهم، إلى جانبنا، إلى مثواه الأخير في تراب أورشليم القدس. أما مجمل عمله فإنه سيلازمنا على مدى أجيال قادمة فيما تكون صورته محفوظة دوماً في قلبي وفي قلوبنا جميعاً إلى أبد الأبدين. طيّب الله ذكراه".