الأحد ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦ -
٠٨:
١١ م +02:00 EET
سليمان شفيق
الشعب المصرى شعب بطل، ولكن الله ابتلاه بنخب فاشلة، ويدور الآن جدل فى أوساط تلك النخب تارة عن دور المؤسسات الدينية فى الحركة الوطنية، وتارة أخرى عن دور القوات المسلحة المجيدة فى العمل الوطنى، وسبق أن كتبت الأسبوع الماضى مقالاً عن دور المؤسسات الدينية والمكون الدينى فى بناء الدولة المصرية الحديثة، ويتبقى أن نتوقف قليلاً أمام الدور المؤثر للجيش المصرى فى بناء الدولة الحديثة.
شهدت مصر منذ 1804 وحتى 30 يونيو، ست ثورات وست انتفاضات.
فى 1804 بقيادة عمر مكرم، كانت تلك الثورة التى أعلنت عن أول وثيقة دستورية فى الشرق حينذاك، والرابعة بعد فرنسا وإنجلترا وأمريكا، ولكنها استقدمت محمد على باشا الذى حكم وأسرته مصر من «1805» وحتى «1952»، وثورة 1882 بقيادة القائد العسكرى أحمد عرابى، والذى التف حوله الشعب المصرى، ولكن لخيانة النخب والخديوى توفيق، وقصور الرؤية السياسية لعرابى، أدت الثورة إلى الاحتلال البريطانى لمصر «1882 - 1956»، ثم ثورة 1919، والتى أسفرت عن تصريح 28 فبراير 1922 ودستور 1923، ولكن سرعان ما انشق قادة الثورة عن بعضهم البعض، وألغى إسماعيل صدقى الدستور، واستشهد وجُرح على يد رفاق الثورة صدقى ومحمد محمود أكثر ممن وقعوا ضحايا على يد المحتل البريطانى، ثم ثورة يوليو 1952 بقيادة جمال عبدالناصر، والتى غيرت وجه مصر، ولكن كعادة الغرب.. تآمر على ناصر واحتُلت سيناء من 1967 وحتى 1982، ثم ثورة 25 يناير 2011، ولغياب القيادة والرؤية، سُرقت من قبَل الإخوان المسلمين. 30 يونيو نقطة فارقة وعودة لاستعادة زمام المبادرة الشعبية، وبعدها وقف الغرب مرتبكاً، يحاول أن يفك طلاسم ما حدث، وللأمانة فإن هناك متغيراً كبيراً فى علاقة القوات المسلحة بالعمل الوطنى، وجدل العلاقة بين دورها الوطنى والعسكرى، العسكرية المصرية تختلف فى تكوينها عن كل المدارس العسكرية فى العالم، وتبدأ حكاية الجيش المصرى من نهاية عام 1819 بعد أن عاد إبراهيم باشا للقاهرة، بعدما أخمد ثورة الوهابيين. وكان محمد على قد أسس أول جيش نظامى حديث (1805). وغيّر الوالى العقيدة القتالية للعسكرية المصرية.. ما بين المصريين وغير المصريين، بإحداث التوازن العسكرى ولاسيما بعد فتحه للسودان.
وكانت رؤية محمد على أن أولاد البلد سيحافظون على مصر أكثر من غيرهم، وهكذا كان الجيش أول بزوغ للمواطنة، فى الوقت الذى كان آباء المجتمع المدنى فى الغرب، بعد الثورة الفرنسية، يفصلون بين ما هو مدنى وما هو عسكرى. كان جيش محمد على يكون الجيش وبمساندته يعيد تكوين الدولة، كأول جيش نظامى فى مصر الحديثة.
ومن أجل الجيش أنشأ محمد على الترسانة البحرية بالقاهرة والإسكندرية، وألغيت الجزية عن الأقباط «1856»، ومنذ ذلك التاريخ ساهم الجيش المصرى فى بناء الدولة، ولم تكن وظيفته حماية حدود الوطن فقط مثل بقية جيوش العالم، بل كان له الفضل فى تحديث الدولة وانتقالها من العصور الوسطى إلى الحداثة.
منذ أول مجلس شورى نواب «1866»، وحتى آخر مجلس نواب «2012» كان العسكريون لهم نوابهم، مما يعنى أنهم جزء من الحياة النيابية فى مصر، وشهدت لجان الدساتير المصرية المختلفة ممثلين للقوات المسلحة، إضافة إلى حق التصويت، لهذا كله مصر دولة مدنية تختلف عن كل دول العالم فى كون المؤسسات الدينية والقوات المسلحة، لهما طبيعة وطنية وأدوار تأسيسية فى بناء الدولة الحديثة، لكن المعضلة الرئيسية هى غياب الوعى بهذه الأدوار فى المناهج الدراسية فى كل المراحل، ومن ثم فإن تلك الحقائق لابد أن تدرس أيضاً فى البرنامج الرئاسى للشباب، وإعطاء مساحة فى وسائل الإعلام للحديث عن نشأة وتطور الدولة المصرية الحديثة من محمد على إلى السيسى، لأن التشوهات التى تخترق عقول الأجيال الجديدة نتيجة جهل بكل ذلك.