الأقباط متحدون - باحث إسرائيلي يروى قصة لقاءه بأديب نوبل نجيب محفوظ ويؤكد محفوظ كان محبًا للإسرائليين
أخر تحديث ١٧:٢٥ | الأحد ٢٥ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ١٥ | العدد ٤٠٦٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

باحث إسرائيلي يروى قصة لقاءه بأديب نوبل نجيب محفوظ ويؤكد محفوظ كان محبًا للإسرائليين

نجيب محفوظ
نجيب محفوظ

 محرر الأقباط متحدون 

يتذكر باحث من الجامعة العبرية مناحيم ميلسون ، كيف التقى محفوظ بالقاهرة سنة 1979، بعد إحلال السلام بين مصر وإسرائيل: “كانت اللقاءات حافلة بالمشاعر، إذ كنا نلتقي باعتبارنا صديقين لا يلتقيان بانتظام، ولكنهما يحبان بعضهما”
 
عام 1970، ورغم حالة الحرب التي كانت تبدو أبدية بين إسرائيل ومصر، قرر مناحيم ميلسون، الباحث الشاب في الأدب العربي بالجامعة العبرية في أورشليم القدس، القيام بلفتة صداقة تجاه واحد من أشهر الكتاب المصريين، وهو الروائي نجيب محفوظ (1911 – 2006).
 
ويقول ميلسون عن اللقاء إنه “كان لقاءا حافلا بالانفعال، حيث تحدثنا فيه عن أعماله وما كنت قد كتبته حولها. كما تبادلنا وجهات النظر حول مواضيع الساعة”. وكانت اللقاءات التالية شديدة الأثر أيضا بالنسبة لميلسون الذي استفاد منها كفرصة “لاختبار تفكيري أنا” حول أعمال محفوظ. ويضيف: “كانت اللقاءات حافلة بالمشاعر، إذ كنا نلتقي باعتبارنا صديقين لا يلتقيان بانتظام، ولكنهما يحبان بعضهما”. ويشير ميلسون إلى أن محفوظ كان إنسانا منسجما مع الصورة التي كان قد تشكلت في ذهنه من خلال قراءة أعماله، إذ “كان شديد الإنسانية والدفء، ولكنه في الوقت نفسه كان حذرا فيما يقوله وذا شخصية مميزة للغاية”.
 
ميلسون لم يكن الباحث الإسرائيلي الوحيد الذي تمتع محفوظ بعلاقة دافئة معه، إذ كان البروفسور ساسون سوميخ الباحث في جامعة تل أبيب يتمتع بعلاقة حميمة بشكل ملفت مع الكاتب المصري، حتى أنه عرّفه خلال لقاء لهما في القاهرة على أعمال الكاتب الإسرائيلي الحائز على جائزة نوبل شاي عجنون وغيره من الأدباء الإسرائيليين وأدبهم. وقال محفوظ لمجلة أكتوبر المصرية عام 1982 إن سوميخ كان يفهم عمله الأدبي إلى درجة “جعلتني أشعر بأنه يعيش بجانبي منذ سنوات عديدة”. ويبدو مدى التزام محفوظ بالحذر واضحا في كيفية تعامل مؤلفاته مع دكتاتورية الرئيس المصري الأسبق جمال عبد الناصر، وعن ذلك يقول ميلسون في كتابه “نجيب محفوظ: روائي القاهرة الفيلسوف”، إنه كان يلجا إلى الرمز والنقد غير المباشر للإيحاء برأيه في أن الثورة المصرية قد انحرفت عن مسارها.
 
وكان محفوظ فيما بعد من أهم الشخصيات الداعمة لاتفاقية كامب ديفيد، رغم رفض معظم المفكرين المصريين لهذه الاتفاقية، لاعتقادهم بأنها تعني التخلي عن التزامات مصر العربية وعن القضية الفلسطينية.
 
وفي نظرة إلى الخلف، يقول ميلسون إن جانبا رئيسيا من تراث محفوظ يتمثل في كونه قد ألف فعلا روايات مصرية معاصرة باللغة العربية كانت تقرأ في كافة أنحاء العالم العربي، وهذه الروايات تحوي قيما مهمة جديرة بالنشر مثل مساواة المرأة وكرامتها كإنسانة، ونقد المسلمات الاجتماعية، والتعاطف مع الآخرين وأهمية أن يصنع الفرد مصيره بيده وأن يقوم بالأفعال بدلا من أن يقبع في البيت بلا عمل. ويضيف: “لقد مهد الطريق لروائيين بارزين ساروا على خطاه”.
 
سنة 1968 ألقى ميلسون محاضرة بمناسبة مرور عام على وفاة الدكتور اسحق شموش، معلمه الأول للأدب العربي الحديث في الجامعة، والموضوع الذي اختاره لهذه المحاضرة كان “نجيب محفوظ والبحث عن القيم “، ونشرت هذه المحاضرة كمقالة في مجلة جامعية متخصصة باللغة العبرية ثم ترجمها إلى الانجليزية وصدرت بمجلة  أرابيكا ( Arabica) الدولية.  ويقول ميلسون “خطر ببالي أن أرسل هذه المقالة الى الكاتب نفسه، وكما هو معروف في تلك الفترة لم تكن هناك علاقات بريدية مباشرة بين إسرائيل ومصر، فطلبت من صديق أكاديمي لي في انجلترا أن يبعث إليه المقال من عنوانه الجامعي في انجلترا” ويضيف “كنت أخشى أيضا أن أكتب بشكل صريح وواضح  أنني باحث إسرائيلي، لكي لا تصادر الرقابة المصرية ذلك المغلف، بل والأسوأ كي لا يؤدي الأمر إلى توريط لنجيب محفوظ والتسبب بإحراجه. وقد ترددت كثيرا، كيف أجعل هذا الكاتب الذي أَحترمه وأُحبه يعرف هويتي؟ أخيرا قررت أن أكتب في الإهداء بيت شعر يشير إلى أنني لا أستطيع لقاءه شخصيا، فاخترت أبيات شعر لعلي بن الجهم جاء فيها:
 
أَبلِغ أَخانا تَوَلّى اللَهُ صُحبَتَهُ     أَنّي وَإِن كُنتُ لا أَلقاهُ أَلقاهُ
وَأَنَّ طَرفِيَ مَوصولٌ بِرُؤيَتِهِ      وَإِن تَباعَدَ عَن مَثوايَ مَثواهُ
اللَهُ يَعلَمُ أَنّي لَستُ أَذكُرُهُ     وَكَيفَ أَذكُرُهُ إِذ لَستُ أَنساهُ
ثم أرسل الرسالة وظل ينتظر الرد بفارغ الصبر. بعد مرور بضعة أسابيع وصلت ميلسون رسالة لا يزال يحتفظ بها إلى اليوم ويقول إن تلك الرسالة “هي من أثمن ما لدي من مقتنيات، إنها رسالة من نجيب محفوظ”. وهذا نصها:
 
سيدي الدكتور ميلسون،
 
تلقيت بالشكر والامتنان دراستكم القيمة. فقرأتها بالاهتمام الشديد الذي تستحقه بكل جدارة، وتابعت فكرتكم في القصص القصيرة وبعض الروايات بتأثر وإعجاب.
وقد هزني الشعر الذي اخترته بصفاء ومودة ولا أجد من رد عليه خيرا من قول مهيار:
اذكرونا ذكرنا عهدكمُ           ربَّ ذكرى قربتْ من نزحا.

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter