* د. "منى مينا": نحن ضد أي استيلاء على مستشفى "العباسية" تحت أي مسمَّى.
* د. "أحمد حسين": في يوم واحد قمنا بجمع (500) توقيع يرفض قرار نقل المستشفى.
* "نادر عبد العزيز": نقل مستشفى "العباسية" إهدار للمال العام.
* شقيق أحد المرضى: إذا تم نقل المستشفى، لن نقوم بزيارة أقاربنا إلا في الأعياد والمناسبات، مما سيزيد حالتهم سوءًا. 
 
تحقيق: مادلين نادر

قرار د. "حاتم الجبلي"- وزير الصحة- بهدم مستشفى "العباسية" للصحة النفسية؛ لإقامة مدينة معارض ومولات تجارية ضخمة، ونقلها إلى مدينة "بدر"، أثار الكثير من الانتقادات والاحتجاجات من قبل الأطباء بالمستشفى والعاملين بها، بل والمرضى وأسرهم أيضًا... وقد جاء هذا التوجه رغم أن ميثاق الأمم المتحدة لحقوق المريض النفسى، ينص على ألا يبعد سكن المريض أكثر من (20) دقيقة عن مستشفاه.. فكيف سيكون الوضع بعد نقل المستشفى إلى مسافة تبعد حوالى (60) كيلو متر؟ وهل سيمكن للمرضى التوجُّه للمستشفى، خاصة وأن الغالبية العظمى يتم علاجها من خلال العيادات الخارجية، وليسوا مقيمين بها!!!
 
وقد بدأ الأطباء والعاملين بالمستشفى- بل وبعض المرضى وأسرهم- حملة لجمع توقيعات، بالتنسيق مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الصحية؛ لتقديم شكاوى تتضمن اعتراضهم على هدم المستشفى أو نقله. وسيتم تقديم هذه الشكاوى لرئيس الجمهورية، ورئيس مجلس الوزراء، ووزارة الصحة. وتم تجميع (500) توقيع أقل من يومين.
 
وللتعرف عن قرب على أسباب اعتراضات الأطباء والعاملين بالمستشفى وبعض المرضى وأسرهم، توجهنا إلى هؤلاء المتضررون، وتحدَّثنا إليهم حول تبعيات توجُّه وزارة الصحة في نقل المستشفى:
 
في البداية، أوضح د. "أحمد حسين"- طبيب نفسي بمستشفى العباسية- أنهم ضد فكرة نقل مستشفى العباسية لعدة أسباب، أولها أن المريض النفسي ليس وصمة وليس عارًا حتى يقومون بإبعاده في الصحراء، خاصةً وأن المدرسة الحديثة في العلاج النفسي تعتمد بشكل أساسي على إعادة تأهيل المريض داخل المجتمع دون عزله، وأن كل الأطباء وأساتذة الطب النفسي يؤكدون على أهمية أن يعتمد علاج المريض على أن يكون متفاعلاً مع المجتمع. وتساءل: هل بعد قانون رعاية الطب النفسي، وصدور اللائحة التنفيذية له فى 29 مارس 2009 نأتى الآن ونضرب بكل هذا عرض الحائط؟!!
 
وقال "حسين": إن عدم نقل مستشفى "العباسية" يصب بشكل أساسي في صالح المرضى، حيث أن هناك ما يقرب من (80) ألف مريض في السنة يأتون إلى العيادات الخارجية، ونسبة كبيرة منهم تتلقى علاجًا شهريًا. وتساءل: كيف سيأتون بشكل دوري بعد انتقال المستشفى إلى هذه المنطقة النائية؟ مؤكدًا أن هناك نقطة هامة لا يمكن إغفالها في هذا الصدد، وهى أن 99 % من المرضى النفسيين يتم علاجهم خارج المستشفيات، وإنهم حينما يقومون بإبعاد المستشفى في مكان يصعب الوصول إليه، فإنهم بذلك يصدرون للمجتمع مشكلة كبيرة هي في غنى عنها، وستكون عواقبها وخيمة، خاصة وأنه بعد معرفة الكثيرين للتوجُّه الخاص بنقل المستشفى، قابلوا بعض المرضى وذويهم، الذين أوضحوا لهم أن ذلك إذا حدث، لن يستطيعوا أن ياتوا بعد ذلك للمستشفى؛ حيث سيكلفهم كثيرًا، بالإضافة إلى مشقة الذهاب إلى الموقع الجديد. وتساءل: في مصلحة منْ نقل المستشفى؟
 
وحول دور الأطباء في مواجهة هذا القرار، قال "حسين": إنهم الآن في مرحلة جمع التوقيعات، وقد وصلوا إلى ما يقرب من (500) توقيع من الأطباء والعاملين بالمستشفى، بل وأهالي المرضى والمرضى أنفسهم. مشيرًا إلى أن كل هذه التوقيعات جاءت خلال يوم ونصف فقط، وأنهم سوف يقومون يوم الأحد القادم- 26 ديسمبر- بعمل وقفة احتجاجية أمام المستشفى.
 
وأكَّد "حسين" أن نقل المستشفى إذا حدث سيهدم أشياء كثيرة، وإنه بعد أن بدأ بعض أهالي المرضى يتقبلون المريض النفسى بعد معركة مع المجتمع لتقبله؛ سيتم هدم كل ذلك؛ حيث أن الأهل الذين يزورون المريض مرة في الأسبوع، لن يأتوا لزيارته إلا مرة كل شهر، على أفضل تقدير.
 
ومن جانبها، قالت د. "منى مينا"- منسقة حركة "أطباء بلا حقوق": إن قرار نقل المستشفى ضد مصلحة كل من المرضى بالمستشفى والعاملين. معتقدةً أن السبب الأساسي للتفكير في نقلها هو وجودها في قلب "القاهرة"، ويمكن استثمار الأراضي بها لارتفاع ثمنها. مشيرًا إلى أن هذا الفكر لا يخدم إلا الاستثمار، ولا يضع في اعتباره المرضى أو العاملين بالمستشفى. بالإضافة إلى كون القرار يختلف مع التوجُّه الجديد الذي اُتفق عليه في المدرسة الطبية الحديثة للعلاج، وهي أن يتم علاج المريض النفسي دون أن يتم عزله عن المجتمع من حوله.
 
وأوضحت "منى" أن القانون الجديد الذي تم إصداره من قبل وزارة الصحة منذ أقل من عامين، يعظِّم من حقوق المريض النفسي. وتساءلت: هل يتماشى هذا التفكير مع نقل المستشفى من وسط المدينة إلى مكان يبعد عنها تقريبا (60) كيلو متر؟ مشيرةً إلى أن هذا القرار غير عملي على الإطلاق.
 
وأكّدت "منى" أن دور مستشفى "العباسية" ليس علاجيًا فحسب، بل تعليميًا أيضًا من خلال وجود الزمالة المصرية للطب النفسي بها، ومدرسة للتمريض. بالإضافة إلى التفكير في إنشاء مركز بحثي للأمراض النفسية بها، ووجود مستشفى كبير لعلاج للإدمان. موضحةً أن هذا لا يمنع أن تُقام مستشفيات أخرى في مناطق أخرى مثل "الهرم" و"إمبابة"..الخ، من الأماكن التي تفتقر إلى وجود مستشفيات للصحة النفسية بها. وإنهم مع عمل مستشفيات أخرى، ولكنهم ضد أي استيلاء على مستشفى "العباسية" تحت أي مسمَّى، وضد ما يُشار إليه من تقليص مكان المستشفى، واستغلال باقي المساحة في مشروعات تجارية.
 
ونوّهت "منى" إلى أن تصرفات وزارة الصحة في الفترة الأخيرة تطرح تساؤلاً مهمًا حول أيهما له الأولوية، المشروعات التجارية والاستثمارية أم علاج البشر؟!! مشيرةً إلى أن ما يحدث في "مصر" غير موجود بباقي دول العالم، وأن موضوع مستشفى "العباسية" مثله مثل اللائحة الجديدة للمستشفيات، والتي لم تفتح حتى الطوارىء أمام المرضى غير القادرين؛ حيث أن الطوارىء في أي مكان في العالم تقوم بالعلاج أولاً ثم تطالب بالأموال، أما ما يحدث في "مصر" فهو عكس المنطق الإنساني والطبي.
 
واتفق معها في الرأي "نادر عبد العزيز"- رئيس اللجنة النقابية للعاملين بمستشفى الصحة النفسية بالعباسية- موضحًا أن هذا التوجُّه يضر بالمرضى والعاملين أيضًا، حيث أن المريض النفسي له خصوصية، كما أن ذويهم يعانون كثيرًا حينما يأتون بالمريض إلى المستشفى وهي في وسط القاهرة، فكم بالحري إذا تم نقلها إلى الصحراء؟
 
وأشار "عبد العزيز" إلى أن نقل المستشفى إذا حدث سيُعد إهدارًا للمال العام، حيث تم في السنوات القليلة الماضية إنشاء المركز القومي للصحة النفسية داخل أرض المستشفى، ومركزين للإدمان أحدهما للرجال وآخر للسيدات- كانت السيدة "سوزان مبارك" قد قامت بافتتاحهما- هذا بالإضافة إلى مراكز أخرى للأطفال ولذوى الإعاقات. وتساءل: كيف بعد كل هذه التكاليف- سواء لإنشاء مراكز جديدة داخل المستشفى أو لتطوير الأقسام المختلفة بها- نقوم بترك كل ذلك لنبدأ البناء من جديد؟!!! 
 
وأكّد "عبد العزيز" أن هناك نقطة جوهرية أخرى لم يلتفت إليها المسئولون بوزارة الصحة، والذين يفكرون في نقل المستشفى لعمل مشروعات تجارية على أرضها، وهي أن هذه المنطقة تُعد من المناطق الأثرية، وأن المستشفى بها مباني يرجع تاريخ إنشائها لأكثر من (120) سنة.
 
وأضاف "عبد العزيز": إن نقل المستشفى يُعد مشكلة أيضًا بالنسبة للعاملين بالمستشفى. مشيرًا إلى أن هذا القرار سيعصف باستقرارهم على كافة المستويات. مناشدًا المسئولين بالتراجع عن هذا التفكير؛ حرصًا على مصالح المرضى و أسرهم، وكذلك على العاملين واستقرارهم.
 
وأكّد "م. س"- أحد العاملين بالمجلس القومي للصحة النفسية، وهو مجلس يشرف على جميع مستشفيات الصحة النفسية العامة والخاصة، ويقع داخل مقر مستشفى العباسية- أن نقل المستشفى في مدينة "بدر" سوف يتسبب في صعوبة زيارة أهالي المرضى المتواجدين بالمستشفى وبالتالي إلى عزلة المرضى، كما أنه سيتسبب في مشكلة للعاملين أيضًا. موضحًا أن هذا القرار يتعارض مع القرار الذي أصدرته من قبل الأمانة العامة للصحة النفسية، بأن المريض يتم علاجه في المكان الأقرب إلى سكنه؛ حتى يسهل زيارة الأهل له.
 
إذا كانت هذه هي آراء الأطباء والعاملين بالمستشفى، فما رأي أهالي المرضى؟
تساءل "ياسر"- شقيق أحد المرضى بالمستشفى: هل الحكومة لم تجد مكانًا أفضل للمولات سوى المستشفى الذي يتم بها علاج أهلنا وأخواتنا؟ أليس هذه وصمة عار على جبين المسئولين؟ متنميًا من نقيب الأطباء أن يتحرك ويرفض هذا التوجّه قبل أن يصبح واقعًا لا مفر منه، يدفعون فاتورته من وقتهم وأموالهم وصحتهم. وقال: هذا القرار قد يجعلنا لا نقوم بزيارة أقاربنا بالمستشفى إلا في الأعياد والمناسبات، مما سيزيد حالتهم سوءًا.