نبيل المقدس
الوطنية كما نعرفها : هي محبة الوطن الذي وُلدنا فيه ونعيش فيه . هذا صحيح .. وهذا التعبير كان ملازما دائما للبابا شنودة .. ولكن كيف يمكن للمسيحي الملتزم بإيمانه أن يعبر عن محبته للوطن؟ حيث يؤمن أن السما هو موطنه .. هل يتطلب الإخلاص للوطن أحياناً مواقف معينة تُجبر المسيحي ان يكون سلبيا نحو عقيدته أو ما يعني ان يتخلي عن جزء من مباديء عقيدته ... حاشا؟ ما هو الخط الأحمر الذي يتوقف عنده المسيحي ولا يستطيع أن يتخطاه لأنه غير متفق مع مقومات عقيدته؟ .. فالمسيحي المصري هو مواطن ينتمي إلى بلدته مصر ويخضع لقوانينها وتسري عليه شرائع الدستور, وأي ضرر في حق وطنه مصر, ينعكس مباشرة عليه وعلي مواطنيها أيضاً، والكنيسة هي جماعة المؤمنين .. ومن هنا مهما حاول الفرد المسيحي، أو الكنيسة بشعبها أن لا تشارك الأحداث الضارة بالوطن، داخلية كانت أم خارجية، لكنه يجد نفسه ( أي المسيحي ) فجأة وبحب حقيقي في موقف الدفاع عنها بكل الوسائل . وهذا لا يتعارض مع محبتنا للرب , ولا خروج عن إيماننا .
هل هناك قانون أو أية كتابية تُحرم رجال الكهنوت أن يشاركوا بمحبة في الترحيب برئيس البلاد , وما هي حدود أعمال رجال الكهنوت نحوه . لا شك أن المؤسسة الدينية ليست في جدال أو نزاع مع الحكومة .. فقد تم متطلبات مسيحيي مصر كما جاءت في الدستور مثل إصدار قانون بناء الكنائس .. بالرغم عدم مساوته مع دور العبادة للأخرين , الذين يعيشون معنا في الوطن .. لكنها خطوة أولي ناجحة إلي الهدف المنشود . انا من ضمن هؤلاء الذين لا يقبلون تدخل الكنيسة عامة في السياسة هذا لو إعتبرنا أن قانون بناء الكنائس هو عملية سياسية بحتة .
وهنا أتوقف عند نقطة هامة أثارت جدلا كبيرا وهي هل يُعتبر حث رجال الدين لجميع الطوائف المسيحية الموجودة في المهجر شعوبها ان تنزل في إستقبال الرئيس عند ذهابه لكي يلقي كلمته في الأمم المتحدة .. امرا لا يقبله الرب ؟؟ .. من رأيي مسموح , ولا يوجد مانع .. لأن عملية حث الأقباط للنزول إلي نيويورك هي للترحيب لشخص واحد , بدون وجود منافس له علي الساحة .. أي أن هذا الترحيب لم يكن مُسيّسا . أما لو تواجد شخص منافس له علي الساحة , في هذه الحالة استطيع القول أن حث رجال الدين للمصريين للترحيب بالرايس هو تدخلا في السياسة ولا يجوز ابدا .
ربما ذكرت من قبل أنني لا أقبل حث الكهنة لأقباط المهجر أن ينزلوا لترحيب الرايس إعتقادا مني أنه تدخل سياسي المرفوض مني كمبدأ . لكن بعد ما شاهدت حشود ابناء الفراعنة بهذا العدد , وحسن إستقبالهم في مشهد متحضر , ومن بين الحشود وجدت سيدات متحجبات الكل يهتف في صوت واحد تحيا مصر .. تأكدت تماما أن الشعب المصري كان لا يحتاج توصية أو تحريض للقيام بهذا الإستقبال الراقي للرئيس.
وإن كان رجال الدين إشتركوا مع مصريي المهجر, في حشد الإستقبال بالرغم أنني شاهدت جميع الفيديوهات والصور التي تصور مشاهد إستقبال الرئيس , لم أجد أو ألمح قسا ممسكا بعصا أو شومة لكي يحجز أي شخص من الحشد يريد التزويغ .. أو تهديدهم بسحب البركة منهم , بل فوجئت بأفراح وسعادة وحشود عفوية من ابنائنا وإخوتنا في المهجر .. متحملين سوء الأحوال الجوية وطول الإنتظار , يا له من زلزال عظيم نتاج هتافات شعبنا المصري بعنصريه في الشوارع المؤدية لمقر الأمم المتحدة..
كان لا بد من وجود هذا الحشد العظيم .. فإن كنا لم نتواجد في هذه اللحظة و في هذا الموقع . لكان إحتلهُ الجماعات الإخوانية .. ويكسبون الجولة , لكن هذا الحشد العظيم فوّت الفرصة عليهم .. كما أظهر إصرارهم علي رفض الدولة الدينية , وتمسكهم بالدولة المدنية .
الغريب إن هذا الحدث كشف لنا وجود كم من مجموعة النشطاء الأقباط يصل أعدادهم 162 ناشطا كما ذُكر في أحد المواقع .. وأن مؤسسة شباب ماسبيرو ما زالت علي قيد الحياة .. وإتضح أن هناك ما يُسمي " بجبهة الشياب القبطي" .. أين كانوا هؤلاء من أحداث المنيا ؟؟ .. لم نسمع عنهم شيئا .. ولم نري منهم شهامة في الذهاب إلي ارض المعمعة لكي يعيشوا حياة الأقباط التي إمتلأت ألام وأوجاع وإستهزاء بالأهالي القبطية و طردهم من بيوتهم وأراضيهم .. وجردوا السيدات من ثيابهن .. وحبس الأفراد المُعتدي عليهم .. ظهروا فجأة بمجرد أخذت الكنائس علي عاتقها تحفيز اقباط المهجر ومشاركتهم بكل حب في ترحيب الرئيس عند ذهابه إلي مقر الأمم المتحدة !!
فقد أصدر النشطاء بيانا و المُوقع من 162 ناشطاً، على خلفية ما اعتبروه تدخلاً كنسياً في المعادلة السياسية، جراء الحشد لدعم الرئيس عبدالفتاح السيسي خلال زيارته نيويورك ، بأنه خطوة سيتبعها عدة خطوات لإيقاف انزلاق القيادة الكنسية للعمل السياسي . كما يخرج علينا مؤسس "جبهة الشباب القبطي "، إن إرسال اثنين من الأساقفة للحشد ضربة قوية للمجتمع المدني وحقوق المواطنة المصرية.
من أنتم ... ؟؟ ايها الذين تريدون هدم مصر .. هل معني هذا , لو حدث وفاة قريب لأحد أعضاء حزب معين , لا يسمح لقس أن يذهب إليه لكي يعزيه ,ويلقي عظة رثاء معزية لتشجيع أهل المصاب خشية أن يخرج علينا مِمَنْ لا يريدون الإستقرار لمصر لأمور نحن لا نعرفها .. ويفتون لنا أن عزاء القس لهذا الحزب لا يجوز ... !!
مَنْ انتم ... ؟؟ أيها الذين تقفون حجر عثرة للتقدم .. ماذا تحكمون علي القساوسة الذين كانوا يقودون الجماهير في تظاهرات إثناء حكم الجيش .. وكانوا يهتفون هم بأنفسهم بإسقاط حكم العسكر .. وكانوا علي قلوبنا زي العسل .. ولم نتفوه أن هذا العمل مُسيّس؟؟ أليس هذا تدخلا في السياسة ..!! ؟؟ ما هو حكمكم علي القساوسة الذين يطلون علينا من شاشات التليفزيون الفضائية , يتكلمون في السياسة , وياليتهم يتكلمون بكلمات روحية في السياسة نحومصر بالسلبي أو الإيجابي .. لكنهم يتكلمون بكلمات ليست مسيحية بل بكلمات دنياوية بذيئة لا تخرج من أفواه رجال المفروض مملوئين من الروح القدس ....!!
نعم لقد كان قول المسيح: "أعطوا ما لقيصر لقيصر وما لله لله" هو القاعدة الأساسية التي اعتمدتها الكنيسة منذ نشئتها اعتقاداً منها أنها تنقّي الكنيسة من شوائب السياسة محافظة على أصالة دورها الروحي والاجتماعي في خدمة الإنسان. لكن ليس معني هذا أن لا نشترك في افراح بلدنا أو في أحزانها ...!!