زهير دعيم
"آية (لو 2: 48): فَلَمَّا أَبْصَرَاهُ انْدَهَشَا. وَقَالَتْ لَهُ أُمُّهُ: «يَا بُنَيَّ، لِمَاذَا فَعَلْتَ بِنَا هكَذَا؟ هُوَذَا أَبُوكَ وَأَنَا كُنَّا نَطْلُبُكَ مُعَذَّبَيْنِ!» "
العذراء الطاهرة تعرف الأصول ، وتتحلّى بالأخلاق الجميلة ، فها هي تعطي لرجلها – خطيبها- الصّدّيق يوسف النجّار ، تُعطيه المكانة التي يستحقّ ، والدّور الذي يستأهل ؛ وهي ما هي عليه : إنّها أمّ الربّ يسوع بالجسد ، الفتاة الأطهر التي اختارها الربّ من دون نساء العالمين ليولد منها.
تذكّرت هذه الآية الجميلة ، وهذا التصرّف الحكيم والرائع من العذراء ، بعد أن داخلني بعض الشّكّ في أنّنا قد غمطنا حقّ هذا الرجل القدّيس يوسف النجّار، فنكاد لا نذكره الّا لُمامًا ، وهو الرجل الجميل الذي صدّق الرب وأمْرَ الحَبَل بلا دَنَس " فسترَ" على خطيبته وحماها من تنكيل اليهود ، وحمَلَ معها في قلبه ذاك السّرّ العظيم ؛ السّرّ الذي يحمل في أحشائه للبشريّة الفرح الذي لا يغيب؛ فرح مولد فادي الأنام الإله المتجسّد.
نعم لم يكتفِ هذا الزّوج والرجل الرائع بالصمت والقبول فقط ، بل كما الرجل الرجل سمع لنصيحة الربّ وانطلق مع عائلته المقدّسة الى مصر هربًا من وجه هيرودوس ، هذا الملك الجائر الذي عزم على قتله ، وظلّ هناك حتى وفاة هذا الطاغيّة.
أتراني أضيف لكم شيئًا جديدًا إن قلتُ لكم انه كان الأب الحنون ليسوع ، فقد احتضنه كثيرًا وناغاه طفلًا ، وأطعمه بيديه وأخذه المشوار تلو المشوار في الناصرة والجليل أيام راحته ، كما وشاركه طفولته وبراءته وألعابه وبسماته ، فحمله على كتفيْه ودغدغه في مرحٍ وترك عدّة نجارته ليهبّ لاستقباله عندما كانت تأتيه العذراء بالزاد.
وأروح أنعِم النَّظر في الماضي البعيد ، فأرى الشّابّ يسوع ، يُساعد والده يوسف في المنجرة النَّصراويّة ، فتارة يعمل وأخرى يتفنّن في صنع بعض الأشكال الجميلة التي يتفتّق عنها فكر شابّ أحبّ الحياة ، بل كان الحياة بذاتها والنجّار يرمقه بعين تسيل فرحًا.
أسمع هذا الشّاب الحلو أو اكاد وهو ينادي : آبا آبا אבא ...אבא، فينشرح صدر هذا النجّار الشيخ وهو يجيب : " يا عيون بابا" ويتفكّر في نفسه بالسّر العظيم و عمّانوئيل القادم من الأعالي ليخلّص البشر بما فيهم النجّار نفسه.
حقيقة كما اختارت السماء العذراء المُطوّبة مريم لتكون امًّا ليسوع ، اختارت يوسف ليكون أبًا يحنّ ويترأف ويُضحّي ..
صدقت أمّ ربّنا حين تفوّهت بهذه الاغنية الجميلة حين وجدت يسوع بعد ثلاثة ايام من الضياع يحاجّ ويجادل ويُعلّم في الهيكل:
أبوكَ وأنا.....
لقد أعطت العذراء الطاهرة كما كلّ زوجة وامرأة فاضلة ؛ اعطت زوجها الحقّ الذي يستحقّ، والمكانة التي يستأهل فالبيت مبنيّ على الصَّخر ، بل الصّخر بعينه.
انّنا نحبّك أيّها النجّار القدّيس ، ونُقدّرك ، ونعتزّ بك وبعائلتك المُقدّسة التي ظلّلتها بمحبتك الابوية الجميلة مع العذراء الجميلة والرب المُتجسّد..