بقلم: هند مختار
الفنون الست من نحت وعمارة وتصوير وموسيقى ورقص وشعر، (المسرح) من أقدم الفنون عمرها من عمر الإنسان على الأرض، والسينما الفن السابع عمرها يتجاوز المائة عام بقليل ولكنها تعتبر التاريخ ..
فقد عبرت السينما عن الزمان والمكان، وحققت حلم البشرية في أن نرى الماضي ،ونحلم بالمستقبل ..
فلقد حاربنا مع"صلاح الدين"، ورأينا ريتشارد قلب الأسد وهو يصرخ من الخيانة، وذرفنا الدموع على غرق تيتانك، وتعاطفنا مع"سكارليت أوهارا"في تمسكها بالحياة، وهتفنا عاش الهلال مع الصليب في مظاهرات 1919، وهبطنا على القمر، وشاهدنا آلة الزمن وهي تنطلق عبر اللازمان واللامكان لتحط برحالها أنا شاء لها صناع السينما أن تهبط..
ومن تتبع تاريخ السينما في"مصر"نعرف أحوال الزمان القديم، فهل سأل أحدنا نفسه يومًا عن أين كانت تعرض الأفلام في السابق وما هو وقع ذلك الاختراع على الناس؟ وما هي أسماء دور العرض وأماكنها؟ وأسعارها ؟ وكيف كان يتم الترويج لذلك (المخترع) العجيب ؟ .
لنقم برحلة صغيرة داخل أوراق الصحافة المصرية القديمة، لنقرأ ونحلم سويًا مع السينماتوغراف..
"السينماتوغراف"اسم كان يطلق على السينما منذ مائة سنة ويزيد ..
في جريدة (لاريفورم) التي كانت تصدر في"الإسكندرية"باللغة الفرنسية يوم 4 نوفمبر سنة 1896 منشور بها هذا الخبر(لقد بدأ العمل في إحدى صالات بورصة طوسون باشا لتركيب أجهزة السينما توغراف)
ونأمل أن تكون معدة للعمل مساء غد)
وفي يوم 6نوفمبر في نفس الجريدة نجد الخبر التالي:(لقد بدأت السينماتوغراف عروضها مساء أمس ،لأول مره في"الإسكندرية"، ويتكون جهاز"السينماتوغراف"من فانوس سحري هائل وآلة تلف شريطًا من السلولويد من صور فورية، لتنتج مناظر متحركة، وننصح قراءنا بالتوجه لمشاهدة هذا التقدم الأخير للنبوغ الإنساني، فلن يندموا على ما يقضونه من وقت ..
ويمكن مشاهدة"السينماتوغراف"في بورصة"طوسون"باشا من الساعة 5 إلى الساعة11 مساءً، مره كل نصف ساعة)
هذا هو الخبر كما نشر، وكان سعر التذكرة آنذاك 4 قروش، وصالة بورصة"طوسون"هذه مبنى كان يتكون من عدة طوابق، وفي كل طابق مجموعة من الصالات للرقص والاحتفالات وتقع في شارع الباب الجديد ..
وإذا حاولنا أنت نقوم بحصر لدور العرض في"القاهرة"في تلك الفترة، فإن هذا يكاد يكون شبه مستحيل لأن عرض الأفلام لم يكن فقط في دور العرض، بل في المقاهي أيضًا والتي كان لها دور ثقافي ترفيهي في ذلك الوقت، بخلاف المسارح ،والكافيه كونسير في نشاط العرض ..
ومن أمثلة دور العرض في"القاهرة"سينما إيديال بعابدين، وسينما المنظر الجميل بالظاهر، وسينما أمبير، وأوليمبيك وأولمبيا، وبلاس وجلوب، وجيتيه وخديوي، وراديوم، وشبرا بالاس، وشنتكلير، وكليبر ..
وفي مصر الجديدة كانت سينمات"تيراس"،و"أمفتريون بار"، و"إيزيس" .
وفي"الإسكندرية"أمريكان كوزمجراف، وإيزيس، وشانتكلير، ومودرن وغيرها، وفي"السويس"سينما رويال، وبورسعيد"الألدورادو"،وسينما"باتيه شانتكلير"، و"الإسماعيلية"الشركة التلياتية، وإيزالبيه، و"الدقهلية" سينما عدن، و"الغربية"سينما الباتيناج وسينما عباس وهذه الإحصائية تخص السينمات حتى سنة 1917 ..
معنى هذا أن المستوى الثقافي للشعب المصري كان متشابه في جميع الأنحاء، والفكر المرن كان موجودًا وعلى مستوى المحافظات الريفية والساحلية ومدن القناة ..
وليس فقط في"الدلتا"و"القاهرة"و"الإسكندرية"ومدن القناة بل أيضًا في الصعيد وبالتحديد في"أسيوط"سينماتوغراف أسيوط،وفي"بني سويف"سينماتوغراف، وتياترو البندر بـ"بني سويف" ..
ومع لائحة إحصائية أخرى لا يستوعب المكان ذكرها نجد أن عدد دور العرض في تلك الفترة كان 36 دار عرض في مصر كلها، هذا كما قلنا سابقًا بخلاف المقاهي والمسارح والكافيه كونسير، والمغامرون الذين كانوا يعرضوا في الهواء الطلق في أي مكان ..
نعرف أن مصر في ذلك الوقت كان بها عصر نهضة حقيقي، وليس زائفًا فكانت الناس تقبل على الفن كمثل إقبالها على الحياة، رغبة في التقدم والتفوق والمعرفة ..
لم يغلقوا عقولهم وقلوبهم أمام الآخر، بدعوى أنه قادم للإفساد بل أخذوا منه هذا الاختراع الغريب المدهش وتعاملوا معه وصبغوه في القاهرة بأفكارهم، حتى وصلوا به في فترات لأن يكون سفيرا في كل بلاد الله لخلق الله ..
يا سينما يا تاريخي الجميل، ويا واقعي المرير .