مر سيدنا عمر بن الخطاب- رضى الله عنه- ذات يوم برجل فى السوق، فإذا بالرجل يدعو ويقول: اللهم اجعلنى من عبادك القليل.. اللهم اجعلنى من عبادك القليل، فقال له سيدنا عمر رضى الله عنه: من أين أتيت بهذا الدعاء؟، فقال الرجل: إن الله يقول فى كتابه العزيز «وقليل من عبادى الشكور» فبكى سيدنا عمر وقال: كل الناس أفقه منك يا عمر، اللهم اجعلنا من عبادك القليل. فاليوم إذا نصحت أحداً بترك معصية كان رده: أكثر الناس تفعل ذلك.. لست وحدى. ولو بحثنا عن كلمة «أكثر الناس» فى القرآن لوجدت بعدها (لا يعلمون–لا يشكرون– لا يؤمنون)، ولو بحثنا عن كلمة «أكثرهم» لوجدت بعدها (فاسقون- يجهلون- معرضون- لا يسمعون)، فليجاهد كل منا نفسه ليكون من القليل الذين قال الله تعالى فيهم «وقليل من عبادى الشكور»، «وما آمن معه إلا قليل»، «ثلة من الأولين وقليل من الآخرين»..
فكل منا يجب أن يتدبر فيما حوله، فليس معنى أن الأكثرية تفعل الحرام أنه سيصبح حلالا، فالحلال بيّن والحرام بيّن وأنت من يقرر أى طريق تسلكه.. وسبحان الله العلى العظيم الذى جعل أمر المؤمن كله خيرا، فعن رسولنا الكريم- صلى الله عليه وسلم- قال عجبا لأمر المؤمن، إنّ أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له.
فيالعظمة هذا الدين الذى يجعل على شكرك للنعمة أجرا ولصبرك على الابتلاء أجرا.. فأنت تبتسم ولك حسنة، تمرض ولك أجر، تصبر ولك من بعد الصبر يسر، تُحسن ولك ضعف إحسانك، فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة..
فنحن فى زمن لن ينجو فيه إلا من تمسك بحبل الله وراقب الله وعلق فؤاده بخالقه ومولاه.. فعلق قلبك بالله تطمئن فى دنياك وآخرتك، قال ابن القيم رحمه الله: حال العبد فى القبر كحال القلب فى الصدر، نعيماً وعذاباً وسجناً وانطلاقاً، فإذا أردت أن تعرف حالك فى قبرك، فانظر إلى حال قلبك فى صدرك، فإذا كان قلبك ممتلئاً بشاشة وسكينة وطهارة، فهذا حالك فى قبرك- بإذن الله- والعكس صحيح، ولهذا تجد صاحب الطاعة وحسن الخلق والسماحة أكثر الناس طمأنينة، فالإيمان يذهب الهموم، ويزيل الغموم، وهو قرة عين الموحدين، وسلوة العابدين، من أدام التسبيح انفرجت أساريره. ومن أدام الحمد تتابعت عليه الخيرات، ومن أدام الاستغفار فتحت له المغاليق.
نقلا عن المصرى اليوم