فى مثل هذا اليوم 16 يوم 1923
سامح جميل
ابراهيم محمد محمود الغربى وضحاياه 400 فتاة قاصر من اسنا الى اﻻسكندرية..
كان ابراهيم محمد محمود العربى اشهر "القوادين "فى تاريخ مصر كلها ..وهو من اسوان كرسكو مركز دراو
وكان والده يعمل فى تجارة البغاء.. وجاء الى القاهرة فى نهاية عام 1890 وبدأ حياته بافتتاح بيت للبغاء العلنى فى شارع وابور المياه ببوﻻق
ولم يمضى عام حتى امتلك ابراهيم البيت الذى كان مستاجره واﻻﻻف الجنيهات ،كما استاجر بيتا كبيرا فى "الوسعة"لتشغيل البغايا،ثم افتتح
مقهى بلدى تعرض فيه الراقصات رقصات خليعة تستفز الغرائز ..وفى عام1912 امتلك 15 بيتا للبغاء فى حى اﻻزبكية ،يعمل فيها 150 امرأة
واصبح اسمه مقترنا بمملكة البغاء فى القاهرة ..فى بداية عالحرب العالمية اﻻولى ..وتوافد جيوش الحلفاء الى مصر..
وصار حديث الراى العام المصرى عام 1923 ..ولدينا كتابان هامان ..تحدثان عن امبراطورية ابراهيم للبغاء فى مصر..اﻻول كتاب "البغايا فى مصر "
دراسة تاريخية واجتماعية من 1834 الى 1949.. لمؤلفه د.عماد هﻻل..وكتاب "مجتمع القاهرة السرى (1900 الى 1951)"للمؤرخ د.عبد الوهاب بكر
والقضية التى نحن بصددها وهى قضية ابراهيم الغربى بدأت فى مثل هذا اليوم 16 سبتمبر 1923 مبتحقيقات اجرتها نيابة السيدة زينب عن بﻻغ البنت القاصر
احسان حسن مصطفى (14)سنة ان امرأة قابلتها ..اسمها فاطمة محمد الفيومية بجوار ضريح السيدة زينب ام هاشم ورغبتها فى الذهاب معها الى منزلها
لتزوجها بابنها فذهبت معها..ونظفتها وجهزتها..وبعد 3 اياماعطتها مخدرا وادخلت عليها شخصا اسمه محمد حجازى و"فض بكارتها"..وفتح التحقيق فى جناية هتك
عرض اخرى لفتاة تدعى زينب عبد الخالق وقبل ان ينتهى التحقيق فى الجنايتين ذهب وكيل النيابة للحوض المرصودواحضر من هناك ثﻻثين بنتا اشتبه فى ان سنهن
اقل من 18عاما ...واحضر بعض البنات المشتبه فى سنهن الى نقطة المومسات فى زينهم وضبط بعض الفتيات "العايقات"فى الوسعة..
وكشفت التحقيقات ان هناك تنظيما يغوى الفتيات القاصرت ثم يؤخذن الى بيوت الدعارة للعمل باﻻكراه ....بتزويجهن ثم تطليقهن بعد 24 ساعة ليدخلن صفوف
المومسات..وذلك بتواطؤ بين العصابة والشرطة وتبين ان هناك اكثر من 400 فتاة بيع اكثرهن فى اسواق الرقيق اﻻبيض ..ويترأس هذا التنظيم ابراهيم الغربى..
ويدير عمليات الرقيق اﻻبيض من اسنا جنوبا الى اﻻسكندرية شماﻻ..والفتيات الﻻتى يقعن فى قبضة تنظيمه يرسلهن من بﻻدهن فى حراسة رجاله فيصلن
القاهرة او اﻻسكندرية قبل غروب الشمس..
وسجن ابراهيم الغربى فى منتصف 1924 خمس سنوات اشغال شاقة ..ومات فى 15 اكتوبر 1926..تاركا وراؤه 54 بيتا فى حى باب الشعرية قيمتها 50 الف جنيه .
.و156 سوار ذهب خالص وكمية من الزمرد والماس وتاج يلبسه تجاوزت قيمته 3000 جنيه باسعار وقتئذ..وكسوة للتشريفة يرتديها فى الحفﻻت الرسمية قيمتها 500 جنيه
الى جانب عشرة اﻻﻻف جنيه ذهب......!!
كان إبراهيم الغربي أشهر قوّاد وأشهر تاجر رقيق أبيض وأشهر مدير لشبكات الدعارة في مصر كلها في بداية القرن العشري، ينتمي إلى أسرة صعيدية من إحدى قرى أسوا.. كان والده يمتهن تجارة الرقيق (العبيد) منذ 1870.
قدم الغربي إلى القاهرة عام 1890 وبدأ حياته الفاسدة بافتتاح بيت للبغاء العلني في شارع وابور المياه في بولاق.. لم يمض عام حتى كان امتلك البيت وأضحى من أصحاب الثروات الكبيرة، ثم افتتح عام 1896 منزلًا كبيرًا في منطقة الوسعة لتشغيل المومسات وألحق به مقهى بلدية للرقص.. لم تكن أول مقهى في تاريخ مصر تقدم فيه رقصات فحسب، بل قدمت فيه أول رقصة خليعة عرفت لاحقًا برقصة البطن الفاسدة.
عام 1912 أصبح الغربي يمتلك 15 منزلا للبغاء في حي الأزبكية وتعمل لديه 150 «فتاة الهوى»ً يمارس عليهن كل الصلاحيات. مع حلول عام 1916 أصبح الغربي «ملك الوسعة» وامتد سلطانه في عالم الدعارة إلى خارج القاهرة فكانت تجارة «فتيات الهوى» في مصر كلها تخضع له، يضع السعر وكلمته لا تناقش وبات من أصحاب النفوذ في عالم السياسة والمجتمع الراقي وسلطته مذهلة في مصر كلها.
> اعتقال الغربي
عام 1916 قرر هارفي باشا حكمدار شرطة القاهرة (الإنجليزي) اتخاذ إجراءات لتطهير المدينة من «فتيات الهوى» غير المرخصات والغلمان الذين خرجوا خارج أحياء البغاء المرخصة.. كان أول قرار له في ظل إعلان الأحكام العرفية نهاية عام 1914 إقامة معتقل في الحلمية لإيداع هؤلاء الفاسدين فيه خلال يومين اعتقلت مائة من «فتيات الهوى» غير المرخصات ومجموعة من القوادين لم يكن الغربي بينهم دخل نائبه توماس راسل باشا سائلًا عن عدم اعتقال الغربي فأصدر قرارًا فوريًا باعتقاله.. اقتيد الغربي بالأغلال لابسًا كعادته الملابس النسائية آنذاك قرر هارفي باشا على الفور تجريده من الملابس النسائية والزج به في معتقل الحلمية مع أمثاله من المخنثين، حيث بقي عاما، ثم تقرر إبعاده إلى قريته.
> نهـــاية الغربي
في أحد أيام عام 1922 عثرت إحدى المومسات في ميدان السيدة زينب على فتاة "قاصر"، كانت خرجت من منزل أهلها دون علمهم أغوتها «فتاة الهوى» بتزويجها بابنها واصطحبتها إلى منزل في منطقة زينهم، حيث تم تخديرها واغتصابها ثم سيقت إلى منازل الدعارة في زينهم للعمل كـ «فتاة الهوى» خلال عملها أصيبت الفتاة بأحد الأمراض المعدية فنقلت إلى مستشفى الحوض المرصود، ثم بيعت بمبلغ 17 جنيهًا لامرأة، ثم بيعت لغيرها مرة جديدة.
أبلغ مدير المستشفى النيابة العامة بالحالة وتم التحقيق فيها بمعرفة النيابة. خلال التحقيق انفتحت الأبواب على قضايا أخرى إذ اعترفت الفتاة وأرشدت الشرطة إلى الأشخاص الذين تاجروا بها، فاتضح وجود تنظيم يغوي الفتيات القاصرات ويسلبهنَّ، ثم يؤخذن إلى بيوت الدعارة للعمل بالإكراه وهناك يتم تزويجهن لرجال لمدة 24 ساعة ثم يطلقن، ليدخلن بعد ذلك في طابور «فتيات الهوى».
وكشفت التحقيقات عن تواطؤ بين العصابة والشرطة وعن عمليات بيع القاصرات، فتبين أن ثمّة 400 فتاة تم المتاجرة بهنَّ في أسواق الرقيق الأبيض.
اتسع نطاق التحقيق لاحقًا، ليشمل 37 رجلًا وامرأة، اعترف أكثرهم بأن التنظيم الكبير الذي يدير هذه العمليات يرأسه إبراهيم الغربي، ويدير عمليات الرقيق الأبيض في مصر من أقصاها إلى أدناها وأن الفتيات اللاتي يقعن في قبضة تنظيمه بعد إغوائهن، كنَّ يُرحّلن ليلًا من بلداتهن في حراسة رجاله ويصلن إلى القاهرة أو الإسكندرية قبل شروق الشمس، خشية أن تقع عليهنَّ العيون وينكشف أمرهنَّ. في عددها الصادر في 23 أكتوبر 1923 نشرت جريدة «الأهرام» تفاصيل هذا الموضوع تحت عنوان: «الرقيق الأبيض... 400 فتاة في أسواق الفجور».
أسفر تفتيش منزل الغربي عن العثور على كميات كبيرة من الذهب وأوراق مالية وكمبيالات كان يقبضها على النساء والفتيات المغرر بهن، وتبين أن الغربي كان يدير 52 بيتا للدعارة (الأهرام في 3/11/1923).. بلغ عدد المتهمين في القضية 21 متهما ومتهمة، وجهت إليهم النيابة العامة ثماني تهم مختلفة.
أحيل الغربي على المحاكمة وحُكم عليه بالسجن مع الأشغال الشاقة لخمس سنوات، لكنه لم يستطع تحملها فمات في 15 أكتوبر عام 1926 تاركا وراءه 54 بيتا للدعارة في حي باب الشعرية وعشرات الألوف من الجنيهات.
كان الغربي يمارس الجريمة المنظمة في البلاد ويضمّ تنظيمه الإجرامي أعضاء، لكل منهم دوره مثل نظام المافيا في أوربا والولايات المتحدة.. كما اتضح أن تنظيم الغربي سيطر على أجهزة الأمن والإدارة في القاهرة وتواطأ الكثيرون معه. بسيطرته على أجهزة الشرطة وجهاز فحص «فتيات الهوى» في الحوض المرصود وبقيادته هيئة منظمة من مجتمع استطاع أن يخلق الجريمة المنظمة في مصر.!!
قضية المخنثين
صيف سماء القاهرة صافٍ، والناس يطردها الحر في البيوت فتخرج إلى الشوارع بحثا عن نسمة هواء. وإبراهيم الغربي، أحس برغبة في الخروج إلى الشارع. ارتدي ملابس النساء، ووضع باروكة فوق رأسه، ودهن وجهه بالمساحيق، ووضع قطعا من القطن في صدره، وشد فوقها مشدا للصدر، ولبس حذاءً عاليا، ووضع الحلي في رقبته وأذنيه وذراعيه واستقل عربة حنطور قائدها يتعامل معه ومع والده – الغربي – ملك بيوت الدعارة في القاهرة؛ ينقل النساء من مكان إلى آخر.
جلس إبراهيم فوق المقعد الكبير وحده، ومد ساقه العارية والخالية من الشعر على المقعد المقابل، وأخذ يلوك اللادن وهو ينظر إلى الرجال في رغبة واضحة. هذه الحالة تشده إليها منذ وقت لآخر، فهو يستطيع أن يحصل على ما يريد في بيوت الدعارة الكثيرة التي يديرها والده، وتساعده فيها أمه وأخواته، لكن الرغبة في الخروج إلى الشارع بهذا الشكل – رغم خطورته – تسيطر عليه ولا يستطيع الإفلات منها. هو عادة ما يعود آخر الليل دون شيء، لكنه يحس بسعادة، وينام ملء جفنيه، لأنه حقق ما أراد.
يحكون معارفه ومعارف والده إن ما حدث لإبراهيم كان عقابا مستحقا لأبيه الذي دأب على إيذاء أولاد الناس، فكان يسرقهم من الشوارع – خاصة الهاربين من أهاليهم – ويجبرهم على ممارسة الفحشاء، ويقدمهم بعد أن ينظفهم إلى زبائنه. وكان حريصا على أن يبعد ابنه الوحيد عن هذا المجال، لكن الولد انساق إليه وصار واحدا من الراغبين في التعامل مع الرجال.
كانت الحكومة قد قررت إلقاء القبض على المخنثين المنتشرين بحي الأزبكية، لأنهم يجمعون بين التخنث واللصوصية, ووضعهم فى معتقل بحلمية الزيتون. فتم القبض على إبراهيم، وصفعوا العربجي الذي يعرفون أنه يتعامل مع بيوت الدعارة. وسحبوا إبراهيم إلى عربة البوليس الكبيرة، فصاح وأعلن أنه ابن الغربي المعروف لديهم، وأن كبار رجال الدولة يتعاملون مع والده، ويزورون بيوته السرية كثيرا، لكنهم لم يسألوا عنه، ورموه في قسم عابدين؛ توطئة لنقله إلى معتقل حلمية الزيتون.
ذهب والده – الغربي – وقابل مأمورالقسم محمد شكيب، وعرض عليه رشوة للإفراج عن ابنه، وحصوله على أمر بألا يعود إلى ارتداء ملابس النساء والتزين بالحلي هو وابنه, فوعده محمد شكيب خيرا, وقال، إنه سيكلم له محمود محمد - مساعد الحكمدار - فإذا لم تكن المسألة بأمر الحكمدار, فهو يحصل له على المرغوب.
لكن الحكمدار رفض الإفراج عن إبراهيم الغربي، بل وأمر باعتقال والده أيضا، ورميه في معتقل حلمية الزيتون مع باقي المخنثين.
قابل جورج فلبيدس رئيس المكتب السياسي - محمود محمد – مساعد الحكمدار، وقال له:
- إبراهيم الغربي رجل طيب، وأنا أريد عمل طريقة لإخراجه هو وابنه.
- لكن الحكمدار يكره هؤلاء المخنثين.
جورج فلبيدس من أصل يونانى, تجنس بالجنسية المصرية ودخل الخدمة فى عام 1885 بوظيفة مترجم, فهو يجيد الإنجليزية والفرنسية, وهو خال من الشهادات الدراسية, لكنه ذكي ونبيه, لذا وصل فى عام 1896 إلى درجة وكيل قلم. وفي عام 1900 عين رئيسا لأقلام الضبط فى بورسعيد, ثم مأمور الضبط في المحافظة. وقد أعجب به "هرفي باشا" حكمدار القاهرة فعينه في عام 1909 مأمورا للضبط في العاصمة.
وفي 1910 قُتل بطرس غالي فأنشئ المكتب السياسي, وعين مأمور الضبط رئيسا له, وقد نال عطف الحكمدار وثقة مستشار الداخلية, وثقة صاحب الدولة حسين رشدي باشا – رئيس الورزاء, فقربه منه إلى درجة حسده عليها جماعة الكبراء, ثم أصبح جورج فلبيدس العدو رقم 1 للحركة الوطنية المصرية.
في البيت تحدث جورج فلبيدس مع زوجته أسما بخصوص إبراهيم الغربي. فضحكت بصوت مرتفع؛ عندما علمت بما يفعله هؤلاء المخنثون.
أسما امرأة جميلة ذات جسد رشيق. من مواليد بيروت، تزوجها جورج أيام كان مجرد مترجم، وشاركته رحلة الصعود.
زارهم في تلك الليلة محمود محمد – مساعد الحكمدار – هو يكثر من زيارتهم، وتعد له أسما المأكولات الشامية التي يفضلها الرجل وزوجته لا تعرف كيف تطهيها.
دار الحديث حول موضوع المخنثين، فقالت أسما لمحمود محمد:
- لماذا لا تتصلوا بأصدقاء إبراهيم الغربي حتي يدفعوا ويفرج الحكمدار عنه.
وبالفعل أرسل محمود محمد إلى أليفة بنت عبدالله التي تدير شبكة دعارة، وجاءت المرأة قلقة، فهي لا تخشى في حياتها إلا مقابلة رجال البوليس. قال لها محمود محمد:
- أنتم ما تعرفوش الغربى إلا وهو جوه, وما تعرفهوش وهو بره, أنا والله زعلت علشانه.
- كلنا زعلانين علشانه ولكن ما باليد حيلة.
- انزلي انزلي واطلعي بتلتميت جنيه.
ذهبت أليفة بنت عبدالله إلى بيت أسما وأعطتها الثلاثمائة جنيه، كما أوصاها محمود محمد – مساعد الحكمدار.
جورج فلبيدس يكسب كثيرا، فهو يأخذ مبالغ مختلفة من ضباط البوليس نظير ترقيتهم أو تثبيتهم, ومن المعتقلين السياسيين للإفراج عنهم ومن المتحررين في الأعراض لإطلاق سراحهم.
زاد حجم الرجل بعد الحرب العالمية الأولى, والمضاعفات التي نتجت عنها حتى أنه تم خلال شهورها الأولى نفي 49 تركيا و16 مصريا إلى جزيرة مالطة, فضلا عن افتتاح معسكر اعتقال فى الجيزة، كان يودع به أي شخص يتعرض لأقل شبهة, وكان تحت إشراف بعض معاوني جورج فلبيدس وعلى رأسهم: محمود محمد أفندي, والصاغ فرانشيسكو لوسكيانو. ونكل جورج فلبيدس بشباب الحزب الوطني, ولفق التهم للأبرياء, وطغى وألحق الضرر والأذى بالعناصر الوطنية.
لكن زوجته تحتاج لنقود كثيرة، فهي تُكثر من شراء الملابس، وتدعو إلى بيتها الكثير من رجال المجتمع في البوليس وغيره، وتكثر من تقديم الأطعمة الشامية – التي تجيد طهيها – إليهم، فما أن حصلت على الثلاثمائة جنيه من أليفة بنت عبدالله حتي أنفقت بعضها، وعندما عاد جورج فلبيدس في المساء أخبرته بذلك، فلم يعترض، لكن الحكمدار رفض الافراج عن الغربي وابنه. فاضطر فلبيدس إلى رد المبلغ إلى صاحبته بعد أن خصم مبلغ عشرين جنيها.
قضية رشوة الضباط
من سوء حظ جورج فلبيدس أن ضابطا في الجيش اسمه أحمد سرور الشريف، تم نقله إلى البوليس، وتخطوه في الترقية، فنصحه البعض بالذهاب إلى بيت فلبيدس ومقابلة زوجته أسما، فطلبت منه خمسة وسبعين جنيها مقابل ترقيته. وجمع المبلغ فعلا لكن أخلاق ضباط الجيش تغلبت عليه، فذهب إلى البكباشي تيل - رئيسه الإنجليزي - وقال له:
- إذا لم يتم ترقيتي إلا بواسطة فلبيدس؛ فرجاء أن توصل إليه هذا المبلغ.
ابتسم رئيسه، وقال له:
- خذ المبلغ وأنا سأتصرف.
ضحك رئيسه، ووضع يده على يد أحمد الشريف التي تمسك النقود، وطمأنه وذهب إلى رسل باشا مساعد الحكمدار وأبلغه بما حدث. ووصلت المسائل إلى إلى الحكمدار. لكنه لم يصدق أول الأمر، واعتبر أن هذا من أسباب الحقد على رجل ناجح مثل فيلبيدس.
لكن الكثيرين قدموا شكاوى يتهمون فيها جورج فلبيدس بطلب الرشوة. ولم يكن بالإمكان أن يبقى المسئولون على صمتهم, فوُضع تليفون فلبيدس تحت المراقبة خلال شهر أكتوبر 1916, الأمر الذى كشف عنه عامل شركة التليفونات يدعى ليون كريزيان, وشهد الرجل بأنه سمع مكالمات دارت إحداها حول تكليف السيدة أسما لمحمد حربى – مراسلة زوجها – بمهمة مشبوهة, وأن جورج فلبيدس رد على ذلك بالقول: "عظيم, عظيم"، ثم جاءت شهادة أليفة بنت عبدالله التي أكدت بأن جورج فلبيدس أخذ منها 300 جنيه، وعندما رفض الحكمدار الإفراج عن إبراهيم الغربي رد المبلغ ناقصا عشرين جنيها.
وتم القبض على جورج فلبيدس وزوجته أسما عبدالله والجندي المراسلة محمد محمد حربي. ووقفوا جميعا في قفص الاتهام.
كان ثلاثتهم يبكون. من يصدق أن جورج فلبيدس الذي أذل الكثيرين يبكي هكذا؟!
المحاكمة
لقد اهتمت الصحافة بمحاكمة جورج فيلبيدس، فقد ألحق الضرر بالكثير منهم، فاهتموا بمحاكمته وتتبعوا كل ما يحدث فيها وتزاحم الناس على حضور جلساتها تزاحما شديدا.
ترافع عن جورج فلبيدس إبراهيم الهلباوي، وترافع مرسي بك حنا عن اسما. وكامل أفندى البنداري عن محمد حربي.
وحكمت المحكمة بالسجن 5 سنوات على جورج فلبيدس, وإلزامه بغرامة قدرها 5ر784 جنيها.
وعلى زوجته أسما بسنة سجن.
صفق الجمهور وهتف من أعماق قلبه هتافا عاليا متواصلا بحياة العدالة وصاح في وجه المتهم:
- إلى الجحيم يا مجرم، إلى السجن يا جورج.
- وبصقوا في وجهه واستمرت الهتافات المدوية حتى قاده البوليس إلى السجن.
كان يبكي هو وزوجته وبناته. ونظم الشعراء والزجالون القصائد الطويلة معربين عن فرحة الأمة بالقصاص العادل الذي وقع على هذا الطاغية. !!