الأقباط متحدون - السرقات العلمية وعصر العلم !!
أخر تحديث ٠٤:١٠ | الأحد ١١ سبتمبر ٢٠١٦ | توت ١٧٣٣ش ١ | العدد ٤٠٤٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

السرقات العلمية وعصر العلم !!

مدحت بشاي
مدحت بشاي
كتب : مدحت بشاي
 
في عصر العلم كما يطلق عليه عالمنا الكبير الدكتور أحمد زويل نتابع ما يحدث في جامعاتنا موطن العلم والعلماء  بأسى شديد حالة من الاستسهال والتلفيق والانفلات من العمل العلمي الوطني الجاد ،بعد أن اكتفينا أن يكون لدينا مجموعة من العلماء تعمل في جزر منعزلة ..وظلت جامعاتنا بدون منظومة لإدارة التطوير ، وقاعدة علمية قابلة لأن تتسع حلقات إنتاجها لتشمل كافة مناحي العلم والمعرفة ، وبات توصيف حال الواقع العلمي لمؤسساتنا العلمية والبحثية  يشير إلى الاكتفاء بدور المستهلك  لعلوم الغرب ومنجزاته الفكرية ، ولا ينشغل بالتفكير في إنتاج  علمي وبحثي وطني   ..
 
يُقال دائما أن الجامعة الحصن والملاذ للعقل الإنساني وهي بيت العلوم وموقع التجريب والبحث والنشر العلمي ، ومن قبل ومن بعد الحضن والحضّانة الأهم للتربية والصعود الإنساني بالأخلاق والقيم .. في الجامعة لابد من حماية المبادئ الرئيسية والقيم العامة للناس والمجتمع حتى يكون لوجودهم على الأرض دوراً في الاندماج مع عناصر المنظومة العلمية العالمية لتحقيق أمل تقدم الأمة والتنافس مع ركاب حافلة التميز ..
 
وبرغم كل ما تقدم لا ينكر أحد أن الجامعات في مصر قد قامت بدور رائع في بناء الذات القومية ، وتكوين اللبنات الأهم في تشكيل الهوية الثقافية للإنسان المصري ، وتنمية الوعي السياسي والأخلاقي والقيمي لديه ، وإعلاء مشاعر الانتماء العليا للوطن ..
 
إنطلاقاً من ذلك التفهم لماهية الجامعة ودورها كان لموقع الجامعة المكاني منذ بداية النشأة تلك الهالة من الاحترام والتبجيل في نفوس المنتمين إليها حتى أصبحنا نطلق على مقرها مصطلح " الحرم الجامعي " تشبهاً بمواقع العبادة في إشارة لأهمية الحفاظ عليها من غارات الفساد والمفسدين ..
إن المجتمع الجامعي وبعد مرور قرن من الزمان على إنشاء الجامعة الأم ، بات من المفروض تراكم مجموعة رائعة من  القيم الإيجابية الرئيسية لديه لعل من أهمها : الحفاظ على المسئولية الأخلاقية للأستاذ الجامعي والدفع نحو اتساع مساحة الحرية الأكاديمية والبحثية والمنهجية وإعلاء مبادئ العلم وإعمال الفكر والمعرفة والممارسة الديمقراطية ونقل الخبرات والبحث عن القدوة والمثل الطيب ..
 
الآن السؤال الذي بات مطروحاً بقوة لماذا تتزايد ظاهرة السرقات العلمية بهذا الشكل الذي يهدر كل محاولات السعي ألى تحقيق ما نتحدث عنه حول ضرورة الالتزام بالقيم والأعراف الجامعية ، وبما تشكله تلك السرقات من رسم ملامح الشك والريبة حول مدى أعداد المدرسين والأساتذة في المعامل ومواقع الدرس والتعليم من الحاملين لشهادات الماجستير والدكتوراه المشكوك في نسبها العلمي الخالص لهم ،  وانعكاسات ذلك على مدى نجاح العملية التعليمية وتشكيل أنساق قيمية رفيعة وسامية داخل الحرم التعليمي ..
 
قد يقول البعض أنه قبل الحديث عن مشاكل البحث العلمي وأبرزها ظاهرة السرقات العلمية علينا التوجه بقوة نحو تهيئة المناخ الملائم للبحث والتجريب وفرص اكتساب الخبرات .. لابد من وجود مكتبات جامعية يتم تحديث محتوياتها وتيسير وسائل البحث والتعامل مع القائمين على تشغيلها وتزويدها بأحدث التقنيات في مجال تشغيل المكتبات .. أيضاً على الجامعات تيسير عملية ابتعاث أعضاء هيئة التدريس وزياراتهم لمراكز البحوث العالمية ومشاركتهم في المؤتمرات الهامة " بعيداً عن مؤتمرات الاسترزاق والبيزنس والتهريج العلمي " .. ولابد من تطوير المعامل والورش في الكليات العملية ودعمها بأحدث أدوات التجريب والكوادر المدربة على إداراتها ، بالإضافة لدعم الجوانب المادية لدى الباحث حتى لا ينشغل بمعوقات تهدر الوقت والجهد وتؤثر بشكل سلبي على تواصل عمل الباحث بجدية والتزام بخطة البحث وبالتالي تراجع النتائج المرجوة التي يمكن أن تمثل نهاية صادمة لباحث شاب قد يكون ممتلكاً لأدواته البحثية بداية من فكرة واختيار موضوع البحث من الأهمية وحداثة التناول وزاوية الرؤية ما كان يمكن أن يؤهله لتحقيق خطوات أكثر تسارعاً نحو نتائج أكثر إبهاراً ..
 
وهنا أنا لا ألتمس الأعذار أو أبحث عن الأسباب لسارق البحث العلمي ، ففي كل الأحوال لا يمكن أن نغتفر هذا السلوك المشين الذي يهدم مشروع البحث العلمي المصري بل والعمل الأكاديمي من الأساس .. إنما أردت أن تجد الأجيال القادمة من الباحثين المناخ الطيب المحفز على بذل أقصى الجهود بعيداً عن تثبيط الهمم الذي قد يدفع الكسالى لاختصار خطوات البحث والاستسهال في الاقتباس دون الإشارة للمراجع أو لصاحب الجهد العلمي الأصلي وصولاً لسرقات فصول وأبواب كاملة ، وفي النهاية ـ وفي أحيان كثيرة ـ انتقال صورة واسم الباحث من صفحات التعليم والبحوث إلى صفحات الحوادث بعد تعرضه لمحاكمات تأديبية ..
 
إن من يدعون أن ظاهرة السرقات العلمية لم تصل إلى حد توصيف أنها تشكل ظاهرة لا يدرون أن المشكلة لا تكمن في مدى زيادة أعداد من يمارسونها فقط ، لأنها جريمة لها تبعات غاية في الخطورة بداية من انهيار القيم وسقوط القدوة ، ووصولاً إلى وجود أساتذة تم ترقيتهم إلى مناصب ومراكز عليا دون تأهيل حقيقي وما يترتب على ذلك من ضعف علمي في صفوف أعضاء هيئة التدريس يؤثر على مستوى كفاءة طلبة وطالبات يقوم بتعليمهم نماذج من هؤلاء الخارجين على القيم والمبادئ الجامعية ، ومع ذلك نطالع في الجرائد والمجلات السيارة ما يؤكد تكرار حوادث السرقات العلمية  .. 
لقد سيق أن نشرت جريدة البديل نتذ 3 سنوات أن اللجنة العلمية قد اكتشفت سرقات علمية بالجملة لترقية أساتذة اللغة الفرنسية بالجامعات المصرية بعد فحصها ، وكانت اللجنة العلمية الدائمة للترقية لدرجة أستاذ في اللغة الفرنسية قد ناقشت خمسة أبحاث لدكتورة أستاذ مساعد بآداب المنصورة عندما تقدمت لنيل درجة أستاذ في اللغة الفرنسية وتم اكتشاف أن الأبحاث الخمسة تتضمن سرقات علمية ..
 
وفي تهوين بالأمر يدلي رئيس جامعة الأسكندرية بحديث للأهرام العربي أتئذ  " عندما يكون هناك 3 أو 4 حالات فهذا لا يمثل ظاهرة حيث لدينا 5500 عضو هيئة تدريس وللأسف الشديد الناس توحي بأنها ظاهرة ومنتشرة وهذا يؤثر على سمعة الجامعة " ..
والحكايات لا تنتهي حتى أن هناك قصة شهيرة لرئيس قسم بجامعة عين شمس ذكرت جريدة الأخبار أنه قام  بنقل أبحاث أستاذ نرويجي بدون الإشارة إلى المصدر .. وعندما أرسلت المجلة التي نشر بها البحث اإلى أستاذ نرويجي في نفس التخصص لاستشارته فوجئ الأستاذ النرويجي ببحثه أمامه ، فرد عليهم قائلاً إن البحث مسروق منه ..
 
يذكر د. عادل حسن قاسم الأستاذ بجامعة إقليمية  لجريدة الأهرام أن السرقات العلمية جريمة  ماكانت لتستشري لو لم تكن هناك حماية  وتدليل من داخل وخارج الجامعات  للمنحرفين القائمين بها‏..‏ وأصحاب الحظوة منهم علي وجه الخصوص‏..‏فإما التستر عليهم لتمرير الجريمة بالكامل ‏ـ ويكفي علي الخبر ماجور ـ أو بالأحري مجرور‏..!‏  أو تشكيل لجان ملاكي داخلية لاثبات أي من تهمتي الجهل‏/‏ أو الاضطهاد علي أعضاء اللجنة العلمية ذاتها التي اكتشفت جريمة السرقة‏.‏ أوالاضطرار في النهاية ـ وبعد مسلسل رديء من المماطلات ـ ومن خلال مجالس التأديب اياها لتوقيع عقوبات هزلية شكلية أقرب الي الطبطبة والدلع مع تأخير الترقية لمدة عام‏..!‏  وهوالأمر الذي لايتناسب علي الإطلاق ومستوي بشاعة تلك الجريمة المخلة بالنزاهة والشرف‏,‏ والتي يتساوي بمقتضاها ـ وياللسخرية ـ اللص المنحرف مع غيره ممن رفضت ترقيتهم لأسباب لاعلاقة لها بعدم الأمانة العلمية‏..!‏ ولتصبح بذلك جامعاتنا المنارات التربوية الرائدة وكأنها تقدم تسهيلات وحوافز وضمانات لتشجيع السرقات العلمية واللصوص‏..,‏ فإما صابت وتمت الترقية كما يحدث في أغلب الأحيان‏..‏ أو يتم التأجيل لفترة ..
 
في مؤتمر هام نظمته كلية الآداب بجامعة القاهرة عام 2000 تحت عنوان " ميثاق شرف للأعراف والقيم الجامعية " قدم القائمون على تنظيمه مقترحات هامة أذكر منها :
الالتزام بالأمانة العلمية في البحث والتأليف والنشر باعتباره تجسيداً حياً للقيم ولأخلاقيات البحث العلمي بما لا يتعارض مع المقدسات والثوابت .
البعد عن التكرار والاجترار ، وتنمية روح الابتكار والإبداع .
تحري الحقيقة العلمية والدفاع عنها من أهم واجبات عضو هيئة التدريس ، وبالتالي يلتزم عضو هيئة التدريس بالبعد عن الغش والتدليس والكذب ، وكل ما يحول دون الوصول إلى هذه الحقيقة . 
عضو هيئة التدريس مؤتمن على البيانات الخاصة بالبحث ، وهو مسئول عن الحفاظ على خصوصيتها وتأمينها ضد الانتهاك .
مواصلة البحث العلمي على امتداد الحياة الأكاديمية لعضو هيئة التدريس بحيث لا يرتبط إجراء البحوث بالتقدم للترقية .
 
فهل من تفعيل لمثل هذه التوصيات ياهوووه ؟!!!

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter