الأقباط متحدون - التنويم المغناطيسي ودوره في تجنيد مقاتلين وذئاب منفردة في صفوف داعش
أخر تحديث ١٩:٠٠ | الجمعة ٩ سبتمبر ٢٠١٦ | نسئ ١٧٣٢ش ٤ | العدد ٤٠٤٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

التنويم المغناطيسي ودوره في تجنيد مقاتلين وذئاب منفردة في صفوف داعش

التنويم المغناطيسي أو التنويم الايحائي
التنويم المغناطيسي أو التنويم الايحائي
 ميشيل حنا الحاج
التنويم المغناطيسي أو التنويم الايحائي كما يسميه البعض، هو قضية علمية معترف بها، وبات  يستخدم أحياناعوضا عن التخدير لدى اجراء عمليات جراحية طفيفة. و قد تم اجراء أول عملية لاستئصال ورم من الحنجرة بالتنويم الايحائي (المغناطيسي) عوضا عن  التخدير، من طرف الطبيبة المغربية "أسماء خالد"، وذلك بالمستشفى الجامعي بباريس (أبريل 2014). و قصدت الطبيبة باللجوء الى هذا الأسلوب، حفظ الحبال الصوتية للمريضة التي تعمل كمغنية، وقد تمت العملية بنجاح.. 
 
وعرف التنويم المغناطيسي منذ قديم الزمان. وتقول الويكيبديا أنه واحد من مباحث علم النفس، وأول من استخدمه هم المصريون القدماء ثم اليونانيون فالبابليون. ولكن أعاد الطبيب السويسري فرانز انطوان ميسمر اكتشافة في العصر الحديث، في القرن الثامن عشر، عندما استخدمه لتخدير مرضاه. وقد أعتقد الناس أن ما يفعله "ميسمر"، هو نوع من السحر والشعوذة،  فقامت المنظمة الطبية في فيينا  بحرمانه من عضويتها.
 
 وجاءت اكتشافات التنويم المغناطيسي الرئيسية في عام 1842 عندما بدأ "جيمس بريد"(James BreEd ) البحث لمعرفة المزيد عن آثاره. وتضيف الويكيبيديا أنه، أي (James BreEd)،  غالبا ما يطلق على انه  "والد التنويم المغناطيسي الحديث". وقال "بريدي" أنه لا يعتقد أن غيبوبة أحدهم  بسبب حالة  mesmerism، (مريض بما يسمى بالعامية بالنقطة التي تؤدي أحيانا الى التخشب الجسدي)،  يكون سبب غيبوبته هو التنويم المغناطيسي. وأوجز في النهاية أنه يعتقد أن تلك الغيبوبه، لم تكن إلا "النوم العصبي". وميز بذلك الفارق بين حالة "التخشب" وحالة التنويم المغناطيسي. وفي عام 1843 نشر الدكتور "بريد" كتابا حول هذا الموضوع  باسم   Neurypnology.
 
وقد لعب التنويم المغناطيسي لآلاف السنين، دورا كبيرا في مجال الشفاء والمداواة. وحسب "منظمة الصحة العالمية"، فان 90% من عامة الناس، قابلين للتنويم الإيحائي. فمثلا عندما تكون مستلقيا امام التلفاز، كماتقول الدراسة، وفجأة تجد نفسك تغط في النوم دون إرادتك. فهذه الفترة التي تكون قبل النوم والتي يكون فيها جسدك في كامل إسترخائه، هي التي تسمى بالتنويم. ففي هذه الحالة، أنت نومت نفسك بنفسك، كما يقول بعض الدارسين لهذا المضمار من العلم. 
 
وهذه الفترة، كما تذكر الويكيبديا"، هي التي يستغلها المعالجون النفسيون لترسيخ شيء ما بعقلك اللاواعي...وذلك عن طريق الايحاء لك الذي هو ركن التنويم المغناطيسي.
وفي العصر الحديث، ذهب البعض الى حد القول أن التنويم المغناطيسي يستخدم في القضايا السياسية أيضا. اذ يقول Ralph Benko في دراسة له عنوانها: "هل دونالد ترامب، هو من سياسي تنويم الجماهير مغناطيسيا"...يقول "أن المرشح الأميركي دونالد ترامب يبدو وكأنه يستخدم التنويم المغناطيسي للتأثير في جمهور مشاهديه". ويدعي  "سكوت آدامز" (Scott Adams) أن "ترامب" هو سيد السحرة، ويستخدم التنويم المغناطيسي للتأثير في مشاهديه. ورأى أحدهم أن هذه وجهة نظر تستحق التوقف عندها. فدونالد ترامب" على أرض الواقع، كما يدعي البعض، يستخدم تقنية أو تكتيكا لا يمكن تمييزه عن التنويم المغناطيسي". وقد تكون هذه الأقوال، من باب توجيه النقد للمرشح دونالد ترامب، أو من باب الدعاية الايجابية له، بتصويره على أنه ذو قدرات خارقة.
ولكن دراسة نشرها مركز الدراسات الدولية بعنوان "دراسة حول التطرف العنيف(أو نحو لعنف)"، ذكرت بأن الدولة الاسلامية "داعش"، تستخدم أساليب التنويم المغناطيسي لتجنيد مواطنين من أوروبا في صفوفها. وتقول الدراسة أن "صورة تساوي الف كلمة".  وتضيف الدراسة أن هذه "حقيقة استوعبتها الدولة الاسلامية وتنظيم القاعدة، واستخدمتها في محاولاتها لتجنيد شباب لينضموا الى صفوفها". ولذا لجأت الى اصدار العديد من الصور والبوسترات التي تدعو كلها لتبني دعوة الدولة الاسلامية. وتفسر الدراسة المذكورة قولها ذاك، بأن "الصور تتكلم بشكل مباشر مع عقولنا". فهي تتجاوز الأعصاب، كما تقول الدراسة المذكورة، وتمر متجاهلة أي تفكير عقلاني. "فهذه الصور وما يرافقها من قول أو حديث او خطابات عبر الانترنت وقنواتها الاعلامية، "فيه ايحاء يكاد يبلغ مرحلة التنويم المغناطيسي"، الذي هو علم مبني على الايحاء.
 
ويذكر مركز الدراسات الدولية في دراسته حول التطرف العنيف، بأن الدولة الاسلامية ومثلها تنظيم القاعدة اللتين بنتا دعوتهما للجهاد على أسس من بعض الآيات القرآنية وأحاديث الرسول (ص)، كانت تطلق عبر قنواتها الصوتية على الانترنت، دعوات متكررة لتبني أفكارها. وكان أكثر المتحدثين قدرة على التأثير بصوته المتميز وقراءته المؤثرة، هو "أنور العولقي" ، من قياديي القاعدة،  والذي مكث حتى يوم اغتياله، يطلق دعواته الصوتية الموجهة للمسلمين في الغرب، داعيا اياهم الى الجهاد. فصوته الناعم ذو القدرة الايحائية والموجه باللغة الانجليزية لمن يتكلمون اللغة الانجليزية، كان له تأثر كبير في اقناع البعض لتشكيل مجموعات ارهابية، ويعتقد أنه كان من بينها ما يعرف بمجموعة "تورنتو -18" المكونة من  16كنديا وأميركيان، والتي خططت لتفجير شاحنة ملأى بالمتفجرات في أحد ضواحي تورنتو، كما خططت لاقتحام البرلمان الكندي وقطع رأس رئيس وزراء كندا أمام أعضاء البرلمان، كما تقول الدراسة التي أعدها المركز الدولي لدراسة التطرف العنيف.
 
  ويضيف المركز المذكور، أن عدة مجموعات ارهابية أخرى كانت متأثرة بخطابات العولقي الايحائية، ومنهم النيجيري "عمر فاروق عبد المطلب" الذي حاول في عام 2009،  اختطاف طائرة كان ينوي التوجه بها نحو مدينة ديترويت الأميركية في ليلة عيد الميلاد، لتنفيذ عملية ارهابية كبرى. فالارهابي عمر فاروق، كان شديد التأثر بخطابات أنور العولقي كما تقول الدراسة.  ومثله أيضا الأخوان "تانزاييف" اللذان نفذا التفجير في بوسطن في عام 2013 ، واعتبر عملهما من أول أعمال ومنجزات الذئاب المنفردة. فهذان الأخوان، كما كشف التحقيق مع ألأخ منهما الذي بقي حيا وخضع لمحاكمة على عمله، بأنهما كانا شديدا التأثر بخطابات أنور العولقي وبصوته الداعي للجهاد بنبرة ايحائية مؤثرة. ومثلهما كان "أنور حسن"، وهو طبيب نفسي يعمل في صفوف الجيش الأميركي. اذ أنه هو أيضا كان متأثرا جدا بخطابات العولقي، بل وبات على اتصال مباشر معه عبر الايميل، الى أن نفذ المذبحة الكبرى التي وقعت في معسكر "فورت هود" بتكساس، وذهب ضحيتها عدد من الجنود الأميركيين.
 
 وهنا يرجح الاحتمال أيضا بأن تكون الذئاب المنفردة العاملة سواء في أوروبا أو أميركا أو استراليا أو كندا، هي أيضا تتحرك متأثرة بخطابات مشابهة لخطابات أنور العولقي والذي حل محله بعد مقتله، أكثر من متحدث بارع قادر على التأثير الايحائي، بل وعلى غسل أدمغة مستمعيه، ليقدموا بعدها على الانطلاق نحو تنفيذ عملية ما. ورغم أن أولئك غالبا ما يعملون بشكل منفرد بعيدا عن الاتصال بالدولة الاسلامية، لا يستبعد البعض أن بعضهم ربما يتم اللجوء الى استخدام الهاتف الخلوي للاتصال بهم اذا ما تم التعرف الى توجههم الاسلامي المتشدد والى اعتناق أفكار الدولة الاسلامية.
 
وهناك عدة أفلام سينمائية هوليوودية المصنفة ضمن أفلام الاثارة والغموض، قد ظهرت في الماضي وترجح لاحتمال استخدام الهاتف كوسيلة للتنويم المغناطيسي وتوجيه من يخابرونه هاتفيا لتنفيذ عمل ما. لكن الدكتور مونتغومري ينفي احتمالات استخدام الهاتف الخلوي أو غيره من الهواتف، كوسيلة للتنويم المغناطيسي الايحائي. ففي مقال كتبه "توم هاريس" اقتبس فيه قولا للدكتور مونتغومري مفاده بأن الادعاء بأن الانسان يمكنه أن ينوم نفسه مغناطيسيا باستخدام هاتفه الخلوي I-PHONE  هو ادعاء غير صحيح وبمثابة الدعاية الجوفاء وخداع للنفس.
 
ومع ذلك لا يستطيع أحد تحديد الكيفية والأسباب التي تدفع الذئب المنفرد للتحرك في يوم معين لتنفيذ عملية ما خطر على باله تنفيذها. فاذا كان للدولة الاسلامية دور في غسل دماغه واقناعه بمبادئها ودعوتها، عبر ما تبثه من خلال الانترنت من خطابات دعوية مؤثره، أو تنشره من بوسترات تترك آثارها وبصماتها في أدمغة أولئك...فان اختيار الهدف لعملية الذئب المنفرد، واختيار موعد التنفيذ بل والسلاح المستخدم، يظل كما يبدو من اختيار الذئب المنفرد نفسه، ما لم يكن هناك تدخل ما غير مباشر من قبل الدولة، ليس بالضرورة عبر استخدام الهاتف، بل عبر تحريك أحد خلاياها النائمة للتدخل والتأثير في قرار الذئب المنفرد.
 
فالذئاب المنفردة التي اعتنقت أفكار الدولة الاسلامية المتشددة، لا بد وأنها تتردد على الجوامع القريبة من مكان اقامتها. وهذا التردد المتواصل والمثابر، لا بد أن يلاحظه بعض المنتمين للدولة الاسلامية والمنتمين لصفوفها، وتواجدوا في مكان ما، كخلايا ارهابية نائمة تنتظر أوامر الدولة للتحرك في مهمة ما يكلفون بها.  فبعض هؤلاء قد يلجأون نتيجة ملاحظتهم لمثابرة أحدهم على لتردد على جامع ما، الى محاولة التأثير فيه، وتوجيهه نحو القيام بعمل ما. وقد يكون التأثير الذي ترك بصماته على الذئب المنفر، أو الشخص المتردد على ذاك الجامع،  مجرد تأثير عادي، أو معتقد ديني متشدد لنشأته في أسرة في غاية التدين، وقد يكون نتيجة الاستماع  لنهج الايحاء أو التنويم المغناطيسي، أو مجرد التأثير الناتج عن الدعوات المتكررة الصادرة عن الدولة الاسلامية من خلال الاذاعات المرئية أو المسموعة التي ترعاها تلك الدولة.  وفي حالة كهذه يكون عمل عضو الخلية النائمة والذئب المنفرد، قد تضامنا معا لتنفيذ عملية ارهابية ما. فعضو الخلية النائمة يوحي بفكرة العمل وخطواته، والذئب المنفرد يقوم بالتنفيذ دون أن يكون عالما بأنه قد تم توجيهه لتنفيذ ذاك العمل البغيض.
 
لكن ذلك يظل مجرد احتمال. فقد لا تتواجد خلايا نائمة في منطقة تواجد ذئب منفرد ما، ومع ذلك يقوم الذئب المنفرد بتنفيذ عمليته البغيضة. وفي حالة كهذه، وهي الحالة الغالبة، يظل الذئب المنفرد منفردا بتخطيطه، وفي اختيار نوعية العمل الارهابي الذي سينفذه، بل وفي اختيار السلاح المستخدم في التنفيذ، دون تدخل أحد في قراره أو في كيفية وموقع التنفيذ. وتلك هي الصفة الغالبة على هذا النوع من العمليات، مما يعني أن دور الدولة الاسلامية يقتصر على التأثير عليه بأفكارها وطروحاتها، عبر ما يسمعه منها من خطابات دينية وتبشيرية، اضافة الى بوستراتها العديدة التي تؤثر فيه وتغسل دماغه عبر الايحاء غير المباشر،
 
والذي قد يبلغ درجة ولو صغرى من درجات وأنواع  التنويم المغناطيسي عن بعد، والذي قد يكون من أكثر مؤثراته، ليس مجرد الدعوة للتشدد الديني، بل ما يرافقها من وعود بالجنة، بل وبالحوريات العذارى الاثنين والسبعين التي يوعد بها الذئب المنفرد، أو الارهابيين المنتحرين عادة، اذا ما نفذ عملية ما مناصرة ومؤازرة لدعوة الدولة الاسلامية التي ما فتقت تبتكر أساليب الايحاء والتجنيد وغسل الأدمغة البريئة، أو كانت الى حين بريئة، لكنها انجرفت أخيرا وراء النداء الذي يأتيها من مجهول...من انسان لم يلتق به قط، وقد لا يلتقيه أبدا الا في الجنة الموعودة له ولأمثاله من المضللين.
 

More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter