فى مثل هذا اليوم 2سبتمبر 1870م..
سامح جميل
شارل لويس نابليون بونابارت 20 إبريل 1808م -9 يناير 1873م، كان رئيسا لفرنسا من 1848م الى 1852م ثم إمبراطورا لفرنسا تحت اسم نابليون الثالث من 1852م الى 1870م.
لجأ الخديوي إسماعيل إلى نابليون الثالث بعد نزاع إسماعيل مع شركة حفر قناة السويس حيث طلب إسماعيل تخفيض عدد العمال المصريين بالمشروع وإعادة الأراضى التي استولت عليها الشركة للحكومة المصرية، وقال مقولته الشهيرة: (أريد القناة لمصر، لا مصر للقناة)، واضطر إسماعيل للجوء إلى نابليون الثالث الذي أصدر حكماً جائراً على مصر بدفع 3.5 مليون جنيه مصري كتعويض لشركة قناة السويس.
ولد نابليون في باريس، وهو ابن لويس بونابرت ملك هولندا وأخو نابليون الأول. حيث نفى قانون فرنسي صدر عام 1816م أسرة بونابرت من فرنسا، وقضى لويس نابليون شبابه في إيطاليا وألمانيا وسويسرا، وأصبح ربّ أسرته عام 1832م. ارتبط بمجموعات ثورية أمثال الكَربُونَاري في إيطاليا. حاول الإطاحة بحكومة لويس فيليب الملكية عام 1836م في ستراسبورج، وعاود محاولته في بولونيا عام 1840م. انظر: لويس فيليب. سجن في حصن اسمه هام عقب المحاولة الفاشلة عام 1840م. ولكنه هرب من سجنه إلى إنجلترا عام 1846م، وخلال هذه السنين كتب كتاب الأفكار النابليونية (1839م)، جاعلاً من سيرة عمه الشهير مثلاً، كما كتب انقراض الفقر (1844م)، مقترحًا العمل على وضع حد للفقر والألم. وعندما أدت ثورة 1848م إلى ظهور الجمهورية الفرنسية الثانية، رجع لويس نابليون وتم انتخابه في المجلس. وبفضل شهرته انتخب رئيسًا وفاز بخمسة ملايين ونصف المليون صوت من سبعة ملايين ونصف المليون مقترع. وأدى اليمين للجمهورية.
ان قد مضى 33 عاما على هزيمة نابليون في معركة واترلو، وخلال تلك الفترة، عاد حكم الملوك إلى فرنسا ثانية وكان آخرهم لويس فيليب، الذي كان حاكما صالحا، ففي ظل حكمه ساد السلام فرنسا وعم الرخاء، إلا إن ذلك لم يكن كافيا من وجهة نظر العديد من الفرنسيين، فقد أحسوا بالجمود في حكمه ولم يقتنعوا بتقاعسه عن الظفر بامجاد لفرنسا خارج حدودها، فما زال أكثرهم يذكر أمجاد نابليون بونابرت، في وقته كانت فرنسا من أعظم دول أوربا، كما يذكرون أنتصاراته في مارنجو، وجينا، وأوسترلتز، وأمجاده، وعندما يقارنوه بملكهم الطيب القلب فيليب والجدير بالأحترام، لكنه بعيد عن أمجاد فرنسا في عهد نابليون، لذلك أندلعت الثورة الفرنسية الثانية في عام 1848م، وأجبر لويس فيليب على مغادرة البلاد وأعلن قيام الجمهورية
.كان شارل لويس نابليون ابن أخ نابليون بونابرت، وظل طوال عمره يحلم بالملك والحصول على إمبراطورية نابولونية ثانية، يكون هو على رأسها، ولقد تورط في شبابه ببعض المغامرات الطائشة، إذ حاول مرتين القيام بثورة في فرنسا، وبعد فشلها نفي إلى أمريكا، ولكنه عاد بعد بضع سنين منطلقا من إنكلترا، ومعه مجموعة من رفاقه، وكان يأمل الأنتصار على الجيش الفرنسي بنفس الطريقة التي أنتصر بها عمه عند عودته من جزيرة إلبا. إلا أنه لسوء الحظ كان يفتقد ما لعمه من جاذبية، وأنتهت العملية كلها بالفشل، ولقد قبض عليه في الماء يسبح وهو يهرب في طريقه إلى زورقه، ولقد عاملته الحكومة الفرنسية بالحسنى للمرة الثانية، إذ أكتفت بسجنه، لكنه إستطاع الهرب من السجن بعد عدة أعوام واللجوء إلى إنكلترا.
ظل لويس نابليون في انكلترا حتى قيام ثورة شباط من عام 1848م، حيث عاد إلى فرنسا ليرشح نفسه في الأنتخابات رئيسا للجمهورية الثانية، وكان ذلك سيتقرر عن طريق إستفتاء عام، أي بأخذ أصوات الشعب الفرنسي كله، ولقد حاز لويس نابليون إنتصارا باهرا، وبفضل شهرته فاز بخمسة ملايين ونصف المليون صوت من أصل سبعة ملايين ونصف المليون مقترع، وأدى اليمين الدستورية للجمهورية، وتحول في غضون أسابيع قليلة من شخص منفي ووحيد، إلى رئيس رسمي للدولة.
ولكن واجهته عقبة واحدة وكانت له بالمرصاد، فمدة حكمه محدودة بأربع سنوات فحسب لا يسمح له بعدها بأن يتقدم للترشيح ثانية، ولما قاربت السنوات الأربع تمامها، قرر نابليون الثالث أن يستولي على السلطة بالقوة، (أي بمعنى قلب نظام الحكم)، ففي شهر كانون الأول من عام 1851م، أستيقظ سكان مدينة باريس في الصباح ليجدوا الملصقات تملأ الشوارع بالبلاغات، وليجدوا العديد من رجال الحكم ذوي الشأن والرفعة في السجون، فنشبت مقاومة وقتال وتلا ذلك قمع هذه المقاومة وزج رجالها في السجن.
وبعد عام من قلب نظام الحكم أعيد الأستفتاء وقرر الفرنسيون أن يصبح نابليون إمبراطورا ولقب بنابليون الثالث، إذ أعتبر أن إبن عمه كان الامبراطور الثاني والذي توفى قبل ذلك بعشرين عاما وكان إمبراطورا رسميا لعدة أيام.
وفي أعوامه الأولى ولكونه إمبراطورا، استحوذت عليه أفكارا لتقدم البلاد، وتحسين الاوضاع الاجتماعية في فرنسا، حيث قام بتكليف مجموعة من الاقتصاديين والسياسيين ومنهم الإقتصادي الفرنسي فريدريك ليبلاي في تحسين الوضع الاجتماعي والإقتصادي للبلد وعينه مستشارا اقتصاديا للدولة، وكان لذلك الأثر الكبير في تحسن الوضع الاقتصادي والاجتماعي لفرنسا. وكذلك أزيلت مساحات شاسعة من الأحياء القديمة، وتم مد خطوط السكك الحديدية، وتم إنشاء دائرة للبرق والبريد، وبلطت الشوارع وأنشئت الطرق الجديدة، ولقد أرسيت قواعد الخطط لإعادة بناء مدينة باريس لتصبح أروع عواصم أوربا، حيث تحل الطرق الواسعة المزدانة بالأشجار محل الشوارع الضيقة التي كانت من قبل، ولقد أصبح بلاط الأمبراطور بالذات رائعا وقد تصدرت القصر الامبراطورة أوجيني، فضرب في جمال القصر وروعة بناءه المثل في قارة أوربا.
1854الامبراطور نابليون الثالث يبني فيلا صيفية لزوزجته الامبراطورة اوجيني في بياريتز.
ولكن هذا لم يكن كافيا كما كان يدرك ذلك نابليون، وحتى يوطد مكانته ومركزه كامبراطور كان عليه أن يظفر بالمجد لنفسه ولفرنسا خارج حدود البلاد، وكان ذلك ما قاده إلى الكارثة. ولكنه أحرز نجاحا في بداية أمره.
حيث أنضم إلى بريطانيا لقتال روسيا في حرب القرم، وبالرغم من حالة الفوضى التي سادت العمليات الحربية في حرب القرم، إلا أن نهايتها كانت في صالحه، وأنتصر في الحرب، ولأول مرة منذ أربعة عقود من الزمان تتذوق فرنسا طعم المجد والانتصار الحربي.
انت المغامرات التالية لنابليون الثالث خارج حدود بلاده أقل نجاحا، ففي إيطاليا كانت تحدوه رغبة عارمة لمعاونة أولئك الأيطاليين الذين يتطلعون للتخلص من الحكم النمساوي لبلادهم، والعمل على وحدة المقاطعات الايطالية كلها في دولة موحدة، ولكنه اذا فعل ذلك أزعج البابا وجميع المسيحيين الكاثوليك الفرنسيين، وأخيرا قرر بطريقة مريبة أن يساعد الايطاليين في باديء الأمر ثم تخلى عنهم فجأة، وهكذا لم يحرز نابليون رضاء أحد، وبالتالي صنع لنفسه مزيدا من الأعداء.
وكانت مغامرته الخارجية التالية أبلغ شؤما، إذ قد وضع خطة لإقامة إمبراطورية فرنسية في المكسيك، وكان المكسيكيون يرفضون ذلك، كما ان الولايات المتحدة ثارت غاضبة، ولكن لأنشغالها بالحرب الأهلية، لم تستطع التدخل قبل مضي بضعة أعوام. وحتى ذلك الحين كانت الجيوش الفرنسية قد حققت انتصارا زاهرا، بيد ان نابليون كان يدرك تماما أنه لن يستطيع مواجهة جنود الحرب الأهلية المتمرسين في القتال بالمعارك، وأصدر الأمر لجيشه بالعودة إلى البلاد، تاركا الرجل الذي نصبه نابليون إمبراطورا ليتدبر أمره، وعندما قتل ذلك الرجل بعد بضعة أعوام أحس نابليون بالأسف والندم على تصرفه الفاشل.
الخطر من بروسيا:
أصبح سقوط نابليون الثالث حينئذ وشيك الحدوث، ذلك أنه يعاني قبل ذلك من مرض معين، كما أن معارضيه في فرنسا كانوا يزدادون قوة أكثر فأكثر، وفي الخارج ضعف سلطان فرنسا بعد الفشل في إيطاليا والمكسيك، وكان من الواضح أنه لو بدا خطر جديد فإن فرنسا لن تكون مستعدة للتصدي له، وربما كانت غلطة نابليون الثالث أنه لم يرى ذلك الخطر إلا في وقت متأخر جدا.
كانت دولة بروسيا حينئذ ولعدة أعوام تزداد قوة في ظل حكم بسمارك (المستشار الحديدي)، وبدا أن حربا توشك أن تنشب بين بروسيا والنمسا، فأسعد ذلك نابليون كثيرا، إذ خيل إليه أنها ستكون حربا طويلة تنتهي بإنهاك قوى الطرفين، ومن ثم تصبح فرنسا القوة المتفوقة في قارة أوربا، ولكن الحرب لم تستمر سوى سبعة أسابيع، فقد تم سحق جيوش النمسا، ثم توجهت الجيوش والمدافع البروسية نحو فرنسا.
وأراد الداهية بسمارك أن يخوض الحرب مع فرنسا، ولكنه أراد التأكد من انه عند وقوعها ستكون فرنسا في عزلة وحيدة بلا حليف يساندها، كما أراد بسمارك أن تبدو فرنسا كما لو أنها هي التي أعلنت الحرب على بروسيا وليس العكس، وبمزيج من الدهاء والخداع إستطاع بسمارك أن يحقق أهدافه، فلقد أمكن توريط نابليون الثالث في موقف أصبح عليه فيه أن يعلن الحرب على بروسيا عام 1870م، وأصبح بسمارك على يقين من أن أحدا لن يسارع لنجدة فرنسا، وذلك حين كشف النقاب عن خطاب سري في لحظة حرجة.
وتفاصيل هذا الخطاب السري الذي أظهره الداهية بسمارك حيث لم ينقص لإشعال هذه الحرب إلا شرارة صغيرة. وقد حدث ذلك في سنة 1870 حين عرض على الأمير ليوبولد أمير هوهنتسولرن وزيجمارينجن أن يعتلي العرش الإسباني، الذي كان قد شغر منذ ثورة عام 1868 في إسبانيا. ولقد عارضت فرنسا الترشيح وطالبت بضمانات لكى لا يعتلي أحد من آل هونتسولرن العرش الإسباني. ولدفع فرنسا إلى إعلان الحرب على بروسيا تعمد بسمارك في الرابع عشر من تموز (وهو يوم الباستيل والعيد القومي للفرنسيين) نشر الحوار بين الملك فيلهلم والسفير الفرنسي في بروسيا الكونت بنيديتي، فغير بسمارك نص الخطاب السري وقال ان ملك ألمانيا يرفض لقاء السفير الفرنسي وهنا كانت الشرارة التي اشعلت الحرب الفرنسية الألمانية.
وعلى أثر ذلك حشدت فرنسا جيوشها وأعلنت الحرب في التاسع عشر من تموز (أي بعد خمسة أيام). فبدت بمظهر المعتدي أمام الأمراء والملوك الألمان، فاندفعوا بنداء الوطنية والقومية إلى الاتحاد والتحالف مع بروسيا ضد فرنسا.
نهاية الأمبراطور:
معركة سيدان وأسر نابليون بيد القوات البروسية
لم تستمر الحرب طويلا، إذ أن الجيش الفرنسي كان في حالة يرثى لها، وغير متأهب للقتال، وأسلحته قديمة نسبيا وبطل أستعمالها مقارنة مع الأسلحة البروسية والكفاءة العالية للجنود البروسيين، وبمدافعهم الحديثة المصممة للتعمير أو التجهيز من الخلف، وبإستخدامهم العلمي لخطوط السكك الحديدية، وخلال أسابيع قليلة، كان الجيش الفرنسي محاصرا في موقعة ميتز فتحرك نابليون لنجدته، لكن الجيش الفرنسي هزم شر هزيمة في سيدان، وتم أسر نابليون، وأنتهت الحرب في أشهر قليلة، وبعد أن أمضى نابليون فترة قصيرة بالسجن في ألمانيا، عاد مرة أخرى إلى إنكلترا التي أحتضنته قبل أيام المجد فترة من الزمن وبقي فيها حتى وافته المنية أثر مرض معين.
وفاته:
توفي الإمبراطور نابليون الثالث في إنكلترا وهو يعاني من مرض أصابه، في 9 كانون الثاني/ يناير 1873م...!!