لم يفوت الدكتور حسام بدراوى واقعة تكريم المعلم ياسر محمد رشاد من قِبَل وزارة التربية والتعليم بشهادة استثمار بثلاثين جنيها تُستحق بعد عشر سنوات، وقيل فى رواية أخرى عشرين سنة، وكنت اعتبرتها نوعا من «الامتهان» بدلا من «الامتنان» للمعلم، الذى تفوق فى المراجعة البيئية على نظرائه فى 54 ألف مدرسة فى عموم القطر المصرى.
وحاول الدكتور الهلالى الشربينى، وزير التربية والتعليم، التنصل من الواقعة، والتهرب من المسؤولية عن «شهادة الإهانة»، فى بيان، باعتبار أن الواقعة جرت فى عهد الوزير السابق عليه (فى أغسطس 2015)، وتخارج بالكلية من تداعيات الواقعة بإسنادها إلى مديرية التعليم فى الشرقية، وللأسف لم يذهب من فوره إلى تكريم المعلم بشكل لائق، وأن يستقبله فى مكتبه. تركه لحال سبيله يشكو حاله لحاله ويغنى على مواله، تخيل بيان الوزارة صدر خلواً من اسم المعلم، أشار إليه بالمعلم المذكور، وكأنه نكرة!!.
الواقعة المهينة تؤشر على حال المعلمين فى مصر، وواقعهم المرير، وكيف تنظر إليهم الحكومات المتعاقبة، وتدنى مستواهم المعيشى إلى حدود دنيا لا تساعدهم على بناء الصرح التعليمى المنشود، يقينا كلنا، كل المهن تعانى، والمعاناة ليست وليدة اليوم، وحصاد عصر كامل من الانهيار فى البنية المؤسسية للدولة المصرية، ولكنها واقعة تحمل نذر انهيار كامل فى العملية التعليمية التى يمثل المعلم عصبها الرئيس.
تلقيت هذه الرسالة من الدكتور حسام بدراوى، الذى يُعد من كبار خبراء التعليم فى مصر، ويروى واقعة ذات دلالة، وتجيب عن سؤال كيف ينظرون للمعلم هناك وكيف ننظر إليه هنا، فارق كبير، ونصا يقول:
وأنا فى ألمانيا مع زوجتى التى كانت تُجرى عملية خطيرة فى القلب منذ أشهر، جلست مع الجراح الذى أجرى العملية أسأله عن حال الأطباء وعن التعليم الطبى، وأثناء الحديث حكى لى أنهم كأطباء رفعوا مذكرة إلى البرلمان الألمانى، طالبين رفع مرتباتهم، وأنه وقّع على المذكرة مع نقباء التخصصات الطبية المختلفة، فسألته عن متوسط مرتب الطبيب، فقال إنه فى حدود 7 آلاف إلى 9 آلاف يورو شهريا، فقلت له: وانتم عاوزين ترفعوه لكام، فأجاب بأن طلبهم أن يتساووا مع المدرسين، لأن المدرسين هم أعلى مرتبات فى الدولة، وأعلى مرتب فيهم هم مدرسو الحضانة والابتدائى.
وقال لى إن متوسط دخل المواطن الألمانى هو 35 ألف يورو فى السنة، أى أن دخل الطبيب المتخصص، الذى يصل إلى حوالى 96 ألف يورو فى السنة، هو أكثر من ضِعف المتوسط العام لمتوسط الإيراد، وإنهم كانوا يرغبون فى التساوى مع المدرسين، الذين يزيد متوسط أجورهم عن ذلك.
وهنا سألته: وماذا حدث لطلبكم؟ فقال إن المستشارة الألمانية ميركل قابلتهم وعاتبتهم، بل هزأتهم، قائلة: عيب عليكم shame on you أن تطلبوا أن تتساوى مرتباتكم مع الذين علموكم، وكل واحد فيكم يعلم أن مستقبل ألمانيا مرتبط بمدرسيها، وأن ذلك مفتاح تقدم البلاد، وكل واحد فيكم عليه أن يخرج ويسأل عن مدرسيه، الذين لولاهم ما كُنتُم فى وظائفكم ومراكزكم!
قال لى الرجل إنه شعر بالعار من طلبه، وتمنى لو كان يستطيع محو توقيعه من الوثيقة لأن ألمانيا تدين بالفضل فعلاً لمدرسيها.
المدرس هو قلب تطوير التعليم، ويستحق فعلاً التبجيل، ولكن أيضا عليه التزام جبار، هو أن يكون القدوة والمثل فى العلم والعمل والإتقان والحداثة والمعرفة، ومَن يكن كذلك فمن حقه أن يكون أولوية بلده.
أكتب لك ذلك وأنا أعلم أن فى مصر كثيرين ينظرون بدونية للمدرس المصرى، الذى لا أعتب عليه بقدر ما أعتب على نظام تعليمى أدى إلى حاله وحال مدرسته.
يا سيدى دعنى أقل لك حكمة تعلمتها بخبرتى: لا يعلو مستوى تعليم فى أى بلد فوق مستوى مدرسيه، ومستوى المدرس هو مسؤولية الدولة ونظامها ومعاييرها فى اختياره وتدريبه ومتابعته ليرتقى باستمرار.
نقلا عن المصري اليوم