كان هناك رفض لا يخفى على أحد لقانون بناء الكنائس الذى تمت الموافقة عليه من مجلس النواب فى ساعات قليلة بعد أن وافقت عليه الكنيسة ثم عادت واعترضت عليه ثم بعد مباحثات وضغوط عادت ووافقت عليه وسط موقف واحد للمجتمع المدنى، جمعيات وهيئات وروابط وأحزاب سياسية وشخصيات عامة مهتمة، من رفض للقانون من منطلق أنه لا يرسخ للمواطنة ولا يرسى المساواة.. ما يجرى فى البرلمان ليس بخافٍ على أحد سرعة فى إجازة القانون ورفض لمناقشته مناقشة جدية وسط موقف لافت من معظم النواب الأقباط فى عدم مناهضة القانون الذى يعلمون جميعا أنه سيرسخ للأوضاع السيئة القائمة بل وسيغلق الباب فى إمكانية التوصل لقانون حقيقى يمنح الحقوق، وباستثناء نادية هنرى وعماد جاد، خضع النواب الأقباط ولم نسمع لهم صوتا، إما انتماء للكنيسة التى وافقت أو انتماء للدولة التى تريد تمرير القانون، وكان هذا هو الرد على السؤال الذى طالما طرح منذ زيادة عدد النواب الأقباط فى مجلس النواب بالذات بهذه التشكيلة التى جاءت بمعظمهم، إما من دعم مصر أو من باب التعيين بقرار رئيس الجمهورية.
هذا المشروع يفضح الكثير وليس فقط دور النواب الأقباط فى البرلمان بالذات فيما يخص القضية القبطية فهو يفضح وبشكل فج طريقة تعامل الدولة مع قضايا المواطنة ومدى إيمانها الحقيقى بها.. وأدلل على ذلك هنا بما صرح به المستشار عدلى حسين، المحافظ السابق، فى مؤتمر تنسيقية المواطنة، الذى عقد على هامش مناقشة مشروع القانون، حيث حاول أن يرد على من طالب فى المؤتمر من المسيحيين والمسلمين بقانون موحد لدور العبادة للمساجد والكنائس معا، موضحا بشكل تحذيرى أن هذا يفتح الباب لكى يطالب اليهود ببناء معابد لهم أو أن يطالبوا بفتح معبدهم الكائن بشارع عدلى، وبصرف النظر عن أن لليهود معابد كثيرة مغلقة لا تستخدم لأن عددهم لا يتعدى «رجل وست ستات» على طريقة المسلسل، فلا حاجة لهم ببناء معابد جديدة كما أنه ماذا إذا ما طالبوا بفتح المعبد المغلق وهل يتصور سيادة المحافظ رجل الدولة أن من يوافقون على بناء الكنائس سيرفضون بناء المعابد أو إعادة فتح المغلق منها؟ على أساس أن المواطنة يجب أن تطبق على المسيحيين وحدهم دون غيرهم؟ إن من يطالب بإقرار الحق يطالب به لكل مصرى بصرف النظر عن دينه أو عقيدته.
على نفس المنوال صرح الأنبا «بولا»، فى حوار له مع مصطفى بكرى حول أسباب تنازله فى لجنة الخمسين التى أعدت الدستور عن قانون موحد لدور العبادة وقبوله لقانون بناء الكنائس بقوله: «سوف تقول قانون دور عبادة موحدا سيجد معارضة هل سيقبل أخى المسلم أن تبنى المساجد بنفس شروط الكنائس وإذا قلت قانونا موحدا لدور العبادة ألا يفسح هذا مجالا للشيعة أن يطالبوا بدور عبادة طالما سميته قانون دور عبادة موحدا، هذا هو رأيى الشخصى»، وبصرف النظر عن مسألة الرأى الشخصى من حيث إن هذا الرأى هو الذى تحكم فى صياغة الدستور ونصه على قانون لبناء الكنائس بدلا من قانون موحد لدور العبادة بعد رفض الأزهر إلا أن كلا الرأيين يوضح مفهوم المواطنة وإقرار الحقوق لدى من يمثلون الدولة المصرية سواء كانوا من رجال السلطة التنفيذية أو ممثلين للمؤسسات الدينية، فالمسلم يحذر المسيحى من مطالبات اليهود، والمسيحى يخشى من مطالبة الشيعى بحقه ثم بعد ذلك يتحدثون عن المواطنة، التى هى فى نظرهم لهذا وليست لذاك، والتى هى قائمة على اعتراف رجل الدولة المسلم بحق الأقباط دون اليهود وهى فى نظر رجل الدين المسيحى ليست من حق الشيعى الذى لا تعترف به الدولة المصرية.
هل يبدو هذا غريبا أو منتقدا فى دولة يحاسب فيها المواطن على رأيه المختلف بل وقد يدفع ثمن هذا الرأى من حريته.
هل يبدو هذا غريبا أو منتقدا أم أن ما قيل من أن الدستور قد كتب بحسن نية كان يعنى أن الدستور أراد أن يمنح الحقوق كاملة ومنها حق ممارسة الشعائر الدينية إلا أن الدولة تريد أن تقوم بالقبض على المواطن الذى يصلى فى بيته متى أرادت ذلك؟
نحن أسرى دائرة جهنمية من تملك الحق مرة باسم الدولة ومرة باسم الأغلبية ومرة باسم المتشددين، ومن يملك الحق يمنحه أو يمنعه طبقا لهواه ورغباته.
نقلا عن المصري اليوم