الأقباط متحدون - أزمة بوركينى أم أزمة حرية؟
أخر تحديث ٠٠:٥١ | السبت ٢٧ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ٢١ | العدد ٤٠٣٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

أزمة بوركينى أم أزمة حرية؟

وفاء صندى
وفاء صندى

أثارت صور السيدة الفرنسية المسلمة، التى تم خلع ملابسها من طرف الشرطة الفرنسية فى شاطئ نيس، بداية الأسبوع الماضى، غضب الكثيرين، مسلمين وغير مسلمين، ممن استغربوا رد فعل دولة تحمل شعار الحرية، وتنكره على مواطنيها من أصول عربية.

فرنسا تقول إن «البوركينى» مخالف للقوانين، وبداعى كون الشواطئ تدخل فى الفضاء العام المشترك، ويجب أن تكون خالية من المظاهر الدينية، وأن لباس البحر الإسلامى يُعد «ترجمة لمشروع سياسى ضد المجتمع مبنى خصوصاً على استعباد المرأة»، مما دفعها إلى انتهاك حرمة سيدة اختارت لنفسها لباساً معيناً للبحر، وصادرت حقها فى الاستمتاع بأشعة شمس نيس بالطريقة التى ترتضيها لنفسها، واعتدت على حريتها التى جرّدتها منها أمام عدسات الكاميرات وتحت تصفيقات الفرنسيين الحاضرين!.

أما مصممة البوركينى، أو كما يحلو للبعض تسميته «زى البحر الإسلامى»، أهيدا زناتى، الأسترالية من أصل لبنانى، فإنها تقول «إن فرنسا لا تفهم سبب ابتكار البوركينى، وإن هذا اللباس ابتُكر لمساعدة المرأة المحجّبة على الاندماج فى المجتمع الأسترالى»، كيف؟ ترد «أهيدا» قائلة: «فى الصيف، تشهد أستراليا الكثير من المسابقات الرياضية التى تُنظم على الشاطئ، لذلك ابتكرت هذا اللباس لأسهل على المرأة المحجّبة أن تشارك فى هذه المسابقات وتستمتع بأجواء الصيف دون أن يكون التزامها بلباس معين عائقاً».

إن الأزمة ليست أزمة فهم معنى «البوركينى» بقدر ما هى أزمة حرية تعيشها فرنسا. فرنسا التى اكتوت فعلاً بنار الإرهاب خلال السنتين الماضيتين، وربما تمر بواحدة من أسوأ مراحلها، بعدما اخترقت مخططات «داعش» وذئابها المنفردة، أجهزتها الأمنية، لكن يجب امتلاك القدرة على الاعتراف بأنها تتخبّط فى قرارات عشوائية، بدلاً من أن تطرح السؤال الأساسى الذى يُشكل مفتاح حربها ضد الإرهاب، وهو: لماذا يستهدف الإرهاب فرنسا، وأوروبا عموماً؟.

إن مجرد التمعُّن فى هذا السؤال سوف يكشف مجموعة من الإخفاقات التى لا تريد فرنسا الاعتراف بها فقط، وإنما تكرر الأخطاء نفسها مرة أخرى وبصورة أكثر استفزازاً وأكثر إهانة. والبداية كانت مع ازدياد حركات الهجرة فى أعقاب الحرب العالمية الثانية، بهدف البحث عن فرص عمل، حيث شكلت دول غرب أوروبا، خصوصاً ألمانيا وفرنسا، أحد الأهداف المفضّلة عند المهاجرين.

ومع بداية السبعينات تحوّلت أوروبا إلى «حلم» بالنسبة إلى شعوب دول شمال أفريقيا الذين لجأوا إلى قوارب الموت لتأخذهم إلى شواطئ القارة العجوز، بحثاً عن «الكنز المفقود»، لتستقطب أوروبا بذلك ما يزيد على 5 ملايين عربى، وأكثر من 5 ملايين أفريقى، خلقت وضعيتهم الاجتماعية المتدنية، فضلاً عن هويتهم المختلفة عزلة بينهم وبين السكان الأصليين.

عاملت أوروبا المهاجرين إليها معاملة السيد والخادم، ولم تتجاوز هذه المعاملة حتى مع الجيل الثانى والثالث من المهاجرين الذين يحملون الجنسية الأوروبية، لكنهم لا يتمتّعون بالحقوق نفسها التى يتمتع بها المواطنون الأصليون، فالإهانة والعنصرية والإقصاء هى أهم سمات تعامل أوروبا مع أبنائها من أصول عربية. وهذا ما جعل العنف الصادر عن العرب فى المهجر له أسبابه وعمقه الاجتماعى والسياسى، فهو الابن الشرعى لسياسات العزل والإهانة والفكر العنصرى الذى لا يزال متغلغلاً فى أوروبا، رغم بريق الشعارات التى ترفعها.

أما الأسوأ فى كل ما يحدث اليوم، أن ما يقوم به بعض الأفراد الناقمين على السياسات الأوروبية يدفع ثمنه الملايين من المسلمين الذين لا علاقة لهم بالعنف، لكن اختارت أوروبا بدلاً من أن تُصحح أوضاعها معهم، أن توجه رشاشة عنصريتها وتحقيرها لهم، وتعاملهم كمتهمين لمجرد ارتدائهم الحجاب أو لبسهم البوركينى.

إن صور السيدة والشرطة تخلع ملابسها بالإكراه ستظل نقطة سوداء على جبين الحرية التى تُشكّل أحد مبادئ فرنسا. الحرية التى غالباً ما يتم النظر إليها بمعايير مزدوجة ما دام الغرب يتجاهل كون لبس المايوه أو لبس البوركينى، كما التبرّج أو الحجاب، كلها أمور شخصية وحرية فردية يجب أن تُحترم فى كل المجتمعات، وألا تكون معياراً للتمييز أو الإهانة أو الإقصاء.

على أوروبا أن تستوعب أن محاربة الإرهاب لن تتأتى بالنفخ فى فتيل التطرّف، وعليها أن تؤمن أنه لا يكفى أن تُقدّم دروساً فى التعايش السلمى وقبول الآخر ونشر ثقافة الحوار، بل عليها أن تطبّق هذه المبادئ على نفسها وتعلمها أبناؤها الذين عليهم الاقتناع بأن المهاجرين هم شريك فى الوطن، وأن الشراكة تعنى القبول بالآخر باختلاف دينه واختلاف عاداته، بدل التصفيق على إهانته.

لا يمكن أن ينخرط الغرب فى حربه ضد التطرّف والإرهاب وهو فى الوقت نفسه يمارس تطرّفاً من نوع آخر على الجالية المسلمة لديه، التى يعتبرها «مواطناً من الدرجة الثالثة أو الرابعة». وسياسات الإهانة والإقصاء والاستفزاز لن تزيد الوضع إلا تأزماً فى وقت ما أحوجنا فيه إلى التدبّر والحكمة حتى لا نترك لتجار الدين فرصة لاصطياد المزيد من الناقمين أو الحاقدين.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع