الأقباط متحدون - فى مفهوم التسامح
أخر تحديث ٠٠:٢٠ | السبت ٢٧ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ٢١ | العدد ٤٠٣٣ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

فى مفهوم التسامح

د. عماد جاد
د. عماد جاد

تُعدّ قيمة التسامح Tolerance، من القيم الإنسانية النبيلة التى تُمثّل ضرورة حتمية لغرس قيم أخرى، أبرزها قبول التنوّع والتعدُّد والاختلاف، وهى القيم اللازمة لزرع قيمة المواطنة وغرسها فى نفوس سكان دولة ما من الدول، فيحدث التوافق والتماسك الوطنى. ونظراً إلى أهمية قيمة التسامح، تجرى احتفالات فى شتى أنحاء العالم باليوم العالمى للتسامح، وهو الذى يوافق السادس عشر من شهر نوفمبر من كل عام، حسب دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة. وجاءت الدعوة، وجاء تخصيص يوم للتسامح، نظراً إلى ما يُسبّبه غياب التسامح من جرائم وعمليات قتل واعتداء تقع بحق الغير أو المختلف، سواء كان الاختلاف موروثاً من لغة وعرق ودين وطائفة، أو كان مكتسباً كطبيعة العمل ومكان السكن والطبقة الاجتماعية. ويبدو مفهوم التسامح أكثر تحديداً فى اللغة الإنجليزية (Tolerance)، ربما على نحو أكثر بكثير من المفهوم فى اللغة العربية، فالمفهوم فى اللغة الإنجليزية يحتوى على قيم قبول التنوّع والتعدّد والاختلاف طوعياً وإرادياً، بينما المفهوم فى اللغة العربية، وتحديداً فى المفهوم الدارج فيه ما يعنى المن من طرف على آخر، طرف يتسامح مع آخر فى ما يعنى «العفو عنه» والقبول بالتعايش معه، باختصار فى المفهوم العربى قدر من التعالى من جانب طرف أكبر وأقوى تجاه طرف أقل وأضعف، ومن ثم فالمفهوم فيه ما يفيد المنح والمن، هذا بينما جوهر التسامح وفق المصطلح الإنجليزى، إنما يعنى القبول الإرادى الطوعى الذى لا فوقية ولا علوية فيه.

قيمة التسامح لا تأتى من خلال الوعظ والإرشاد والتلقين، بقدر ما تكون مكوناً فى ثقافة الشعوب، صحيح أن هذه المفاهيم مثل الحرية، العدالة، المساواة، قبول التنوع والتعدّد والاختلاف والتسامح هى مفاهيم حديثة نسبياً دخلت ثقافات الشعوب على نحو تدريجى، وبعد أن دفعت شعوب العالم ثمناً باهظاً نتيجة غياب هذه القيم، لكن الصحيح أيضاً أن الأمم المتحضّرة استوعبت هذه القيم وعملت على ترسيخها من خلال حزمة قوانين وتشريعات صارمة تُجرّم التمييز والتفرقة بين المواطنين، وترسّخ مفاهيم حرية الرأى والتعبير، حرية الاعتقاد وممارسة الشعائر الدينية، وقبل كل ذلك تُرسّخ المساواة بين المواطنين جميعاً، بغض النظر عن العرق، اللغة والدين والطبقة الاجتماعية.

تكريس قيمة التسامح يأتى من خلال حزمة من الإجراءات التى تتخذها الدولة وتبدأ بالنص فى الدستور (أبوالقوانين) على المساواة بين المواطنين وعدم جواز التفرقة بينهم بسبب العرق، اللغة، الدين، الطائفة أو الطبقة الاجتماعية، ثم يجرى تحويل النصوص الدستورية إلى تشريعات صارمة تواجه بحسم جميع أشكال التمييز بين المواطنين، وبمرور الوقت سوف تتحول هذه القوانين إلى مكون ثقافى وتغدو جزءاً من ثقافة الشعب المعنى. ولا بد أن يكون واضحاً هنا أن هذه العملية لن تنجح فى الدول التى يجد نظام الحكم لنفسه مصلحة فى عرقلة قيمة التسامح حتى يوظّف قضايا الانقسام الأولى والثانوى لصالحه، يلعب على التناقضات ويحكم. خلال سياسة التوازنات، وهى اللعبة التى مارسها «السادات» ثم «مبارك».

أيضاً لا بد من ملاحظة أن قيمة التسامح تظل مجروحة فى المجتمعات التى تخلط الدين بالسياسة، فسوف تجد باستمرار أفكاراً من قبيل «شعب الله المختار وخير أمة»، وهى أفكار تعطى للمنتمين إليها من حسب رؤيتهم وقناعتهم وضعاً أفضل من ذلك المنتمى إلى المغاير الدينى، الطائفى أو العرقى، فى الوطن نفسه، بل إن جماعة الإخوان رأت فى المشابه الدينى فى أى مكان فى العالم تفضيلاً على المغاير داخل الوطن.

غياب التسامح هو أصل كل الشرور، وتكريس المفهوم ونشره يتطلب جهداً قانونياً ورقياً ثقافياً، نحن فى أمس الحاجة إليه اليوم.
نقلا عن الوطن


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع