الأقباط متحدون - بين اهتمام البسطاء ولا مبالاة العلماء!
أخر تحديث ٠٠:٥١ | الجمعة ٢٦ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ٢٠ | العدد ٤٠٣٢ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

بين اهتمام البسطاء ولا مبالاة العلماء!

 بين اهتمام البسطاء ولا مبالاة العلماء!
بين اهتمام البسطاء ولا مبالاة العلماء!

 البروتوبرسفيتيروس اثناسيوس حنين

الأنبا أثناسيوس مطران بنى سويف
"هلك شعبى من فقدان الذاكرة" 
 
نهدى هذه الدراسة الى ذكرى الاسم الحسن ورجل الاعمال المعطاء والخير والجندى المجهول وراء الكثير من أنشطة الانبا اثناسيوس والداعم الكبير للمبعوثين القبط فى الخارج ’ نقصد السيد المهندس الناجح وطيب الذكر والعظر السيرة عدلى أبادير ’ ليكن ذكره دوما مبعث سلام وخير وأمان وشهادة فى حب مصر والمصريين ’ أقباط ومسلمين. 
 
الأب الدكتور اثناسيوس حنين – اليونان 
بادئ ذى بدء نريد أن نشكر ونثنى على ما يكتبه الأحباء والاصدقاء على مواقع التواصل الاجتماعى عن شخص وشخصية وروح وروحانية الاب والانسان الفاضل مطران بنى سويف الانبا اثناسيوس ’ أثارت قصصهم الجميلة شجونا وأيقظت وبعثت ذكريات ونكئت جراحات وفجرت أحزانا وأشرقت أمالا .ان أحزان المؤرخ والشاهد ليست شخصية أو مشخصنة ولا هى نفسانية واسقاطات سيكولوجية ’ بل هى ’وعلى قدر الطاقة ’ موضوعية ووثائقية وواقعية وعيانية .لاشك ان الشعب قد عانى كثيرا من فقدان الذاكرة ’ الذاكرة التاريخية التى تحفظ للامة عافيتها وللشعب طاقته المتجددة وفى ظل غياب التوثيق والوعى التاريخى والدراسات المعمقة والموضوعية ’ لا يبقى الا اجترار الاحزان وتفخيم عقدة الاضطهاد واستنساخ الذكريات التى تقف عند حد المشاعر الطيبة والنوايا الحسنة . ولهذا راينا ان نستعير الاية الكتابية الهوشعية ونترجمها ان الشعب قد هلك من فقدان الذاكرة . الذاكرة والذكرى فى الفلسفة واللاهوت "أنامنيسيس " هى حضور الشخص أو الحادث المشار اليه حضورا حقيقيا كاملا ومكملا فى شركة ’ الذكرى ليست هى مجرد التذكار الدماغى المبتور والانتقائى والمفصل والمقصوص على مقاس الواقع الجاهل وحساباته واحقاده وحساسياته .اذ ما تعذر استحضار الماضى فى دراسات واسهار واتعاب ومصاريف واسفار ’ فعلى الاقل لا يجب طمسه وردمه وتجريفه لان هذا جريمة فى حق ذاكرة البلد واهانة لتاريخ القبط ومصر . واذا ما انطبقت هذه القاعدة على الشعب قيراطا فهى تنطبق على الباحثين والعلماء اربعة وعشرون قيراطا ’ نحن لا نشك لحيظة فى حلاوة الذكريات وجمالات ما قدمه الأحباء من ذكريات ’ ولكن تقزيم هذا الرجل العملاق فى بعض القصص التقوية والخبرات الشخصية ’ والتى نكرر أننا نجلها ونحترمها ونقدرها ’ لا يستقيم مع حجمه ودوره و نكرر أنه من الظلم الفادح أن نقزم عملاقا بهذا الحجم فى مجموعة قصص من الاعمال الصالحة بلا سند تاريخى وتوثيق علمى يخرج هذه القصص ’ على يد الدارسين والعلماء ’ الذى كان له الدور الرائد فى تعليمهم ’
 
نقول يخرج الرجل من "حارة النصارى " ويضعه على منارة " ميدان التحرير " كبذرة مخاض لاهوتى تحريرى ’وجودى ’اجتماعى وثقافى ’ هذا المخاض كغيره من مخاضات علماء وأفاضل الشرق ’ لم تجد البيئة الصحية ’ داخليا وخارجيا ’ لولادة مشروع النهضة .يشكل هذا النهج طريقة تفكير سائدة فى بلادى اذ جرت العادة فى الاوساط الدينية المسيحية خاصة على عدم قراة سير الرموز الكبيرة قراة علمية وموضوعية وذلك لتفادى النقد والشرح والأسئلة وايضاح المواقف لتنوير الشعب والراى العام وذلك بسبب مخاوف نفسانية وحساسيات غير علمية والاكتفاء والانكفاء على بعض القصص الشخصية والتى يغلب عليها الطابع التقوى والشخصى . لعل دراسة القصص الشعبية والحواديت التقوية وترجمتها فكرا ورؤية ’ مهما كان صاحبها وقائلها وناقلها ’ ليس هو عمل البسطاء من الشعب بل الشغل الشاغل للعلماء والدارسين منا . كم وكم لو أن الفضل الاول فى اعداد اولئك العلماء ’ يعود الى الانبا اثناسيوس وعلاقاته الدولية بخيرة اقباط المهجر وعلى راسهم المهندس عدلى أبادير المحترم ’ الذين أمنوا أن خير وسيلة للدفاع عن اقباط مصر هو تثقيفهم وتعليمهم ليشاركوا بانفسهم فى حركة تنوير البلاد ونهضة العباد ! ’
 
لقد رأى سيادة المطران اثناسيوس ببعد نظر كبير ووعى انسانى أن المخرج مما يحيا المصريون عامة والقبط خاصة من جهل دينى وتجهيل سياسى وتهميش اجتماعى ’ هو اعداد قادة وعلماء ’ وأن السبيل الى اعداد العلماء هو طلب العلم ولو فى الصين ’ وصيننا كانت بلاد اليونان ولقد ساهم المطران فى التشجيع وكتابة رسائل التذكية والدعم المادى والمعنوى وشكل مجموعة سماها "مجموعة الاصدقاء" من العلماء المصريين المهاجريين والذين يقدرون قيمة العلم ويحبون مصر للمساهمة فى مساعدة الدارسين والمبعوثين . وكاتب هذه السطور’ يذكر أنه كان عضوا فى بيت التكريس لخدمة الكرازة بحدائق القبة وذلك عام 1988 وبينما كانت بعض القيادات الكنسية وقتها فى مجلة كنسية شهيرة ’ تكتب لتقول " بيت تكريس بلا تكريس !" كان الاب اثناسيوس يشجعنا ويوظفنا فى الخدمة فى بنى سويف وعشنا معه وقتا قليلا قبل سفرنا لليونان ’ كنا نشاركه كل شئ مكتبته ومائدة طعامه وصالونه فى صداقة وأخوية منقطعة النظير . ولقد سافر كاتب هذا السطور الى يلاد اليونان بتشجيع ودعاء نيافته وبالتعاون الرائع مع سيادة رئيس اساقفة دير القديسة كاترينا دميانوس ’ التقى المطران القبطى والاسقف اليونانى فى أواخر القرن العشرين ’ كما سبق والتقت محبة القديس نيكتاريوس البنتابوليوس للاربعة الرهبان القبط الذين ارسلهم الى اليونان لدراسة اللاهوت فى اواخر القرن التاسع عشر ’ التقى هؤلاء جميعا على ضرورة دراسة الأباء وعلوم اللاهوت من مصادرها لعمل نهضة روحية ولاهوتية وأبائية فى بلاد أنطونيوس العظيم وأثناسيوس وكيرلس ويوحنا الرحوم .عشنا مع سيادته سنوات النهضة والتى لو كتب لها الاستمرار ’ لغيرت صورة مصر وحياة المصريين . يذكر كاتب هذه السطور مواقف مع الانبا اثناسيوس لها دلالات كبيرة على مسيرة الكنيسة فى مصر ’ ومنها أننا عشنا معه أزمة البابا شنودة مع الرئيس السادات ولا أقول أزمة الكنيسة لأنه وحسب رؤية الانبا أثناسيوس فأن الازمة كانت شخصية ومشخصنة لأن الكنيسة لا تصطنع أزمات مع الدولة لتناقض ذلك مع التاريخ والكتاب المقدس .
 
كنا نراه يجرى يمينا ويسارا ويعود مرهقا من عناء الحوارات والمناقشات وكان يعى هو والمطارنة القدامى أن الاساقفة الشباب لن يقفوا أو ينتقدوا خطة الصدام ’ بل على العكس يشجعونها بلا وعى لنتائجها !’ هذا يظهر من مساعيه للقاء السيدة جيهان السادات فى بنى سويف لتهدئة المواقف وذهابه الى وادى النطرون لتوصيل الرسالة حيث كان الاساقفة مجتمعون برئاسة البابا شنودة . حينما وصلت الامور الى طريق مسدود . جاء يوم خطاب السادات وطلب احضار تليفزيون وجلسنا معه كاتب هذه السطور وبعض التاسونات الناضجات وحينما وصل الرئيس الى قرار الغاء قرار رئيس الجمهورية بتعيين الانبا شنودة بطريركا رأيته بأم رأسى يخبط على رأسه حزنا ويصرخ بعبارة لم أفهمها ولم أسعى الى فهمها وأترك شرحها لمن هو أكفاء منى "شوية عيال ضيعوا الكنيسة "!!! أقول اترك تفسيرها للدارسين لتاريخ هذه المرحلة والذى لم يكتب بعد بيد لاهوتية قبطية –مصرية لأنهم بيحبوا يكفوا على الخبر "ماجور " ولا يعلمون أنهم يساهمون فى هلاك الشعب من عدم المعرفة ’ فى هذه الحالة تصير المعرفة فعلا "مونوفيزيتية" جديدة أى روحانية فقط ودراويشية فقط بلا ناسوت ولا تاريخ ولا دراية ولا سؤال ولا نقد !!! كان الانبا اثناسيوس يشعر بالناس وبقيمة الانسان كل انسان وكل الانسان ولقد رأيته يوما وكان ينتظر زيارة محافظ بنى سويف ’ ووصلت سيارة المحافظ ولم يكن خادم البوابة على البابا ’ قام الانبا اثناسيوس بالركض نحو البوابة وهو صغير القامة وضعيف الصحة وفتح باب المطرانية الضخم بنفسه ’ نعم بنفسه !’ ونزل المحافظ مهرولا ومتعجبا ومذهولا وهو يحتضن الرجل ويقبله ويشكره ! كنا نتعجب اذا جائه ضيف مصرى أو أجنبى يدخن السيجار أو السيجارة ’ كان يقوم هو شخصيا باحضار طفاية ووضعها أمامه . هذا ليس عمل خير أوأخلاق أو ذوق واتيكيت او تشجيع على التدخين ! ’ بل هو موقف لاهوتى نابع من أن الانسان ’ كل انسان ’ هو صورة الله بالوعد! وهو مدعوا أن يصير ابن الله بالفعل ! وأنه يحترم حرية الانسان ’ كل الالنسان وكل انسان ’ كان يؤمن بأن الانسان هو الحل!. يذكر كاتب هذه السطور فى بدايات تفرغه للخدمة فى بنى سويف فى الثمانينات من القرن الماضى وكنا نتحسس خطانا فى الكنيسة ولاحظت كلام هنا وهناك عن خلافات بين اسماء كبيرة فى الكنيسة وعدم تعاون ’
 
وأفضيت له بحيرتى ’ وكنا على المائدة نأكل معا ’ قلت له لماذا يعادى فلان فلان ولا يتخاطب فلان مع فلان ’ فقال لى وهو فلان يعنى مش راسه ناشفه التانى ! مرة زعل أحد الاخوة المكرسين من سيدنا ورفض ينزل ياكل معانا ’ لم ياكل الى أن جاء الاخ وقبل اعتذار سيدنا !’ حينما دبر الرب أن أتزوج من خادمة رومية ارثوكسية انطاكية وتم الزواج فى كنيسة الروم فى دمشق ’ وبينما تعالت اصوات التحذير والتخويف والترهيب من كبار وصغار ’ كان هو يرسل لنا خطابات التشجيع والحب والدعم و كتب لنا بتاريخ 3-10-1987 يقول: "الأحباء هويدا وناجى فى محبة القدير ’ اهنئكما بالقران المبارك ’ الذى جعلكما جسدا واحدا وانتما لاشك فكر متحد وعزم أكيد فى الشهادة له ....." اثناسيوس . رائع ’ هذا الاسقف العظيم ’ حسب ظنى ’ وبهذه الروح لو كان حاضرا فى المجمع المسكونى الرابع عام 451 م لما انقسمت الكنائس وصار القبط وحدهم !!!. وفى رسالة اخرى " أخى الحبيب ناجى سلام سررت لما سمعت عن نشاطك ’ ’ كما أطمأنيت مبدئيا عن ظروفك والتى كنت قلقا عليها . وبعدى عن القاهرة يتزايد للمسئولية ولتناقص الجهد ...ولكن لى اشتياق أن أراك والمدام والاولاد أتصلت ببعض الأحباء أن يساعدوا فى نقفاتكم (كان يقصد المهندس عدلى أبادير).نذكركم واذكرونا الرب معكم ’ اثناسيوس 30 -6 -1990 " ورسالة أخرى بتاريخ 23 -10 -1984 "الحبيب الشماس ناجى ...محبة وسلام ’ الرب معك فى سائر ظروفك .أبعث اليك بتحيات سائر الأحباء فى بنى سويف الأباء يواقيم وفليمون ومكارى واوغسطينس والاخ جورج والخدام فى كل مكان والراهبات والخادمات وتاسونى مريم والعمال يتمنون لك التوفيق والبركة ......" اثناسيوس . وفى رسالة اخرى سأل عن الاخوة الدارسين بأسمائهم . مرة غضب منه احد الاخوة المكرسون ’ رفض الأكل الى أن يحضر الأخ وقام بانهاء سوء الفهم . ما كنا نراه فى اجتماعات الكهنة ’
 
كنا نرى حفلا رعويا وروحيا وثقافيا وكتابيا وعائليا عظيما وكان يدعو كبار العلماء والمتخصصين لتثقيف الكهنة وفى نهاية الاجتماع يتم عمل حفلة سمر ويتبادل معهم الفكاهة الضحكات ويوزع عليهم "العيدية " لان لقائه بالكهنة كان يوم عيد .’ أما عن علاقاته الدولية ’ فحدث ولا حرج ’ استخدم بذكاء ثقافته العمة والمامه باللغة الانجليزية لكى ما يقيم علاقات مع الخارج فى وقت قلت فيه أو انعدمت العلاقات الخارجية . كان يفهم المسكونية ’ وهو غير متخصص فى الابائيات ’ على أنها علاقات انسانية وروحية طيبة ولا تتعامل مع العقائد . لم نسمعه يتحدث عن توحيد عيد الفصح مثلا . كان يعرف حجمه الرعوى واللاهوتى . أسقف قبطى حقيقى . كان ايمانه بالحوار ايمانا عميقا وانسانيا . هذا لا يلغى درايته اللاهوتية الكبيرة ’ هو الذى بادرلا الى اقتراح مشروع "موسوعة من تراث القبط " والتى كان أحد مؤسسى المشروع ولقد كانت الموسوعة توثيق للوضع القائم بلا أية ارهاصات لاهوتية واعدة !الشئ اللافت أن الانبا أثناسيوس ترأس لجنة تحرير المجلد الثانى حو "الايمان والعبادة والحياة النسكية " .
 
كان يؤمن بالعلم والعلماء ويتضح هذا من كم العلماء الذين سطروا الموسوعة وظهرت اسمائهم فى الجزء الاول . ربما لنا عودة الى قرأة نقدية للموسوعة والتى يغلب عليها الطابع الدفاعى والتبريرى والخطابى والوعظى والسردى ويسودها مفاهيم لاهوتية من العصور الوسطى. للاسف لم يتم الاستفادة من الباحثين "العائدون من اليونان " ’ ربما لو كانت قد كتبت الموسوعة فى أجواء أكثر صحية لاهوتيا وعلميا وأقل تسييسا ! لصارت أفضل والدليل غياب أسماء علماء وأباء درسوا الأباء واللغة اليونانية واللاهوت مثل الاب متى المسكين والدكتور جورج بباوى وغيرهم من "مدرسة المشاغبين " اللاهوتية

 


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter