الأقباط متحدون | الخروج من ثقافة التمييز
ستظهر الصفحة بشكل مختلف لآنك تستخدم نسخة قديمة من متصفح أنترنت أكسبلورر، استخدم نسخة حديثة من انترنت اكسبلورر او أى متصفح أخر مثل فايرفوكس لمشاهدة الصفحة بشكل أفضل.
أخر تحديث ٠٥:١٨ | الخميس ١٦ ديسمبر ٢٠١٠ | ٧كيهك ١٧٢٧ ش | العدد ٢٢٣٨ السنة السادسة
الأرشيف
شريط الأخبار

الخروج من ثقافة التمييز

الأهرام- بقلم: نبيل عمر | الخميس ١٦ ديسمبر ٢٠١٠ - ٠٠: ١٢ ص +03:00 EEST
حجم الخط : - +
 

جاءني صوته مشحونا بقلق كبير وغضب أكبر‏,‏ وقال‏:‏ معقول ما قرأته من كتابات فيها كثير من التشاحن الطائفي‏..‏لا يمكن أن نترك هذا الخطر يستفحل علي يد ضعيفي الرؤية ودعاة التطرف‏..‏

بعض القلق مفيد‏,‏ فالقلق من دوافع الحرص والتدبر والتفكير العميق‏,‏ لكن كثير من القلق قد يفسد انتظام الأفكار ويشوش عليها‏,‏ إذ ينقلب إلي توتر بالضرورة‏,‏ والتوتر أقرب إلي الفوضي منه إلي التدبر‏..‏
محدثي هو الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض‏,‏ أستاذ القانون والقاضي بالمحكمة الدولية لجرائم الحرب في يوجوسلافيا السابقة‏,‏ وقد شاهد بنفسه تفسخ الشعب اليوجوسلافي وتمزقه‏,‏ وهذه الخبرة المريرة تفزعه كلما حدث نزاع طائفي بين مسلمي مصر ومسحييها‏,‏ خاصة أن أغلب هذه النزاعات تبدو غير منطقية أو أقرب إلي العبثية‏,‏ علي بناء كنيسة أو تغيير دين‏.‏
من هنا يمكن أن نفهم سر قلق الدكتور فؤاد الشديد‏,‏ خاصة أن التشاحن تعددت طرائقه باللسان والقلم والأيدي‏,‏ وأتصور إن لم نقلق معه بنفس الدرجة فنحن علي حافة الهاوية‏..‏
فسألته‏:‏ وأين يقع العبء الأكبر في تفكيك هذه الأزمات التي بدأت تأخذ أشكالا عنيفة في بعض أحداثها؟‏!‏
رد الدكتور فؤاد‏:‏ بالقطع يقع علي عاتق الأغلبية التي يتعين عليها عدم إثارة روح التغريب بينها وبين الأقلية‏,‏ فالأقباط يشكلون مع المسلمين جسد مصر‏,‏ وإذا كان عددهم أقل فإنه يتعين علي الشريحة الأكبر عددا أن تحتويهم دون تمييز ودون استهانة‏,‏ وهذا ليس تدليلا أو ابتزازا‏..‏
قلت‏:‏ لكن المجتمع المصري بصفة عامة تسكنه ثقافة التمييز‏,‏ الرجل ضد المرأة‏,‏ الكبير ضد الصغير‏,‏ الأطول ضد الأقصر‏,‏ الغني ضد الفقير‏..‏
قاطعني قائلا‏:‏ لكننا قطعنا شوطا طويلا في التخلص منها منذ بداية القرن العشرين‏,‏ وكنا نمضي علي الطريق الصحيح‏,‏ لكن الانقلاب الصامت الدي حدث عاد بنا إلي الوراء عشرات السنين إن لم تكن المئات‏,‏ وخاصة في التمييز الديني‏.‏
سكت الدكتور فؤاد برهة ثم قال‏:‏ سأضرب لك مثلا من رجل سياسي أجنبي وهو اللورد كرومر‏,‏ فقد وصف نسيج المجتمع المصري بقوله‏:‏ لا أجد ما يميز المسلم في مصر عن المسيحي سوي مجرد التوجه إلي دار عبادة مختلفة‏!‏
سألته‏:‏ تبدو الأحوال الحالية عصية علي الفهم‏,‏ فالدستور حريص علي إرساء مبدأ المساواة وعدم التمييز بشكل حاسم سواء في الحقوق أو الواجبات‏..‏ فكيف يكون الواقع مختلفا؟
قال‏:‏ طبعا‏..‏ ما أكثر الممارسات التي تتعارض مع الدستور بشكل فج في مجالات كثيرة‏..‏والمدهش أنها أيضا تتعارض مع الأديان التي تشيع الحق والعدل‏..‏ ولها أسباب كثيرة‏:‏
أولا‏:‏ تآكل الطبقة الوسطي وهي الطبقة الحاملة للقيم الحضارية للمجتمع‏,‏ ونجم عنه حدوث فراغ دخله الجهلاء ومحدثو الثراء السريع‏,‏ وكذلك الفكر البدوي مقطوع الصلة بمصر الحضارة‏..‏
اعترضت قائلا‏:‏ لكن هناك من يقول عكس ذلك‏,‏ وهو أن الطبقة الوسطي لم تتآكل علي الإطلاق‏,‏ بل نمت وتوسعت‏,‏ ويستشهدون بعدد السيارات المتزايد والتليفونات المحمولة والقري السياحية في الساحل الشمالي والتجمعات السكنية الجديدة واستهلاك الطعام إلخ‏.‏
رد الدكتور فؤاد بحدة‏:‏ ليست هذه هي الطبقة المتوسطة‏,‏ الطبقة المتوسطة ليست حالة شرائية أو دخلا سنويا فقط‏,‏ بل حالة ثقافية وحضارية‏,‏ سلوك وتصرفات‏,‏ ليست سيارة أو تليفونا محمولا أو تكيفا إنما هي فن وذوق ومعرفة‏,‏ عباس العقاد لم يملك سيارة‏,‏ وطه حسين من قاع المجتمع‏..‏ كما أن الأغنياء ليسوا طبقة النبلاء التي شدت أوروبا من التخلف إلي عصر النهضة‏,‏ هم مجرد أثرياء بالمعني المادي البحت‏,‏ ثراء ينحصر في تلبية الحاجات والغرائز‏,‏ ولا يمتد اثره إلي العقل والسلوك العام والحضارة‏.‏
سألته‏:‏ هل ثمة أسباب أخري غير تآكل الطبقة الوسطي‏,‏ بالمعني الحضاري ؟‏!‏
قال‏:‏ اتساع رقعة الفتاوي غير المسئولة‏,‏ كتوزيع تهم التكفير التي لم ينج من عواقبها كبار الأدباء والمفكرين والمثقفين‏,‏ حتي أن بعضهم تعرض للقتل‏,‏ ومازالت هذه التهم تنهال علي الرؤوس دون حرج في الإعلام وفي مؤلفات واسعة الانتشار‏..‏ في الوقت نفسه شاعت ثقافة الهزيمة بعد نكسة‏7691,‏ وأخطر ما افرزته هو فقدان المواطن ثقته وإيمانه بالدولة‏,‏ وفقدان الثقة أضعف إحساسه بالانتماء ودفعه لاتخاذ هوية أخري غير المواطنة‏,‏ وجدها في الانتماء للجماعة الدينية التي أصبحت تفتقر إلي فكر مستنير يدعم الوحدة الوطنية‏.‏
والأسوأ أن الدولة لم تتصد لهذا الخطر‏,‏ بل ركنت إلي المزايدة علي الخطاب الديني الجديد‏,‏ وهو خطاب يوسع الفرقة بين أبناء الوطن الواحد‏,‏ وتصور أصحاب هذا التوجه أن الدولة يمكن أن تكسب شعبية لدي الأفراد الذين سقطوا في قبضة الفكر السلفي والتمييز القائم علي الدين أو الجنس‏.‏
قلت‏:‏ طيب والحل؟‏!‏
قال‏:‏ لا يوجد حل سحري يعيد الأرض الطيبة إلي طبيعتها بين يوم وليلة‏..‏لكن علينا أن نفكر علي محورين‏:‏ عاجل يوقف الممارسات غير السوية التي هي من عوادم ثقافة التمييز‏,‏ وطويل النفس يعمل بجدية مفرطة للقضاء علي هذه الثقافة ويقطع أسبابها من المنبع‏.‏
قلت‏:‏ وكيف يكون العاجل؟
قال‏:‏ بأسرع ما يمكن علينا أن نتخلص من أي تمييز وارد في تشريعات ولوائح سواء كان صريحا مباشرا‏.‏
قاطعته‏:‏ لا أظن أن هناك تشريعا أو لوائح من هذا النوع‏..‏لأنها ستكون قطعا ضد الدستور‏..‏
قال‏:‏ هذه رومانسية‏..‏خذ عندك‏..‏ذكر الديانة في بطاقة الرقم القومي‏,‏ لأنه يترتب عليها تفرقة في المعاملة نظرا لروح التعصب التي تزايدت في حياة المجتمع المصري‏,‏ وهنا أنا لا أحدد أصحاب ديانة دون الأخري‏,‏ ولا تنس أن حكم المحكمة الإدارية العليا من وجوب كتابة أن شخصا قد أسلم ثم عاد إلي المسيحية‏..‏فهو قد يؤدي إلي التربص بحياة هذا الشخص من بعض المتعصبين‏..‏
والأهم هو سن تشريع يحدد جميع أنواع التمييز ويعتبرها جرائم ويضع عليها عقوبات رادعة سواء مورست هذه الجرائم في دوائر رسمية أو مدنية‏.‏
سألته‏:‏ والحل طويل النفس؟
قال الدكتور فؤاد‏:‏ التعليم والإعلام هما أهم الأدوات في محاربة ثقافة التمييز‏..‏بعمليات تنقية دائمة من التعصب والتطرف‏:‏
لكن حجر الأساس في كل هذا هو القانون‏..‏الالتزام به تماما في كل جوانب حياتنا‏,‏ وأن نكف تماما عن التعامل معه بشكل انتقائي‏..‏ فالعدالة في المواقف تصنع روح المواطنة‏!‏
تعب الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض من الكلام‏..‏ فألقي بالتحية وأغلق الخط‏!‏




كن في قلب الحدث... انقر هنا لتحميل شريط الأدوات الخاص بالموقع لتصلك الأخبار لحظة حدوثها



تابعونا على صفحتنا علي الفيسبوك
رابط دائم :
تنوية هام: الموقع غير مسئول عن صحة أو مصدقية أي خبر يتم نشره نقلاً عن مصادر صحفية أخرى، ومن ثم لا يتحمل أي مسئولية قانونية أو أدبية وإنما يتحملها المصدر الرئيسى للخبر. والموقع يقوم فقط بنقل ما يتم تداولة فى الأوساط الإعلامية المصرية والعالمية لتقديم خدمة إخبارية متكاملة.
تقييم الموضوع :