الأقباط متحدون - ريجيني و«بطل لامبيدوزا الصغير»
أخر تحديث ٠٧:٤٢ | الاثنين ٢٢ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ١٦ | العدد ٤٠٢٨ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

ريجيني و«بطل لامبيدوزا الصغير»

ريجيني
ريجيني

سعيد السني
حكاية «بطل لامبيدوزا الصغير» التي نقلتها شبكة سكاي نيوز عربية، مثيرة للأسى والشفقة على حالنا كـ«مواطنين مصريين» لا قيمة لهم إن كانوا «فقراء» من عوام الناس.. تنظر إليهم الحكومات المتعاقبة على أنهم مجرد «أرقام من البشر» لا لزوم لهم ولا أهمية، لا يستحقون الحياة ولا الرعاية، فإذا «ماتوا» يصيرون مجرد «جثث»، سواء كان «الموت» قتلاً على يد بلطجي، أو بتفجير إرهابي أو انهيار عقار، أو احتراق قطار، غرق عبًّارة أو لانش في نيل الوراق، مركب للهجرة غير الشرعية، أو حادث طريق أوتعذيباً شرطياً، أو موتاً بطيئاً من غذاء أو دواء فاسد ومياه للشرب ملوثة، أو إهمالاً بالمستشفيات الحكومية، أو «مرضاً» دون رعاية طبية وعلاج، من «حكومات» أدمنت الفساد والإهمال والفشل، ولم تنجز سوى إفقار الملايين ممن كانوا يلتحفون بالستر، دون أن يهتز لرجالها جفن.. فأمثالهم غلاظ القلوب، قُساة النفوس، ضمائرهم إما شبعت مواتاً أو غائبة.. لمن لا يعرف الحكاية.. البطل المقصود هنا هو الطفل المصري أحمد (13 سنة) ابن مدينة رشيد، غامر بحياته عابراً البحر المتوسط، في واحد من قوارب الموت المطاطية، وصولاً إلى شاطئ مدينة لامبيدوزا الإيطالية، حاملاً معه شهادات طبية تثبت إصابة شقيقه الأصغر (7 سنوات) بمرض سرطان الدم، طالباً من الإيطاليين إنقاذ الشقيق.. اهتزت له الضمائر الحية هناك، حيث يعلو شأن الإنسان بغض النظر عن تواضع مكانته الاجتماعية وأيا كانت جنسيته أو ديانته..

تعاطفوا مع هذا الطفل النبيل الذي منحنا دروساً عظيمة في الشهامة والفروسية وسمو الأخلاق والعطاء والتضحية من أجل الغير.. اهتمت الصحف الإيطالية بقصته ونشرتها، وتوجته بطلاً، عن استحقاق.. لم يسترجع الإيطاليون قصة ابنهم الطالب «جوليو ريجيني»، العائد إليهم من مصر المحروسة «جثة» مشوهة نتاجاً للتعذيب، الذي قالت والدته أمام البرلمان الإيطالي قولتها البليغة تلخيصاً جامعاً فاضحاً لحالنا: «عذبوه وقتلوه كما لو كان مصريا».. بل ربما أن هذه القضية زادتهم إيماناً وتصديقاً للفتى وتضامناً واحتشاداً معه، وكونت يقيناً لديهم بأن «المصري مُهان وذليل في وطنه»، مثلما أن هذا «الصبي الصغير» فضح مساوئ أهل الحُكم فينا وتحجر قلوبهم وخلل أولوياتهم.. حين وصلت حكاية فتانا المغامر إلى مسامع ماثيو رينزي، رئيس الوزراء الإيطالي، والحاكم السابق لبلدية فلورنسا.. قرر استقدام «الطفل المريض» بسرطان الدم، شقيق البطل الصغير، لعلاجه بصحبة أسرته تحت نفقة ورعاية حكومة إيطاليا.

الصادم هو ردود أفعال حكومتنا.. وزارة الخارجية أصدرت بياناً ملخصه: «أن هذا الطفل مهاجر غير شرعي.. وأننا أولى بعلاج شقيقه».. منوهاً باستحقاق المهاجر غير الشرعي للحبس والعقاب، ولم ينقصه إلا مطالبة إيطاليا بتسليم الصبي لمحاكمته.. وزارة الصحة بدورها جاء بيانها مدهشاً مفيداً بأن «أسرة الطفل» لم تتقدم بطلب للعلاج، ومطالباً إياها الاتصال بـ«الوزير»، وكأنه ووزارته يصدقون أن وصول المريض تلفونياً للوزير أو الحصول على العلاج، من الأمور الميسورة والسهلة (!!!).. ناسين أن هناك شعاراً غير مكتوب ومعمول به هو: «الموت للفقراء»، وأن المريض الذي لا يملك مالاً وفيراً عليه أن يسارع بدفن نفسه كي يستريح ويُريح أهله.. شخصياً مررت بتجربة مؤلمة مؤخراً حين أصيب أحد أقاربي بجلطة في القلب.. من حسن حظه نقلوه إلى مستشفى الصدر بالمعمورة وهو مستشفى حكومي، لكنه نقطة مضيئة وسط الظلام الحالك، به انضباط واهتمام نادر، مفتقد في غالبية مستشفياتنا.. أنقذوه من الموت، بعد أيام تعافى وقرروا له الخروج، وأحالوه إلى مستشفى حكومي آخر لإجراء «أسترة تشخيصية» على القلب لتحديد الخطوة التالية إن كانت علاجاً دوائياً أم تركيب دعامات أم جراحة قلب مفتوح.. ولأنه لا يملك مالاً لكل هذا.. فبعد تقديم الأوراق اللازمة، حددوا له موعداً بعد 21 يوماً للعرض على اللجنة الطبية، التي أصدرت قرارها لاحقاً بعمل «الأسترة» على نفقة الدولة، وتم إبلاغه بالانتظار «شهرا آخر» حتى يمكن إجراء هذه الخطوة «التشخيصية».. أي أن مجرد «التشخيص» استلزم شهرين.. فهل هناك مهانة ومذلة قاتلة للمريض أكثر من هذا؟ وهل تحتمل مثل هذه الحالات الخطرة، الانتظار كل هذا الوقت؟.. لن أحدثكم عن افتراش المرضى للأرض والسلالم انتظاراً للدور في الكشف أو قرار العلاج أو العلاج نفسه، هذا إذا كان في عمر المريض بقية.

إرحمونا وراجعوا أنفسكم وأولوياتكم واهتموا بملف الصحة.. ليت حكاية البطل الصغير تكون قد أوجعت ضمائركم وأيقظتها، ولعلها تكون درسا لكم إن كنتم تعقلون وتفقهون.

نسأل الله السلامة لمصر.


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع