فى الوقت الذى يعانى فيه حوالى 26% من الشعب المصرى من الفقر الشديد، وبينما رفضت الحكومة زيادة العلاوة الاجتماعية التى ينتظرها العاملون فى الدولة وأصحاب المعاشات على 10%، فوجئنا بمشروع قانون جديد أحالته الحكومة لمجلس الدولة بتحديد رواتب رئيس الوزراء بـ42 ألف جنيه، والوزراء والمحافظين بـ 35 ألف جنيه ونوابهم بـ 30 ألف جنيه!
فى الوقت نفسه، تطالب الحكومة المصريين جميعاً بالتقشف وربط الحزام.
وإذا كان الرئيس السيسى عند توليه الرئاسة قد أعلن التزامه بالحد الأقصى للأجور (42 ألف جنيه) وتنازل عن نصفه، معلناً أن الـ21 ألف جنيه تكفيه وأسرته.. فكيف تحدد الحكومة رواتب الوزراء ونوابهم بمبلغ أكبر مما يتقاضاه رئيس الدولة؟
ورغم أن البعض يرى، أن هذا القانون قد يحد من كارثة البدلات والمكافآت التى يحصل عليها الوزراء ونوابهم التى تفوق الحد الأقصى بكثير، فإن البعض الآخر يرى أن مثل هذا القانون لن يمثل تقنيناً للوضع المالى للوزراء، وإنما يعد استفزازاً لمشاعر المصريين الذين يعيشون الفقر ويتجرعون مرارته كل يوم.
مشروع قانون جديد
مشروع القانون الجديد الذى أحالته الحكومة لقسم التشريع بمجلس الدولة لمراجعته، وإعادة صياغته تمهيداً لإحالته للبرلمان يتضمن 5 مواد تنظم رواتب ومعاشات الوزراء، وتلغى العمل بالقانون رقم 100 لسنة 1987.
وتنص المادة الأولى منه على أن يتقاضى رئيس مجلس الوزراء راتباً شهرياً قدره 42 ألف جنيه، فيما يتقاضى نوابه من الوزراء والمحافظين راتباً قدره 35 ألف جنيه شهرياً، أما نواب الوزراء والمحافظون فيتقاضون 30 ألف جنيه شهرياً.
أما المادة الثانية فتحدد قيمة المعاش بـ80% من إجمالى الراتب عند انتهاء شغلهم لهذه المناصب، ويستثنى من تطبيق هذا القانون كل من صدر ضده حكم بات فى جناية، أو صدر ضده حكم فى قضية إرهابية أو إحدى القضايا المضرة بأمن مصر.
يأتى هذا فى الوقت الذى تطالب فيه الحكومة المواطنين بالتقشف.
ورغم ما صاحب صعود سعر الدولار من ارتفاع رهيب فى أسعار كافة السلع والخدمات، فقد رفضت الحكومة ألا تزيد العلاوة الاجتماعية على 10% كالمعتاد، وهو ما زاد من علامات التعجب، فكيف ترفض الحكومة الزيادة للمواطنين الغلابة، وتمنح وزراءها ونوابهم مثل هذه الرواتب التى تحمِّل خزانة الدولة الخاوية مبالغ طائلة، فى حين يعانى الاقتصاد المصرى برمته أزمات طاحنة أدت لانهيار الجنيه أمام الدولار؛ نتيجة انهيار السياحة، وتناقص تحويلات المصريين فى الخارج، وضعف الإنتاج وخلل الميزان التجارى المصرى نتيجة زيادة الواردات ونقص الصادرات.
الغريب فى الأمر أن الدول التى لا تعانى اقتصاداتها مثلما يعانى الاقتصاد المصرى لا تمنح وزراءها مثل هذه الرواتب.
بل إن دولة مثل البحرين تبحث خفض رواتب كبار موظفى الدولة برتبة وزير ومن فى حكمهم بسبب انخفاض أسعار النفط العالمية.
وأعلنت الحكومة البحرينية، أن التخفيض سيشمل 10% من الراتب الأساسى للوزراء، وخفض مكافآت كبار موظفى الدولة من مدير إدارة ووكيل ووكيل مساعد حيث سيتم وقف بعض العلاوات أو تخفيضها لحدها الأدنى دون المساس بالراتب الأساسى للموظفين، مع تقليل مصاريف السفر، وتقليل تعيين السفراء فى الخارج.
وكان رئيس الوزراء البريطانى السابق ديفيد كاميرون، قد أعلن حال توليه المسئولية عام 2010 عن تخفيض رواتب الوزراء فى حكومته بنسبة 5% لمدة 5 سنوات.
وفى العام الماضى، أعلن عن تجميد الزيادة فى رواتبهم لمدة 5 سنوات أخرى لسداد الدين العام، ونشر مقالاً صحفياً بعنوان «كلنا مشاركون فى الدين العام» أكد فيه أن قراره يأتى فى إطار مبدأ الأمة الواحدة لسداد عجز الموازنة، مشيراً إلى أنه نجح خلال فترة رئاسته الحكومة البريطانية فى تخفيض عجز الموازنة للنصف، ومبادرته كانت ستوفر 800 ألف جنيه استرلينى كل عام للدولة، أى حوالى 4 ملايين جنيه إسترلينى بحلول عام 2020، لكنه قرر الاستقالة منذ عدة أشهر قبل الاستفتاء على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى ودون أن تكتمل مبادرته.
ورغم هذه الإجراءات التى اتخذتها دول لا تعانى نفس الأزمة الاقتصادية الطاحنة التى تمر بها مصر، فإنَّ الحكومة المصرية التى تعانى عجزاً فى الموازنة يبلغ حوالى 280 مليار جنيه، وديوناً متراكمة وصلت إلى 2 تريليون و496 مليار جنيه ديناً داخلياً، بينما وصلت الديون الخارجية إلى 53.4 مليار دولار، لم تتخذ نفس الإجراءات بل فكرت فى تحديد رواتب وزرائها ومسئوليها بأرقام مستفزة لا تتناسب وحجم المشكلات التى يعانيها الاقتصاد المصرى.
وإذا كان البعض يرى أن هذا التحديد بما يتبعه التزام بالحد الأقصى للأجور فإنه سيقضى على مشكلة المبالغ الطائلة التى يحصل عليها الوزراء كبدلات ومكافآت بلا حدود تفوق أضعاف هذا المبلغ، وهو ما أكده الدكتور محمد فؤاد، المتحدث باسم حزب الوفد، مشيراً إلى أن هذا القانون يعنى تطبيق الحد الأقصى للأجور على المسئولين، لأن الوزير ليس متطوعاً وإنما يمارس عملاً يحصل على مقابل له، يجب أن يضمن عيشة كريمة له ولأسرته.
وفى حين يتفق الدكتور صلاح الدسوقى، أستاذ الاقتصاد، مدير المركز العربى للدراسات الإنمائية مع هذا الرأى، فيرى أن الأهم من إصدار القانون تطبيقه بما يضمن عدم صرف أى بدلات أخرى للوزير، فالمشكلة ليست فى الرواتب، وإنما فى البدلات والمكافآت التى يحصل عليها الوزراء دون حدود، لذلك يجب أن يتم وقف صرف كل هذه البدلات التى تحمِّل خزانة الدولة مبالغ طائلة.
وأضاف الدكتور الدسوقى قائلاً: هناك مشكلة أخرى يجب مواجهتها، وهى المستشارون ونواب الوزراء الذين يحصلون على مبالغ لا تتناسب وحجم الأعمال التى يقومون بها، فهذه المناصب يتم ابتداعها لترضية أشخاص بأعينهم وليس لهم عمل حقيقى، ويحصلون على رواتب خيالية، لذلك لا بد من إلغاء هذه المناصب بما فيها مناصب المستشارين التى تكلف خزانة الدولة مليارات بلا طائل.
أما القيادية بالحزب الناصرى نور الهدى زكى، فترى أن مثل هذه الرواتب الخيالية التى يحصل عليها المسئولون بالحكومة فى حين يعيش أكثر من ربع سكان مصر تحت خط الفقر، تعتبر استفزازاً لمشاعر المصريين جميعاً.
ففى حين يتحدث المسئولون عن التقشف وترشيد الإنفاق نجدهم يخرجون علينا بمثل هذه القوانين المستفزة.
هذا فى الوقت الذى لا تقدم فيه الحكومة شيئاً للفقراء من أبناء الشعب المصرى، فهذه القوانين تفرغ مفهوم العدالة الاجتماعية من محتواه، إذ كيف يتحدث المسئولون عن العدالة الاجتماعية، ويستثنى القضاء 11 جهة من تطبيق الحد الأدنى للأجور، والحكومة تحدد رواتب وزرائها بهذه الأرقام دون الحديث عن إلغاء البدلات التى تقدر بأكثر من 5 أضعاف الراتب نفسه، بالإضافة إلى العلاج والمكافآت والمواكب وغيرها من الامتيازات التى لا بد من إلغائها فوراً والاكتفاء بالراتب الذى حدده القانون وهو مبلغ كافٍ لتوفير حياة كريمة للوزير وأسرته.