الأقباط متحدون - ديمقراطيتكم بكام النهاردة ؟!
  • ١٣:٠٠
  • الأحد , ٢١ اغسطس ٢٠١٦
English version

ديمقراطيتكم بكام النهاردة ؟!

مدحت بشاي

بشائيات

٠٠: ١٢ ص +02:00 EET

الأحد ٢١ اغسطس ٢٠١٦

صورة أرشيفيه
صورة أرشيفيه
كتب : مدحت بشاي
medhatbeshay9@gmail.com
 
" إقامة حياة ديمقراطية سليمة " .. هدف من الأهداف الست التي رفعتها ثورة يوليو 1952، تلك الأهداف عمل رجالها بإخلاص ووطنية ونبل على تحقيقها بقدر كل الإمكانيات والمعطيات المتاحة منذ اليوم الأول لقيامها وتولي رجالها أمر حكم البلاد ، نتذكر تلك الأهداف ونتلهف حتى تاريخه لتطبيق آليات إقامة حياة ديمقراطية سليمة بشكل خاص و كما يعرفها كل نظم العالم المتقدم.. ولم يكن ذلك الهدف مجرد شعار ترفعه الثورة كما وعد رجال ثورة 1952 ، ولم يكن هناك مجال لتضييع الوقت لإثبات مدى تدفق آليات المد الثوري في هذا الاتجاه ولكن بشكل عكسي ، ففي إطار ما أطلق عليه شرعية الثورة تم للأسف إلغاء الأحزاب حيث لا ديمقراطية في وجود أحزاب من وجهة نظر قادة الثورة  !!
 
ولأنه أيضاً بات من المعروف أن من تحزب خان ( كما كان يشير الفكر الأخضر لجيراننا في زمن "القذافي" وافتكاساته التي كان يدعي أنها تأتي في إطار التجربة الناصرية عملاً  بمقولة عبد الناصر " أرى في القذافي شبابي فهو الأمبن على القومية العربية " .. نعم وفق تلك القناعة ، يخون وطنه كل من ىعمل عبر حزبه حركة التاريخ وجغرافيا الواقع وكل مبادئ العقائد الثورية ، والمنطلقات الأيديولوجية لفكر قيادات المثابات الثورية في العالم العربي وتطلعهم لتحرير العباد من تطبيق ديمقراطية الأحزاب اللعينة التي تساهم بالضرورة في إنشاء صراع وهمي بين فكر يساري وآخر يميني !!
 
 وفي مصر كانت حدوتة إضافية لا تسمح بها افتكاسة "الديمقراطية" ، المعاناة من الصراع بين من يرون مصر مصرية وآخرون يجزمون أنها عربية ( يرفعون راية القومية العربية ) ، وخناقة أخرى بين من يسعون لأن تكون مصر إمارة دينية في مقابل من يصرون على بقائها دولة مدنية .. 
 
وظل القائمون على تفعيل برامج الثورة أنه لا ديمقراطية إلا من خلال تنظيم ضخم واحد هو الاتحاد الاشتراكي لتتفاعل داخله كل القوى تحت مظلة وطنية راعية تمثل الأم الحانية الرؤوم التي تصون ولا تبدد ، تحمي ولا تهدد ، تجمع ولا تفرق ، تفرز الغث من الثمين في ظل توجه وطني قومي واحد رشيد .. تنظيم تحتفي بهمومه وطموحاته المستقبلية صحافة وإذاعة ثم في مرحلة تالية تليفزيون تم تأميم وسائل إعلامهم جميعا ليتحولوا إلى هيئات حكومية ضخمة لضمان الاستقامة ، وعلى جانب آخر ولضمان استقرار حياة الناس ومطالبهم اليومية كان إنشاء المجمعات الاستهلاكية وسلع وخدمات ترفع لافتة "حسب التسعيرة الحكومية"                ( كان هناك برنامج إذاعي صباحي شهير يومي يعلن أسعار السلع الاستهلاكية ) ، وللخدمة العلاجية وحدات صحية ومستشفيات عمومية تنتشر في طول البلاد وعرضها توفر العلاج والدواء المفيد حتى لو كان فقط  زرنيخ وحديد !!
 
وفي ظل هذا التوجه الثوري الديمقراطي كان لا يمكن السماح بالخروج عن الشرعية الثورية لأن البلاد والعباد كان يحكمهم نظام دقيق محكم الحلقات ، وأي خلل أو عطب يمكن أن يتسبب في هدم كافة أرجاء المنظومة التاريخية العبقرية .. وعليه وبمجرد رسوخ تلك المنظومة كان لابد من تأهيل الأجيال الطالعة في المدرسة والجامعة عبر معسكرات وطنية يتم من خلالها تأمين ثقافة ثورية وحدوية وقومية وعروبية يحتشد لغرسها نخبة من أولاد الثورة المخلصين !! 
أما ما حدث بعد ذلك فقد عشناه ونحن نتابع الحصاد المر الوفير في نكسة يونيو 1967 ، وعليه كان ينبغي أن تكون هناك وقفة ليبدأ التفكير على استحياء في هذه الديمقراطية التي قالوا أنها الحل فكانت منابر "السادات" الشهيرة ثم الأحزاب بتكليف لأشخاص .. ثم حدوث الانفراجة الشكلية ( على الأقل ) في عهد "مبارك" بالموافقة على تشكيل أحزاب وفق آليات وخطوات قانونية متعارف عليها تدعمها صحافة حكومية وحزبية محدودة بتعليمات ومتابعة فوقية متنوعة الأشكال والآليات ، وامتدت حقباً من الزمان ـ وهي وإن كانت ليست بالطويلة في عمر الأمم ـ أصبحنا للأسف نعاني مما يمكن أن نطلق عليه تطبيقات الديمقراطية ، وأرى أنه يشاركنا فيها ـ ويا للغرابة ـ أعتى وأقدم النظم الديمقراطية في العالم .. وأقصد المعاناة من " فن صناعة الأغلبية " .. نعم للديمقراطية أسس ومبادئ يأتي في مقدمتها أن القرار يكون بحكم الأغلبية .. وعليه كان القرار الديمقراطي الأمريكي باحتلال العراق وشبيهه القرار البريطاني وفي مرحلة ما القرار الأسباني .. ولا يهم أن يعود ضباطهم وجنودهم موتى في صناديق بالآلاف مادام القرار ديمقراطياً .. لا يهم إنفاق مليارات الدولارات من حصيلة ضرائب المواطن الأمريكي أو البريطاني للصرف على حروب خاسرة ، وإقامة القواعد والمحطات العسكرية على اليابسة في كل الدنيا وأساطيل في البحار ومعتقلات تعسف بكل حقوق الإنسان مادام القرار ديمقراطياً ..
 
وقد يدعي البعض أن القرارات التي تخص حياة الناس اليومية وأحلامهم وطموحاتهم في تلك الدول العريقة في ممارسة الديمقراطية تكون في غاية الديمقراطية .. انتخابات نزيهة .. تداول في السلطة .. إمكانية المحاسبة والمساءلة للمسئولين تصل إلى حد إقصاء الحكومات وعزل الوزراء .. حق التظاهر والتعبير عن الرأي بكل الوسائل المتاحة ... الخ ..
 
وهذه كلها بالطبع أمور نقدرها ولكن ما جدواها لدى المواطن وهو يخشى نزول محطات مترو الأنفاق أو ركوب طائرة أو حافلة أو عربة قد يقبع الموت في مقدمتها أو مؤخرتها أو تحتها بدعوى أن بلاده قد قررت خوض حرب عالمية ضد الإرهاب بأغلبية تم حشدها في رد فعل غير موضوعي وغير علمي على أحداث 11 سبتمبر فيكون الحصاد خسائر بشرية ومادية هائلة تفوق ما خسروه في ذلك اليوم الأسود ودون جدوى ، بل ويمكن التأكيد على تصاعد الخسائر في العراق وأفغانستان وكل موقع يرون أنهم يكافحون الإرهاب فيه خارج الحدود لتأمين المواطن في الداخل ، فإذا بهم يزيدون من مرارة واقع هذا المواطن الذي ينتقل إليه الإرهاب بأشكال ووسائل تتجدد وتتنوع وتزداد جسارة وبشاعة وإيلاماً .. 
 
وقد يدعي البعض أن مشكلة الإرهاب ومكافحته قد تشكل مرحلة ما في حياة الأمم ، وتظل النظم الديمقراطية هي السياج الآمن لمنطلقات الشعوب نحو الحرية واستقلال القرار .. وأرى أن الديمقراطية التي يتم اختراقها بآلية صناعة الأغلبية فقط هي ديمقراطية هشة مخيقة ..
 
وإذا عدنا إلى الديمقراطية على طريقة  ثورة يوليو ، فإننا نحمد الله أنها لم تنل من إنجازات تلك الثورة التي لا يمكن أن ينكرها جاحد في مجالات البناء والتنمية والصناعة والثقافة والفنون وغيرها بعد أن باتت تمثل محطات بناء هامة في حياة الوطن والمواطن .. ولكن يظل الأمل لدى الناس الابتعاد عن فنون صناعة الأغلبية ، وأن يكون لآراء ومشاكل الفئات القليلة العدد الاحترام الواجب والإصرار على مجالستهم وألا نقدمهم دائماً قرباناً لديمقراطية الأغلبية  حتى لا نتخيلهم عندما يصبحون كل يوم يسألون بخوف وريبة عن حجم قربانهم الذي يجب أن يقدموه على مذبح الديمقراطية وهم يسألون " هي الديمقراطية بكام النهاردة ؟‍ " .. كما كان يسأل المواطن في الستينات هي الطماطم بكام النهارة في برنامج حسب التسعيرة ، والكلام لائتلاف " دعم الديمقراطية الشكلية " للأسف ، ونحن في انتظار تمرير قوانين هي الأخطر عبر جلسات مجلس النواب !!