الأقباط متحدون - (إقليم الموصل)، مشروع لتفتيت العراق
أخر تحديث ٠٣:٥٧ | السبت ٢٠ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ١٤ | العدد ٤٠٢٦ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

(إقليم الموصل)، مشروع لتفتيت العراق

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية

د.عبدالخالق حسين
لقد أثبت العراقيون، وخاصة من شريحة المثقفين، أنهم من أشد أعداء وحدتهم الوطنية، و غير قادرين على التعايش معاً في دولة موحدة، وخاصة في نظام ديمقراطي يوفر للمواطنين حرية التعبير عن خياراتهم. أما "الوحدة الوطنية" قبل 2003، فقد أثبتت أحداث ما بعد سقوط الدكتاتورية انها كانت مزيفة، ومفروضة عليهم بالقوة بدكتاتورية المكون الواحد، فالأكراد كانوا في ثورة دائمة، والشيعة تحملوا العزل والتهميش على مضض وبالقمع. إذ ما أن سقط النظام الدكتاتوري، وأقيم على أنقاضه النظام الديمقراطي حتى وبانت حقيقة العراقيين وموقفهم الحقيقي من هذه الوحدة. لقد أسقطت الديمقراطية الغطاء السميك الذي كان يغطي الشروخ العميقة في جدار الوحدة المزعومة. راجع مقالنا (الديمقراطية فضحت المجتمع العراقي)(1)

يقول البعض، أننا لم نكن نعرف الصراع الطائفي من قبل، وإنما جلبته أمريكا من أجل تدمير العراق ونهب ثرواته النفطية، وكأن صدام قد منع النفط عن أمريكا، والأخيرة تريد النفط مجاناً. وها هي أمريكا تحث الخطى نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة، بل وحتى تصدير النفط عما قريب. وليس مستبعداً أن يأتي يوم يتحول فيه النفط إلى بضاعة بائرة كما الفحم الحجري الآن.

لنكون صريحين، ونتجنب سياسة النعامة، ونقولها بمنتهى الصراحة، إن السبب الرئيسي لاندلاع الصراع الطائفي بهذه الوحشية والقباحة، هو أن السنة الذين ادمنوا على حكم العراق لقرون، يناهضون الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة وفق ما تفرزه صناديق الاقتراع ، لأنها تجعلهم على قدم المساواة مع المكونات الأخرى، وهم يرفضون ذلك، وشعارهم إما أن نحكمكم أو ندمركم وندمر أنفسنا، وفق مقولة: (عليَّ وعلى أعدائي يا رب... وليكن من بعدي الطوفان).

كما ويعتقد كثيرون من بينهم وطنيون مخلصون ذو النوايا الحسنة، أن أمريكا هي التي جلبت عن قصد، أسوأ الناس لحكم العراق لجعله ضعيفاً خدمة لإسرائيل. وهذا أيضاً خطأ، وتبرير غير صحيح لتفسير ما يجري في العراق. فأمريكا حررت الشعب العراقي من أبشع نظام جائر، وأقامت مكانه نظام ديمقراطي، وفسحت المجال للشعب العراقي ليختار حكامه بملء إرادته. فهؤلاء الحكام جاؤوا إلى السلطة عن طريق انتخابات حرة ونزيهة باعتراف آلاف المراقبين الدوليين، ونراهن على إعادة انتخاب غالبيتهم في الانتخابات القادمة. فلو كانت أمريكا هي التي تختار حكام العراق لفرضت عليهم أياد علاوي وجماعته كما فعل بول بريمير عندما اختاره رئيساً لأول حكومة مؤقتة عمرها 6 أشهر لكتابة الدستور عام 2004، لتليها حكومة منتخبة عمرها أربع سنوات بشكل دوري. وهذا ما حصل. إن التفسيرات الخاطئة مقصودة لتبرير الإرهاب الذي جلبه الطائفيون وبدعم من حكام الخليج وخاصة السعودية وقطر، لإفشال الديمقراطية ومنع وصول عدواها إلى شعوبهم.

مناسبة هذه المقدمة أني استلمت قبل أيام  مقالاً بعنوان (مشروع إقليم الموصل/ نينوى حلاً لقضية مصيرية)، جاء فيه: (عقدت عدة اجتماعات ولقاءات واتصالات بين أبناء الموصل/ نينوى، في المهجر، لمناقشة مصير الموصل بعد تحريرها من داعش). ولم يذكر لنا كاتب المقال مكان تلك اللقاءات، ولا أي اسم من المشاركين، مما يجعلنا نشك في حصولها، وإنما هذه المقترحات هي من بنات أفكاره الرغبوية، ومن يعمل معهم، خاصة وقد عرِف الكاتب بمواقفه المعادية للعراق الجديد بغطاء مناهضة الطائفية، ولكنه دائماً كان يركز على محاربة السياسيين من طائفة معينة، ودعمه للطرف الآخر.

يقول الكاتب: " توصّل المجتمعون إلى "مشروع" من أجل الحفاظ على مصير الموصل/ نينوى من الضياع والتفكك، والحفاظ على عراقيّتها، [لاحظ عبارة-الحفاظ على عراقيتها!!]، خوفاً من التدخلات الخارجية وخصوصاً بعد تحريرها من عناصر داعش الإرهابية، وعودتها إلى الحياة الطبيعية ثانية، وتخوّف كل أبنائها من المستقبل، كيلا تندلع أية حرب أهلية، أو طائفية، خصوصاً بعد حرب الدعايات وحجم التهديدات لأخذ الثارات، ومن أجل إبعادها عن شبح كل الأطماع الإقليمية والثارات الطائفية والصراعات القومية في المنطقة الساخنة." انتهى

يحاول الكاتب تسويق مشروعه المشبوه هذا بغطاء الحفاظ على الوحدة الوطنية العراقية، فيقول أن الموصل تمثل بتاريخها، وموقعها الجغرافي (رأس العراق)، مثلما تمثل بغداد قلبه،...الخ، ولكن لو تمعنا في تفاصيل المشروع، وإلقاء نظرة على خارطة "مشروع الإقليم"، المرفقة مع المقال، حيث يريد تحويل جميع أقضية الموصل إلى محافظات، وبالتالي نستدل أن (إقليم الموصل) ما هو إلا مشروع لدولة مستقلة أخرى، إلى جانب إقليم كردستان، تمهيداً لتفتيت العراق.

فكما جاء في تعليق للسيد مجيد القيسي على المشروع الخطير قائلاً: "أن المتتبع لشأن الوطن الجريح لابد وأن يصاب بصدمة قاسية وهو يمر على البنود والفقرات العديدة التي تكرس إلى الإنفصال في نهاية المطاف؛ لا محالة...كما تجنبوا ذكر محافظات مثل (الأنبار) و(صلاح الدين) و(ديالى) و أوضاعها الماساوية لا تختلف عن أوضاع (الموصل)." أنتهى

والجدير الذكر أنه قبل سنوات نشرت الكاتبة القديرة الدكتورة ناهدة التميمي مقالاً بعنوان (كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق)، والمضمون واضح جداً من العنوان. والحقيقة أن كردستان هي ليست فقط دولة مستقلة مصرفها على العراق، بل أكثر من مستقلة، لأنها تساهم في حكم العراق أيضاً وهي التي تقرر من يكون رئيساً له، وتقف قيادتها المتمثلة ببارزاني وأبنائه، ضد العراق وضد بناء جيشه، وجعلت عاصمتها، اربيل، ملاذاً آمناً لأعداء العراق من البعثيين الإرهابيين، وأعوانهم وكل من يتعاطف معهم، بل وراحت قيادة كردستان تتآمر مع الدواعش لتحتل مناطق من محافظة نينوى المحاذية للإقليم لتستعيدها فيما بعد بالاتفاق، وتعلن ضمها إلى كردستان بذريعة أنها استعادتها من الدواعش بالدم!! كما وتعمل قيادة بارزاني على تدمير العراق، وإنهائه، ففي تصريحات له ولأبنائه، يؤكدون على عدم وجود شيء اسمه العراق!!.

ولو توخينا الحقيقة، فإن مشروع إقليم الموصل هو أسوأ وأخطر على العراق بكثير من مشروع استقلال كردستان. فبحكم تاريخه وانتمائه القومي، يحق للشعب الكردستاني أن يطالب بالاستقلال وفق مبدأ (تقرير المصير)، ولكن على شرط أن يتم بالوسائل السلمية الديمقراطية، وأن لا يكون مرتبطاً بوحدة كاذبة من أجل أن يكون مصرفه على العراق، ويعمل على تدميره. فمشروع الموصل هو تعبير عن طموحات وأنانية بعض القادة الحالمين بتحويل محافظتهم إلى دويلة هزيلة مستقلة مرتبطة اسمياً بالعراق ليكون مصرفها على نفط البصرة، لفترة معينة إلى أن يتم ابتلاعها من قبل تركيا، خاصة وأن كاتب المشروع من المحسوبين على الأخوين النجيفي اللذين يدينان بالولاء إلى تركيا وليس للعراق.

وبناءً على كل ما تقدم، نرى مشروع إقليم الموصل، هو مشروع مشبوه، الغرض منه تفتيت العراق، وعلى المخلصين من الشعب العراقي، وخاصة السنة، وبالأخص من أبناء الموصل الوطنيين الشرفاء، الوقوف ضده وبقوة. فهؤلاء هم الذين تآمروا مع داعش، وعرضوا محافظاتهم إلى الاحتلال الداعشي المتوحش، وكما أكدنا مراراً، ما الداعش إلا الاسم الحركي لأيتام البعث وغيرهم من الطائفيين، ليرتكبوا جرائمهم البشعة ضد الشعب تحت هذا الغطاء. وكانت حصيلة جرائمهم الشنيعة هي تدمير مدنهم، وتشريد مئات الألوف من أبناء طائفتهم، واليوم يأتون لإكمال مشروعهم التدميري هذا بتأسيس دويلة الموصل كتمهيد للانفصال و إلحاقها بتركية أردوغان.
abdulkhaliq.hussein@btinternet.com 
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/
ـــــــــــــــــ
روابط ذات صلة
1- عبدالخالق حسين: الديمقراطية فضحت المجتمع العراقي
http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=559

2- ناهدة التميمي - كردستان دولة مستقلة مصرفها على العراق
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=265929


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع