خلال مشاركتى قبل أيام فى ورشة علمية دولية حول موضوع «وسائل الإعلام الاجتماعية والتطرف»، وقد عرفت هذه الورشة، تم التركيز على العلاقة بين تسخير مواقع التواصل الاجتماعى من طرف التنظيمات المتطرفة والجماعات الإرهابية، والتأثير وتجنيد الشباب العربى.
واذا كان معروفاً أن الإنترنت أصبح المحرك الأساسى للمتطرفين والإرهابيين الذين لجأوا جميعهم إلى هذه الوسيلة لاستخدامها لصالحهم، فإن، فى المقابل، أنظار المختصين وصانعى السياسات فى العالم تتجه نحو هذا العالم الافتراضى لتسليط الضوء على ما يتم من خلاله من حالات استقطاب وتمرير رسائل ومحاولة تفكيكها ونقض خطاباتها، أملاً فى منع الشباب من التشبع بالفكر المتطرف ومن الانسياق خلف العنف السياسى.
فمع تفاقم ظاهرتى العنف والإرهاب أصبحت الحكومات اليوم مجبرة، على نحو متزايد، على إيجاد حلول سريعة لمواجهة الخطر المقبل إليها عبر أجهزة الكمبيوتر وعبر شاشات الهواتف الذكية، لكن الملاحظ أن التركيز يصب فى مجمله على تحليل محتوى المواقع المتطرفة وما تبثه من سموم، فى الوقت الذى من المفروض، أيضاً، أن تجتهد هذه الأبحاث فى تحليل العلاقة بين المادة المتطرفة المعروضة عبر مواقع التواصل، وبين سلوك المتلقى، ومتى يتحول مع كل مادة يتلقاها إلى متطرف فكرياً ومنها إلى متطرف عنيف، وهل هناك علاقة بين التعرض لصور التطرف عبر مواقع التواصل وبين المواقف المتطرفة الفردية؟ وما هى عوامل نجاح الجماعات المتطرفة فى استقطاب الشباب؟
بخصوص أول وثانى سؤال، انقسمت آراء الباحثين بين من اعتبر أن التعرض لمشاهد عنيفة يمكن أن يؤثر على سلوك المتلقى ويؤدى لديه إلى زعزعة فى المعايير والقيم الاجتماعية مما يمكن أن يؤدى إلى سلوك عنيف، بينما يقول رأى آخر إن التعرض لهذه المشاهد لن يكون له سوى تأثير بسيط إلى معتدل، إلا إذا تعلق الأمر بشخصية ذات تركيبة معينة وتعانى عوامل بيئية محددة. والواقع أن المخاوف من صور مظاهر العنف ومدى تأثيرها على الشباب، التى سبقت ظهور الإنترنت بمراحل حيث إنه أثيرت فى السابق مخاوف مماثلة بشأن الإذاعة، والرسوم، والكتب المصورة، وحتى الصحف، هى أكبر هذه المرة، حيث يجب أن يوضع فى الاعتبار أن مواقع التواصل تختلف اختلافاً جوهرياً عن وسائل الإعلام التقليدية. فإذا كانت وسائل الإعلام التقليدية تحدد المحتوى من أعلى إلى أسفل وتقدم للجمهور فى شكلها النهائى، فعلى العكس من ذلك، تستند وسائل الإعلام الحديثة على التفاعل وتدور حول محتويات تتغير باستمرار من قبل المستخدمين.
أما أسباب نجاح الجماعات المتطرفة فى استقطاب الشباب، فهناك عدة عوامل محفزة يمكن أن تؤثر سلباً على الشخصية، منها ما هو مرتبط بالجانب النفسى، ومنها ما هو مرتبط بالجانب الاجتماعى، كالفقر والبطالة وعدم المساواة، ومنها أيضاً ما هو مرتبط بالجانب السياسى، كالإقصاء والعزل والتهميش، وجوانب الشخصية هذه هى ما تشتغل عليه التنظيمات المتطرفة وتجند له طاقاتها وإخصائيين يتقنون فن الإصغاء والكلام وفن الاستقطاب إذا ما أحسوا أن المتلقى بدأ يُظهر معالم انفعال واهتمام ثم تأثر ليصل إلى مرحلة الانجذاب التى تسهل بعدها عملية غسيل الدماغ والتجنيد بكل سهولة. الجماعات المتطرفة تحاول اللعب على الاحتياجات النفسية والاجتماعية الأساسية للشباب.
والشباب المستهدف، الذى يكون سهل الوقوع فى شباك الجماعات المتطرفة، غالباً ما يعانى من مشاعر الإحباط وعدم الرضا عن بعض جوانب حياته، وعن المجتمع بشكل عام، ويتميز هذا الشباب، فى مرحلة ما قبل التطرف، بأن تكون له سمة مشتركة وهى الإحساس بأنه دائم البحث عن شىء ما، وأنه دائماً فى مفترق طرق، وهذا يعنى أن الآليات النفسية مثل انعدام الأمن والإحساس بالظلم مع البحث عن الاندماج الاجتماعى، هو ما يجعل هؤلاء الشباب فى توافق مع أشخاص آخرين يتقدمون إليهم بوجهات نظر مماثلة.
الخلاصة أن الحركات المتطرفة تقدم ثلاثة أشياء لهؤلاء الشباب: الجواب عن أسئلة وجودية، الاستجابة للإحساس بالظلم، والترحيب والشعور بالانتماء، وهذا الثالوث يتوافق مع الأسس الثلاثة الأكثر أهمية للتطرف، فإذا كانت هذه العناصر مفقودة من حياة هؤلاء الشباب، وأنها لا يمكن العثور عليها فى المجتمع العادى، فهنا تصبح الجماعات المتطرفة جذابة جداً داخل فضاء مفتوح مع شباب يشعر بنقص أو ظلم أو إقصاء.
قضية التطرف هى قضية معقدة ومتشابكة، تتداخل فيها مجموعة من العوامل تجعلنا نشعر أحياناً بأننا فى دائرة مغلقة.
صحيح لن نستطيع إيقاف التطور التكنولوجى ولا إيقاف النت الذى أصبح فضاء لعرض كل منتجات العنف والقتل وأرضاً للاستقطاب والتجنيد، ولكن على الأقل نستطيع إيقاف شبابنا من أن يكون ضحية لهذا الفضاء وضحية لجماعات إرهابية، وذلك بالعمل، من خلال منظومة متكاملة، على أن تكون الدولة هى الحاضنة التى ترعى الشباب وتحل مشاكلهم وتسد خصاصهم وتضمن إدماجهم فى المجتمع قبل أن يبحثوا عن مجتمع بديل.
نقلا عن الوطن