الأقباط متحدون - .. وما أدراك ما الأزهر
أخر تحديث ١٨:٤٨ | الخميس ١٨ اغسطس ٢٠١٦ | مسري ١٧٣٢ش ١٢ | العدد ٤٠٢٤ السنة التاسعة
إغلاق تصغير

.. وما أدراك ما الأزهر

عبد الناصر سلامة
عبد الناصر سلامة

قلتُ لأحد أعضاء هيئة كبار العلماء بالأزهر: إن كل المشاكل والأزمات والصراعات الدموية، التى تعانى منها المنطقة الآن، طائفية دينية، بالدرجة الأولى، بدءاً من اليمن والعراق، مروراً بسوريا ولبنان، وحتى مصر وليبيا، ناهيك عن بعض المناوشات فى الإمارات، والأزمات فى البحرين، ومقدمات الصراع فى السعودية، وغير ذلك من أحداث فى السودان والصومال، ناهيك عن القضية الفلسطينية، والصراع العربى- الإسرائيلى بصفة عامة، إضافة إلى مناطق أخرى بالعالم الإسلامى تحديداً، مثل باكستان وأفغانستان.

لا توجد صراعات أو خلافات حدودية ضمن هذه الأزمات، أو مشاكل چيوسياسية بين أى من هذه الدول المتجاورة، هى أزمات داخلية دينية طائفية، تحولت إلى مواجهات دموية، وجدت وقوداً خارجياً، من دول المنطقة أحياناً، ومن العالم الخارجى فى أحيان أخرى، وجدت متطوعين بالمال والسلاح، فى وجود فكر متطرف، وفى غياب العقل الرشيد، الذى كان يجب أن يتدخل فى اللحظة المناسبة لإخماد نيران الفتنة، إلا أن ذلك لم يحدث، فقد امتدت النيران إلى كل هذه الأقطار دفعة واحدة، رغم أن كل حالة كان لها خصوصيتها، التى قد لا تتشابه مع الأخرى.

أضفتُ قائلاً: على المستوى الشخصى، أرى أن سبب فشل كل الجهود التى بُذلت لحل هذه الأزمات هو أنها كانت جهودا سياسية، فى حين أننا أمام مشاكل وأزمات طائفية ودينية بحتة، مما كان يوجب تغيير بوصلة التفكير فوراً، لتتجه نحو جهة ما تكون أقدر على التعامل مع الأوضاع، ولا أجد بين هيئات ومنظمات العالمين العربى والإسلامى أقدر وأوثق من الأزهر، الذى كان يجب أن يحمل على عاتقه القيام بدوره المنتظر منه، فى كل هذه الأقطار سالفة الذكر.

هذه هى الحقيقة التى لم تشأ أن تعترف بها الدبلوماسية العربية. لن تجد بين سياسيينا من يعى طبيعة الصراع بين المذاهب المختلفة، لن تجد بينهم من يعى جذور هذا الصراع، حتى يمكن أن يحكم على حاضره، لن تجد بينهم من يعى خريطة تواجد هذا المذهب أو ذاك فى الأقطار المختلفة، ولا حجم الفروقات بينها، لن يكون الحديث السياسى مقبولاً مع أقطاب هذه المذاهب، مادام الحديث منقوصاً، لا يعى حجم هذه الأزمة أو تلك، بالتالى كانت الاستقبالات، والترحيبات، والسلامات، ليعود كل منهم أدراجه من حيث أتى، دون أى نتائج على صعيد أى أزمة.

الأزهر، أيها السادة، هو مؤسسة الفكر الوسطى، المشهود لها دولياً، وليس إقليمياً فقط، ربما هذه فى حد ذاتها مشكلة مع المذاهب المتشددة، كالمذهب الوهابى، أو الجماعات المتطرفة كداعش، أو كل جماعات التكفير، إلا أن علماء الأزهر فقط هم من يستطيعون مقارعة الحجة بالحجة، هم من يستطيعون الرد على الفكر المتشدد، أو المتطرف، لأننا هنا نتحدث عن دراسة معمقة، وليس مجرد قراءة كتاب لابن تيمية، أو حتى موسوعة للمودودى.

المهم، كان رد مولانا فضيلة الشيخ، عضو هيئة كبار العلماء، غريباً وصادماً فى الوقت نفسه، قائلاً: لا تعتقد أن شيخ الأزهر حُر يمكن أن يقرر ما يشاء، أو أن هيئة كبار العلماء يمكن أن تفعل ما تشاء، أو حتى مجمع البحوث الإسلامية يمكن أن يتدخل فيما يشاء، الأزهر فى نهاية الأمر، سواء جامعاً أو جامعة، مؤسسة مصرية تخضع لإدارة الدولة وأجهزتها، بمعنى أوضح وأدق، يمكن لوزارة الخارجية أن تعترض على تدخل الأزهر فى حل هذه الأزمة أو تلك، يمكن لأحد الأجهزة السيادية كذلك، يمكن لمؤسسة الرئاسة أيضاً، وهكذا سوف تجد أن الأزهر محاط بأغلال عديدة قد لا يراها المواطن، إلا أنها الحقيقة.

كنت أعتقد حتى اللحظة أن الأزهر مؤسسة عالمية، نعم تقع على أرض مصر إلا أنها عالمية، كما الأمم المتحدة تماماً، لما لها من رصيد كبير لدى الشعوب والأنظمة على السواء، الإسلامية وغير الإسلامية، بالفعل مؤسسة الأزهر تستطيع، إن أُطلق لها العنان، أن تنجح فيما فشلت فيه الأنظمة السياسية، لنا أن نتذكر أن رئيس البرلمان الألمانى، رغم موقفه المعلن من الأوضاع فى مصر، إلا أنه استقبل الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، استقبال رؤساء الدول، شاهدنا استقبال الرئيس الفرنسى لشيخ الأزهر، كما لو كان زعيم دولة عظمى، رأينا زعماء دول يستقبلون شيخ الأزهر بالمطار، على سلم الطائرة، رأينا من يرسل له طائرته الخاصة.

ربما نحن فى مصر فقط الذين لا نعى قدر الأزهر، لم نحاول الاستفادة منه كما يجب، لا فى الداخل ولا الخارج، حاصرناه بمشاكلنا المزمنة، أطلقنا عليه المتردية والنطيحة وما أكل السبع، بحجة الضغط لتطوير الخطاب الدينى، رغم أن البعض مازال لا يعى حتى الآن، إن جهلاً وإن عمداً، أن ذلك التطوير جزء لا يتجزأ من تطوير المجتمع ككل، اقتصادياً، واجتماعياً، وسياسياً، وإلا كيف وإلى متى سيخاطب الأزهر ذلك الجائع، وذلك العاطل، وذلك المظلوم، لذا انشغل الأزهر بهموم داخلية، كان فى غنى عنها، على حساب قضايا خارجية على قدر كبير من الأهمية، ليس ذلك فقط، بل ألقت هذه القضايا بظلالها سلباً وبقوة على مجتمعنا، ونحن فى غفلة.

على أى حال، ربما كان مجلس حكماء المسلمين، الذى شرع البعض فى تكوينه مؤخراً، برئاسة شيخ الأزهر، بادرة للقيام بمثل هذا الدور المشار إليه، نظراً لأنه يضم العديد من الشخصيات المشهود لها من أقطار مختلفة، إلا أن ما أخشاه أن تكون هذه الأقطار سبباً فى غل يد هذا الشخص أو ذاك، من المنتمين إلى جنسياتها، بأن يصبحوا أسرى المواقف السياسية لبلدانهم، وهو ما سوف يؤكد فى النهاية أن الكرة يجب أن تظل فى ملعب الأزهر، ولا أحد غيره، حال اعتراف الدولة المصرية بعالميته، التى اعترف بها الآخرون مبكراً.
نقلا عن المصري اليوم


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع