بقلم : منى مكرم عبيد | الاربعاء ١٧ اغسطس ٢٠١٦ -
١٧:
١٠ م +02:00 EET
منى مكرم عبيد
أصبح من الواضح للعيان أن الحكومة المصرية فى طريقها لاتخاذ إجراءات مالية واقتصادية بالغة القسوة سيكون لها أثرها السلبى على محدودى الدخل وقطاعات كبيرة من المجتمع، بعد التوافق مع بعثة صندوق النقد الدولى بشأن القرض الذى تفاوضت الحكومة للحصول عليه ويبلغ 12 مليار دولار، وبالرغم من رفض أغلب الأحزاب السياسية والجمعيات الأهلية المسار الحكومى الذى سيغرق البلاد فى الديون من وجهة نظرها، والمطالبة بوقف الإجراءات الحكومية فوراً وعدم التوقيع على اتفاقية قرض صندوق النقد الدولى، مطالبين بتطبيق برنامج وطنى بديل للإنقاذ الاقتصادى، إلا أن الحكومة مستمرة فى النهج الذى اتخذته.
لكن تظهر عدة تساؤلات ملحة بحاجة إلى إجابة واضحة وكاشفة، أبرزها: ما هى برامج الحكومة التى على أساسها حصلت على هذا القرض؟، وما هى المشروعات التى ستقوم بتنفيذها؟، وهل هناك شروط فرضت على الحكومة قبل الموافقة على القرض؟
كلها أسئلة مشروعة وعلى الحكومة الإجابة عنها فورا فى إطار من الشفافية التى تتبعها الدول المتحضرة، وأخشى أن يتكرر سيناريو الإعلان عن اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر والسعودية، وما صاحبه من صخب وجدل كبير حول تبعية جزيرتى تيران وصنافير لمصر أم السعودية، وهو الأمر الذى تسبب فيه التكتم خلال فترة المفاوضات بين البلدين، ثم الإعلان عن الأمر فجأة، لذا هل تتعلم الحكومة الدرس وتقوم بتوضيح الحقائق والمكاشفة، أم تستمر فى أسلوب التكتم والمفاجأة وإرباك الرأى العام؟ وحسب ما تم الإعلان عنه مؤخراً، فإن برنامج صندوق النقد الدولى سيدفع 12 ملياراً على شرائح، بحيث تكون هناك مراجعة نصف سنوية كل 6 أشهر، ويراجع البرنامج الاقتصادى، وإذا كان ناجحًا، يتم صرف الشريحة التالية، وهكذا طوال 3 سنوات، على أن تكون أول دفعة 2.5 مليار دولار، فى حين هناك 18 مليار دولار الباقية لاستكمال 30 مليار دولار، لتحقيق برنامج الإصلاح الاقتصادى، سيتم الحصول على 9 مليارات بالاستدانة «3 مليارات من البنك الدولى، والدول الخليجية 3 مليارات»، و9 مليارات بالاستثمار.
وفى تقرير الشفافية الدولية حول الفساد فى العالم الأخير جاءت مصر فى الـ 88 عالمياً من أصل 175 دولة، كما تم رصد أن عمل السلطات سيئ برأى غالبية من المواطنين الذين شملهم الاستطلاع فى مصر 58%، وهو ما يؤكد أن الرأى العام لا يعرف نية الحكومة فى إنعاش الاقتصاد والخروج به من كبوته، وهل سيتم اتخاذ إجراءات تصاعدية لا تؤثر سلبياً على البسطاء ومحدودى الدخل، أم ستنفذ الحكومة ما تريده حتى ولو على حساب الفئات الأكثر احتياجاً.
لا أعرف حتى الآن سبب تكاسل الحكومة وتراخيها فى اتخاذ إجراءات بديلة كما وضعها الخبراء الاقتصاديون، بدلاً من الاستدانة والحصول على قروض من هنا وهناك يدفع ثمنها الأجيال القادمة، وبدلاً من ضخ ملايين الجنيهات فى مشروعات قومية كبرى كان من المهم إنفاقها على مشروعات صغيرة وتغيير القوانين بما يسمح بضخ مزيد من العملة الأجنبية من المستثمرين العرب والأجانب، ولكن للأسف الحكومة ليس لها بصيرة فى التعامل مع التحديات المحيطة، وتكتفى بالمشاهدة، ويتصدر الرئيس وحده المشهد فى الإعلان عن المشروعات القومية وطمأنة المواطنين على المستقبل، وكأنه يعمل وحده فى ظل تكاسل كل مؤسسات الدولة وعدم الإحساس بخطورة الوضع.
وفى إطار الحديث عن المستقبل، استفزنى الاهتمام المتزايد بمقال مجلة الإيكونوميست بشأن مستقبل الاقتصاد المصرى والتحديات المحطية، خاصة أن الإعلام تعامل مع الأمر بشكل مبالغ فيه، وبالرغم من المعلومات المعروفة وغير المفاجئة التى عرضها التقرير إلا أنه فى ضوء عدم مهنية الإعلام عمل على بث القلق فى نفوس المواطنين والتحذير من خطورة وضع الاقتصاد، وهناك من هاجم المجلة وما بثته من معلومات، وغاب عن الطرفين أنه مجرد تقرير أو مقال يحلل الوضع فى إطار عمل صحفى، وليس تقريراً من جهة دولية تحلل أداء الاقتصاد المصرى أو تحذر من خطورة الوضع الراهن، وإن كانت المجلة أخطأت كثيرا فى مطلبها بعدم ترشح الرئيس عبدالفتاح السيسى لدورة رئاسية جديدة.
وأعتقد أنه كان من المهم أن يتحدث الرئيس السيسى مباشرة للمواطنين وإطلاعهم على تحديات الوضع الراهن خلال افتتاحه أحد المشروعات، إلا أننى أخشى من تبعات سلبية على ارتفاع فواتير الكهرباء والغاز والمياه، وأخشى أن يتم رفع الدعم عن البنزين وما سيترتب على قرض صندوق النقد الدولى من تعويم الجنيه بما يؤدى إلى رفع الدولار بشكل جنونى، وهو ما سيكون له تبعات سلبية أرجو أن تدرسها الحكومة بعناية قبل أن تتخذ هذه القرارات.
نقلا عن المصرى اليوم
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع