بقلم : د. محمد صلاح البدرى | الاربعاء ١٧ اغسطس ٢٠١٦ -
٠٨:
١٠ م +02:00 EET
د. محمد صلاح البدرى
١- «أعرفه من قبل».. تلك هى العبارة التى ترددت فى ذهنى حين رأيته للمرة الأولى.. لم يكن وجهه غريباً علىَّ بالطبع.. فلا يوجد طبيب فى مصر لا يعرف أستاذ أورام الأطفال الشهير.. إنها المرة الأولى التى أراه فيها وجهاً لوجه.. ولكننى أثق أننى رأيته مراراً!!
يثير فضولى دوماً هؤلاء الأشخاص الذين يتعاملون معك بعفوية شديدة كأنهم يعرفونك منذ زمن بعيد.. على الرغم من أنها المرة الأولى التى يرونك فيها.. أشعر أنهم أطفال من داخلهم.. لا ينتمون لعالم الكبار الممتلئ بالبروتوكولات والتقاليد.. إنه من هذا النوع.. عالى الصوت.. حاضر الذهن.. تشعر أنه سينجح فى انتزاع أى اعتراف يريده منك فى لحظات!
إنها المرة الأولى التى أذهب فيها إلى مستشفى سرطان الأطفال ٥٧٣٥٧ لأقابل الدكتور «شريف أبوالنجا».. ولكنى متأكد أنها لن تصبح الأخيرة.
٢- البداية كانت تسبق هذا الموقف بأيام قليلة.. فقد كان نقاش على أحد مواقع التواصل الاجتماعى بينى وبين صحفى قدير سبباً أن يتدخل هو فى الحوار! ربما كان مستشفى سرطان الأطفال نقطة مضيئة فى مصر كلها.. ولكن النظر إليه بعين طبيب قد تختلف بعض الشىء! لقد سجلت اعتراضى أكثر من مرة على استخدام المرضى المترددين على المستشفى فى الدعاية له وجمع التبرعات.. كما كانت لدىَّ الكثير من التحفظات حول غياب الرقابة الحكومية على مثل هذا النوع من المشاريع.. فضلاً عن الملحوظة الأكثر شهرة.. وهى اختيار الحالات التى تدخل المستشفى لتلقى العلاج.. الذى يخضع لقواعد أعتقد أنها ظالمة بعض الشىء.. أشهرها أنهم لا يقبلون حالات قد تلقت أى نوع من العلاج فى مكان آخر.. لقد تدخل هو فى النقاش.. ثم تطور الأمر بمكالمة تليفونية طويلة.. انتهت بدعوة منه لزيارة المستشفى أولاً.. قبل أن أصدر حكمى النهائى بشأن تلك التحفظات.. وقد فعلت!
٣- لا أعتقد أن هناك ما هو أكثر بؤساً على هذه الأرض من طفل مريض.. خاصة إذا كان مريضاً بالسرطان.. يبدو أن البعض قد تمكن من كسر تلك القاعدة.. فالبهجة تملأ المكان كله! إنه خليط عجيب من الأطباء والممرضين والإداريين والفنيين.. الكل مبتسم طوال الوقت.. الكل يتحرك فى طرقات المستشفى بحماس ونظام أعتقد أنه غير موجود فى هذا الوادى الطيب من الأساس.. إنهم خلية عمل منتظمة ومرتبة.. النظام.. هو كلمة السر!
لم أتمكن من إخفاء إعجابى بالمكان.. إنها «يوتوبيا» المستشفيات.. الحلم الذى يحلم به كل طبيب فى مصر.. إنه الكتاب الذى نقرأ ما فيه ولا نطبق منه شيئاً.. إنهم يطبقونه حرفياً.
٤- لم يخجل من أن يناقش تقرير كفاءة الأداء وأنا أجلس أمامه فى مكتبه الضيق.. لم يتنصل من السلبيات التى عرضتها عليه تلك الطبيبة أثناء مرورها الليلى.. يعرف جيداً أنه لن يخدع طبيباً.. كما أعرف أنا أننا لسنا فى الجنة.. وأن الأخطاء الفردية موجودة فى كل مكان.. فقط كان حريصاً أن يعاقب المخطئ بصرامة وحزم.. فالأهم من إبراز الخطأ هو العمل على منع تكراره!
يقول شريف أبوالنجا: أريد أن أصنع نموذجاً يمكن تكراره.. أعرف أننا لسنا ملائكة.. ولكننا نحاول على الأقل أن نلفظ الشياطين من بيننا! لقد كان يتقافز فرحاً كالأطفال حين أتاه من يبلغه بانخفاض قوائم الانتظار إلى ما يقترب من الصفر.. كما أصدر أمره بوجود استشارى فى العيادة الخارجية ليصبح اختيار الحالات خاضعاً لرقابة أكثر دقة..
من الممتع أن تجد من يستمع إلى النقد.. والأمتع أن يستجيب!
٥- يقول «جون كوتر» أحد كبار علماء التخطيط: «من الصعب أن تحاول إصلاح نظام قديم مركب.. الأفضل أن تنشئ نظاماً موازياً جديداً.. وتستقطب فيه الكفاءات اللازمة.. فيصبح النظام الجديد «الموازى» هو المثال الذى ينظر إليه الجميع محاولاً تقليده!»
لا شك أننا نعانى من نظام الرعاية الصحية فى مصر.. ولا أعتقد أننا سنجد حلاً جذرياً له فى القريب العاجل.. أعتقد أن كياناً مثل ٥٧٣٥٧ قد يصنع الفارق الذى نبحث عنه.. وأن رجلاً مثل شريف أبوالنجا قد يكون الأمل!
إنه تجربة تخطت مرحلة مجرد مستشفى للأطفال.. فهناك مشروع لأكاديمية للعلوم الطبية تابع له.. إنه مجتمع جديد كامل.. لن يتوقف عن النمو.. لأنه يستحق أن ينمو.. ويستحق أن يسود!
نقلا عن الوطن
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع