كثيرة هى الإنجازات المادية الملموسة التى تحققت على مدار العامين الماضيين أو نصف الولاية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسى، لا أحد يجادل فى كم وكيف الإنجاز المادى الذى تحقق، وهو إنجاز كان سيتضاعف لو تحقق إنجاز قريب منه على المستوى غير المادى، أى فيما يخص الحقوق والحريات وقيم العدل والمواطنة والمساواة. الملاحظ أن هناك انتكاسات أو تراجعات فى بعض هذه المجالات أو على الأقل عدم تحقق التحسن المتوقع والمأمول واستمرار الآليات التقليدية القديمة فى العمل وإنتاج نفس المنتجات سيئة السمعة والمسيئة للنظام القائم.
فمن ناحية يبدو واضحاً استمرار المعادلة التقليدية فى الحكم عبر الاعتماد الكامل على أهل الثقة لا الخبرة، أهل الثقة الذى يعملون مع كل نظام، ما إن يتهاوى نظام أو يرحل زعيم حتى يهيلوا عليه وعلى تاريخه التراب ويبدأوا فى حمل المباخر للنظام الجديد وقائده، نفس الوجوه هى هى لم تتغير ولا كلمات الرياء تجددت، التجديد يكون فقط فى الأسماء التى يقسمون يمين الولاء لها.
من ناحية ثانية سرعان ما تتبخر الوعود بالإصلاح والتغيير فتعود الآليات القديمة للعمل بكفاءة ونشاط. ونذكر هنا قصة مزيد من الاعتماد على الأجهزة الأمنية وتنحية السياسة جانباً، فالملاحظ على نصف الولاية الأولى للرئيس عبدالفتاح السيسى أن هناك اعتماداً واسعاً على الأجهزة الأمنية فى إدارة المجالات غير الأمنية، وطغياناً لدور الأمن على الحياة السياسية والمجال العام بما فيه المدنى، فالثقة مرتفعة للغاية فى أصحاب الخلفية الأمنية، وشبه منعدمة فى المدنيين، ومن ثم ترك للأمن إدارة الحياة السياسية وترتيب المجال العام فكانت الكوارث المتلاحقة من الطائرة الروسية إلى مأساة ريجينى مروراً بالإدارة الفاشلة لملفات: الشباب، الحريات والتظاهر، المواطنة والتعامل مع الاعتداءات الطائفية المتكررة، تلاعب الأمن بهذا الملف وملف مشروع قانون بناء الكنائس الذى يقاتل الأمن فى سبيل عدم انفلات الملف من يديه. نعلم أهمية دور المؤسسات الأمنية فى إعادة الاستقرار إلى ربوع البلاد والقضاء على حالة الانفلات الأمنى والفوضى التى ترتبت على ما جرى فى مصر اعتباراً من الخامس والعشرين من يناير، لكننا نعرف أيضاً أن الأمن ينحصر دوره فى مجالات محددة ليس من بينها إدارة المجال العام، وإدارة ملفات المواطنة والحريات والحقوق العامة والخاصة، وإدارة قضايا الشئون السياسية الداخلية بما فيها من أحزاب وبرلمان ونخب وتفاعلات بينها، أو إدارة قضايا السياسة الخارجية للبلاد، لا يعنى ذلك استبعاد الأمن من المشاركة فى إدارة هذه الملفات، على العكس تماماً، لا بد من وجود الأمن فى إدارة هذه القضايا وأن يلعب الدور المنوط به، لكن ما نشدد عليه هنا هو أن الأمن لا ينبغى أن يلعب الدور الرئيسى أو أن يكون الفاعل الأول فى إدارة هذه الملفات، فإدارته قاصرة على المكون أو البعد الأمنى، وزيادة المكون أو مساحة الدور لا تجلب سوى الكوارث على النحو الذى يبدو لنا فى عشرات الملفات التى انفرد الأمن بإدارتها على الصعيدين الداخلى والخارجى، ومن هنا فإن الملاحظة الجوهرية هى أن قللوا من المكون الأمنى وزيدوا مساحة المكون السياسى فى إدارة شئون البلاد وقضايا سياستها الخارجية.
نقلا عن الوطن