بقلم: محمد بربر
صداع قاتل أصاب الوطن، أدمى قلوب المؤمنين بحب مصر "الفساد الآن".. هذا هو التوصيف الأكثر دقة لما يحدث الآن في بلادنا المنكوبة. كثر اللغط، وطالت الأحاديث، والأخطبوط الأحمر يعيث في رحاب المحبوبة فسادًا وإفسادًا.. مئات الحوادث والجرائم التى تُرتكب باسم "الفساد". عرق المواطن الشريف يتصبب على جبينه حزنًا وألمًا على ما آلت إليه الأوضاع في بلادنا. الضمائر الوطنية المخلصة لا تقبل هذا العبث، وتكافح من أجل فضح وتعرية كل بؤر الفساد.

الإعلامية "بثينة كامل"- ومعها كتيبة من محبي مصر- آمنت بشرفاء هذا الوطن، وأعلنت عن جائزة المحارب المصري ضد الفساد، وهي جائزة تقدِّمها حركة "مصريون ضد الفساد" للمواطنين الشرفاء، الذين رفضوا ركوب الموجة والانقياد لإغراءات المال والمصلحة، مفضِّلين المصلحة العامة للوطن، بضمائر نقية لم تتلوث.

جميعنا يجب أن نفخر برموز تصدت للفساد. رفضت المال على الرغم من الحاجة، واختارت أن تكون وجوهًا مشرِّفة على ألا تعيش في حرام. الحرام في بلادنا أصبح على عينك يا تاجر! ما حدث في الانتخابات التشريعية الأخيرة حرام.. أحداث "العمرانية" حرام.. تزوير إرادة الأمة حرام.. الحرام هنا لا يدخل صاحبه النار فحسب، هذا حساب يوم القيامة، لكن حرام الدنيا يسلط العار والذل على صاحبه. كم من إنسان مات وبقيت ذكراه؟ للفاسدون أيضًا ذكريات سيئة السمعة..

على مدار السنوات الأربع الماضية، ترشَّح لهذه الجائزة عدد من شرفاء هذا الوطن ورموزه. المهندس "يحيى حسين"، والسفير "إبراهيم يسري"، وأهالي قرية "المريس" بـ"الأقصر" الذين كافحوا ضد نزع ملكية قريتهم وانتصروا، و"سهير الشرقاوي" التي فجَّرت قضية أكياس الدم الفاسد، والمهندسة "منال سيد حسن" التي رفضت رشوة مليوني جنيه، بينما يبلغ مرتبها كاملاً سبعمائة جنيه فقط لا غير، والدكتور "شكري عازر" منسِّق اللجنة الشعبية للدفاع عن أموال التأمينات والمعاشات، ومرشحو هذا العام ليسوا أقل كرامة.. هم كالمصابيح التى تنير لأبناء الوطن المسلوبة حقوقهم نبراس الحق حتى تتضح الحقيقة.. المهندس "حمدي الفخراني" رجل "مدينتى" الذي تصدَّى لنهب مال الشعب وصاحب قضية الحد الأدنى للأجور، و"ناجي رشاد" العامل في شركة مطاحن جنوب القاهرة الذى خسر عمله قبل أن يحصل على حكم تاريخي من القضاء المصري بجعل الحد الأدنى للأجور ألف ومائتي جنيه، وآخر المرشحين المهندس "محمد أبو شادي" بشركة المحاريث والهندسة الذي تصدَّى لمناقصات استيرادية فاسدة يتحمل الشعب المصري فيها الملايين من ماله لصالح بعض الفاسدين.. جميعهم فائزون بجائزة حب الوطن، وتقدير كل المصريين لأياديهم البيضاء وقلوبهم المخلصة.

وصدقًا أرى، أننا بحاجة إلى تعليم شبابنا وأطفالنا مبادىء حقوق الإنسان. احكوا لهم عن الرموز التي حاربت وناضلت من أجل أن يستمر هذا الوطن ينبض لهم وبهم. تحدثوا معهم عما حدث في حروب المصريين على مر التاريخ، وكيف قدَّم المصريون أروع الأمثلة فداء لوطنهم. علِّموهم رفض سياسات التمييز والتفرقة العنصرية؛ حتى لا يستمر الأخطبوط الأحمر في إراقة شباب ماتوا في سبيل أوطانهم. وهل "خالد" و"مكاريوس" وشباب "نجع حمادي" عنا ببعيد؟!!

عقيدتي أن دور الإعلام هو تقديم نماذج آمنت ببلادها، وضرب المثل العليا في التضحية لكشف المستور عنه. ومشكلتنا الأساسية في "مصر" أننا نستطيع عزف اللحن الحزين، لكننا أبدًا لم نحاول إيجاد ألحان أكثر أملاً وإمتاعًا وسعادة. إننا- حقا- بحاجة إلى غرس قيم رفض الفساد والظلم، وترسانة القوانين الجائرة عبر نماذج مضيئة حاربت ضد الفساد، أملاً في مستقبل مشرق لوطن يحتاج إلى كل المساعي المبذولة حتى تتحقق التنمية بسواعد أولاده لا بسواعد الفاسدين. وهل للفاسدين في بلادنا سواعد؟!